انتصار الإرهابيين المدعومين من قبل واشنطن والرياض في سوريا أمسى هدفاً لحفظ ماء الوجه بالنسبة إلى ساسة البيت الأبيض وآل سعود لكونهم على يقين بأن تغيير المنحى التركي بالنسبة إلى دعم زمرة “داعش” يعني اجتثاث الإرهاب من سوريا وتوجيه صفعة قوية لأمراء السعودية.
الخبير في الشؤون الاستراتيجية\حسين شيخ الإسلام- لا يختلف اثنان في أن نظام آل سعود هو أجلى مظاهر الأنظمة الاستبدادية الجائرة في غرب آسيا، والشعب السعودي محروم من تقرير مصيره، بل لا يحق له اتخاذ أي قرار مهما كان نوعه ويعيش في كنف حياة مرعبة تحت نير هذا الحكم المتخلف، ومع ذلك فقد دمر البنى التحتية في سوريا وذبح أبنائها بزعم دعم الديمقراطية هناك!
أن الخبير بالشؤون الاستراتيجية السيد حسين شيخ الإسلام دون مقالاً في صحيفة “حمايت” حول الانقلاب العسكري الفاشل الذي عصف بتركيا مؤخراً ووصفه بأنه أهم حدث تشهده الساحة التركية إبان حكومة حزب العدالة والتنمية وقال إنه يحمل في طياته الكثير من التساؤلات التي أدت إلى طرح العديد من الفرضيات حول أسباب حدوثه والدواعي من وراء ذلك.
وأشار حسين شيخ الإسلام إلى أن العالم الإسلامي اليوم يسير نحو ترسيخ مبدأ سيادة الشعب الدينية الذي ينم عن سلامة العملية السياسية في كل بلد يتبناه، لذا من المؤكد أن الشعب الذي يسعى لإقراره يعارض جميع أشكال الحكم الاستبدادي والدكتاتوري، وقال إن بعض بلدان المنطقة تحكمها أنظمة لا تطيق أي نمط من أنماط سيادة الشعب أو الديمقراطية، في حين أن بعضها الآخر تخلى عن هذه السياسة المتطرفة وحاول الساسة فيها إعادة النظر بحساباتهم واحترام شعوبهم.
وصرح هذا الخبير الاستراتيجي قائلاً: لا يختلف اثنان في أن نظام آل سعود هو أجلى مظاهر الأنظمة الاستبدادية الجائرة في غرب آسيا، والشعب السعودي محروم من تقرير مصيره، بل لا يحق له اتخاذ أي قرار مهما كان نوعه ويعيش في كنف حياة مرعبة تحت نير هذا الحكم المتخلف، وفي الفترة التي انطلقت فيها الصحوة الإسلامية بدأت الحكومات الفاسدة التي كانت تتغذى على فتات مائدة آل سعود بالتساقط واحدة تلو الأخرى دون تتمكن حكومة الرياض الهزيلة من تقديم أي دعم جاد لها كي تبقى جاثمة على صدور شعوبها رغم كل تلك المساعي الحثيثة التي بذلتها لقمع الحركات الشعبية وغاية ما في الأمر أنها أصبحت ملاذاً لمن فر من الحكام الدكتاتوريين.
وإلى جانب الحكومة السعودية هناك حكومات أخرى تخشى غاية الخشية من سيادة الشعب الدينية، وبما فيها حكومات قطر والبحرين والإمارات والأردن والبحرين، ومن هذا المنطلق بادرت هذه الحكومات إلى إضعاف أو إسقاط الحكومات القائمة على الأصوات الانتخابية لشعوبها، ولا سيما تلك الحكومات الداعمة لتيار المقاومة والمؤيدة له، فقدمت دعماً هائلاً للحركات الإرهابية.
لا شك في أن محاربة آل سعود وأمثالهم للديمقراطية والحرية في المنطقة سببها الخشية من مطالبة شعوبها بالمشاركة في تعيين المصير واسترجاع الحقوق المسلوبة، لكونهم يعرفون حق المعرفة أن المواطنين إن تمكنوا يوماً من الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة سوف يركنونهم جانباً ويدوسونهم تحت أقدامهم بحيث لا يبقى لهم ولا لحكوماتهم الفاسدة أثر يذكر.
وفي خضم هذه الظروف علينا الالتفات إلى الدور الهام الذي تلعبه الولايات المتحدة على هذا الصعيد، فالأمريكان يدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن الحكومات الدكتاتورية في المنطقة على الرغم من معرفة القاصي والداني بأن نظام حكم آل سعود في السعودية يعد أبرز مظاهر الحكومات الرجعية المتخلفة التي فاقت حكومات القرون الوسطى في جهلها وبطشها وجورها، وبالطبع فإن ساسة البيت الأبيض يدعمونها ضماناً لمصالحهم.
وبالنسبة إلى الانقلاب العسكري الأخير الذي شهدته الساحة التركية قال حسين شيخ الإسلام: في الساعات الأولى لهذا الانقلاب الفاشل بادرت معظم بلدان العالم إلى شجبه، في حين أن وزير خارجية آل سعود عادل الجبير لم يتخذ موقفاً إزاءه أمام الصحفيين وتهرب من بيان وجهة نظر أسرته الحاكمة بالنسبة إلى ما حدث! وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة أنقرة قبل هذا الانقلاب قد أعلنت عن نيتها في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية وصرح رئيس وزرائها أن مواجهة الإرهاب منوط بتحقق الاستقرار في سوريا، وهذا الأمر بكل تأكيد كان كافياً لإثار قلق أعداء الشعب السوري الداعمين للدواعش ومن لف لفهم وعلى رأسهم نظام آل سعود وساسة البيت الأبيض الأمر الذي دعاهم إلى تحذير أنقرة من مغبة العمل على إقرار الأمن ومحاربة الإرهاب في سوريا.
هذا الانقلاب العسكري الذي تم تنفيذه بشكل متسرع قد تم التخطيط له بشكل أجمع الخبراء على سذاجته مما يعني أنه ليس انقلاباً عسكرياً جاداً وحقيقياً، وإنما مجرد تحذير للحكومة التركية بشأن نهجها السياسي الجديد الذي أعلنت عنه مؤخراً، وعلى الرغم من أن السياسة التركية تجاه دمشق لم تشهد تغييرات واضحة حتى الآن إلا أن مجرد إعلانها عن تبديل سوء نيتها تجاه جارتها إلى حسن نية يعد كافياً لإثارة حفيظة داعمي الإرهاب لأن انتصار الإرهاب في سوريا سواء تجسد في داعش أو في سائر أخواتها يعني حفظ ماء وجه نظام آل سعود وساسة البيت الأبيض، والجميع يعلم جيداً أن تغيير أنقرة لسياساتها تجاه الإرهاب الداعشي في سوريا يعني تحرر الشعب السوري سريعاً من شبح الإرهاب الوهابي التكفيري وبوقت قياسي، وهذا الأمر بكل تأكيد يوجه صفعة مهينة لأزلام النظام السعودي ومن لف لفهم.
إذن، يمكن القول إن الانقلاب العسكري التركي تم التخطيط له من قبل حكومتي الرياض وواشنطن بهدف الانتقام من الحكومة التركية بعد أن أبدت نوعاً من المرونة تجاه الحكومة الشرعية في سوريا، حيث يروم الأمريكان وأتباعهم تحذير حكومة أردوغان بأنهم قادرون على إشعال حرب داخلية في تركبا بكل سهولة كما فعلوا في سوريا ما لم تبق أنقرة داعمة للإرهاب، فواشنطن تسعى إلى تحقيق مآربها في مشروع الشرق الأوسط الكبير والرياض تحلم بتأسيس جيش إقليمي كي تسلطه ضد الجمهورية الإسلامية حيث قامت بمناورات عسكرية لهذا الغرض مع بعض المتغذين على دولارات النفط من البلدان العربية وغير العربية، والملفت للنظر في هذه المناورات الهشة التي هدفت إلى مواجهة الدعم الإيراني للشعب السوري في التصدي للإرهاب الداعشي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يكن حاضراً في حفله الختامي مما يعني أنه بات يعارض التعدي على سوريا عسكرياً.
وبالفعل فإن هذا الانقلاب العسكري الفاشل قد عصف بالتنبؤات القائلة بعدم إمكانية حدوث انقلابات أو حروب داخلية في تركيا، ومن المؤكد أن التسرع الذي بدر من الانقلابيين أثبت إمكانية حدوث أي حدث طارئ وغير متوقع على الأراضي التركية شريطة التنسيق الصائب والإشراف الدقيق، وهو ما أراده أعداء سوريا الذين يدعمون الإرهاب التكفيري.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة منذ عقد الستينيات بادرت إلى دعم جميع الانقلابات العسكرية التي حدثت في تركيا وقامت بتعيين الحكومات الموالية لها وقمع كل من يخالفها بأساليب عديدة، لذا ليس من المستبعد أنها اليوم قادرة على تكرار تلك السيناريوهات بكل سهولة، لذا يمكن اعتبار الانقلاب الأخير مجرد تحذير وتنبيه لا أكثر، وهذا الأسلوب نفسه اتبعته واشنطن وأعداء الشعب السوري ضد دمشق مؤخراً حيث حرك الساسة الأمريكان نظام القرون الوسطى في الرياض بغية تدنيس كرامة بلد ذي حضارة عريقة مثل سوريا وإسقاط نظامه الحاكم المتقوم على انتخابات شرعية ويقوده رئيس محبوب من قبل الشعب السوري، إذ لقنهم أسيادهم الأمريكان بأن بقاء حكمهم الطاغوتي مرهون بإسقاط الحكومة الشعبية في سوريا والسبيل الوحيد بطبيعة الحال هو تقوية المد الوهابي التكفيري وتزويده بشتى أنواع الدعم المالي والتسليحي والمعنوي.
في بادئ الأمر حاول آل سعود ترغيب الحكومة السورية بالتخلي عن دعم المقاومة الإسلامية والشعبية المناهضة للصهاينة ووعدوها بأنها إن فعلت ذلك سوف تنال دعماً مالياً وسياسياً ودولياً واسعاً، لكن جهودهم الشيطانية هذه بعد أن باءت بالفشل بادروا إلى ضخ الإرهابيين الوهابيين بفكرهم الظلامي إلى هذا البلد المستقر وزعزعوا أوضاعه ودمروا بناه التحتية وأحرقوا الحرث والنسل؛ لذا أرادوا تكرار نفس هذا السيناريو في تركيا بعد أن لمسوا منها مساعي للتوقف عن قتل الشعب السوري والتخلي عن دعم الفكر الداعشي الوهابي.
وفي ختام هذا المقال وجه هذا الخبير الاستراتيجي رسالة إلى الساسة الأتراك وقال: الحكومة الإسلامية في إيران تستنكر جميع أشكال المؤامرات التي تستهدف جميع الحكومات المنتخبة من قبل شعوبها، ولا فرق في ذلك بين أن تحاك هذه المؤامرات ضد تركيا أو سوريا.
وأكد حسين شيخ الإسلام على أن المسؤولين الأتراك ربما أدركوا اليوم أن دعم الإرهابيين في سوريا وجميع المسلحين المنضوين تحت مظلة ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة يعني تذوق طعم المرارة الحقيقي، وقد اتضح لهم السبب في دعم طهران لكل نظام حاكم متقوم على آراء شعبه.