الوقت- لاشك ان من اهم قضايا عالم اليوم هو استقرار أو عدم استقرار الأنظمة السياسية، فأي نظام يحتاج قبل كل شيء الى الاستقرار ليواصل عمله دون خطر يهدده واذا نجحت العوامل المزعزعة للاستقرار في ايقاف اي نظام عن العمل فإن ذلك النظام سيسقط على الارجح.
ان احدى الدول التي يعتبر استقرارها لغزا للمحللين على الرغم من وجودها في اكثر مناطق العالم اهتزازا هي السعودية، فهذا البلد متورط في كل ازمات الشرق الاوسط تقريبا وان المؤشرات السياسية والمدنية فيه ليست جيدة ومناسبة لكنه يتمتع باستقرار نسبي ولايواجه خضات وصدمات جدية، وبعبارة اخرى لايمتلك النظام السعودي مقومات الاستقرار لكنه مازال مستقرا.
لماذا عدم الاستقرار؟
ان الاستقرار السياسي يعني عدم وقوع الاحداث المتتالية وعدم حدوث تحركات وافعال تهدد العمل المنتظم لنظام الحكم اي التعرض لأقل قدر ممكن من دوافع التغيير، اما عدم الاستقرار فإنه يعني حدوث تغيير يتجاوز التذبذبات العادية ويدل على عدم وجود التنسيق بين اقسام نظام الحكم.
وفي الحقيقة يدل الاستقرار على وجود توازن بين المطالب الشعبية من جهة والاداء الحكومي من جهة أخرى، وفي المقابل فإن ابسط تعريف لعدم الاستقرار السياسي هو عدم ثبات القوى السياسية الحاكمة وتزلزلها والتغيير السريع للمناصب وسقوط اللاعبين السياسيين، ان عدم الاستقرار يمكن ان يبرز كقهر داخل النظام أو قهر يمارسه النظام أو قهرا ضد النظام بأشكاله المختلفة.
وهناك خبراء ومنظرون يقولون بأن الحرمان النسبي هو السبب الأساسي لعدم الاستقرار، وحسب هذه النظرية فإن الازمة تحدث حينما يعتقد المعارضون بأنهم لايتمتعون بحقوقهم لسبب من الاسباب ولذلك وبسبب شعورهم بالاحباط يلجأون الى العنف السياسي.
أسباب الاستقرار السياسي في السعودية
هناك هيكلية سياسية واجتماعية في السعودية لايمكننا ان نجد نماذج مثلها في البلدان الاخرى، ان منطقة الشرق الاوسط تعاني منذ 5 سنوات من عدم استقرار شامل قل نظيره وهناك هزات ارتدادية كثيرة له لكن السؤال المطروح هو لماذا استطاعت السعودية ان تحفظ استقرارها وتصيب بأقل الاضرار رغم وجود مصائب داخلية عديدة فيها؟
ان السعودية لها نظام ملكي مغلق تحكمها الوهابية واقتصادها مبني على النفط ومنذ تشكيل النظام السعودي في عام 1932 تتحكم عائلة آل سعود بهذا البلد ولا دور للفئات الاجتماعية في هيكلية هذا البلد، وقد شهدت السعودية حدوث بعض الاصلاحات في هذه الفترة تحت ضغوط داخلية وخارجية مثل الاصلاحات التي حدثت في السنين الاخيرة في مجلس الشورى واجراء الانتخابات البلدية والاصلاحات التعليمية وعقد بعض المؤتمرات.
ورغم حدوث هذه الاصلاحات الشكلية يحاول آل سعود فرض نمط خاص للمواطنة في هذا البلد وفي الحقيقة يسعى هؤلاء لتعزيز مفهومهم الخاص للمواطنة والذي يتوقف فقط على القضايا الاجتماعية والاقتصادية ويتجنب الدخول في السياسة، ان هذا التعريف للمواطنة لا اثر فيه للعناصر السياسية التي يسعى النظام الى التقليل من اهميتها.
ومن جهة اخرى هناك اعتقاد سائد في السعودية بأن الاصلاحات ليست ظاهرة واقعية تقدم تعريفا جديدا عن مفهوم المواطنة بل هو قضية سطحية تخدم فقط سلطة وقدرة عائلة آل سعود.
ان النظام السعودي يتحدث فقط عن الاصلاحات ويواجه التحديات التي تظهر امامه باتخاذ خطوات صغيرة ويمنع ردود الافعال وتراكمها تماما كما يفعل صمام الأمان فهدف النظام السعودي من هذه الاصلاحات هو الحفاظ على السلطة وايجاد التوازن امام اي زعزعة للاستقرار، فعلى سبيل المثال يجري هذا النظام الانتخابات البلدية لكن المجالس البلدية لاتملك اية صلاحيات وسلطات ونصف اعضائها ممن يتم تعيينهم لكن وفي نفس الوقت يوهم النظام الشعب السعودي بحدوث اصلاحات وتحسين الاوضاع وهذا يخدم نظام آل سعود واستقراره.
وربما يمكن تلخيص معادلة الاستقرار السياسي في السعودية على الشكل التالي “ان النظام يقدم مفهوما عن المواطنة يكون المواطن فيه منشغلا بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية وليس السياسية وفي المقابل يجري النظام بعض الاصلاحات السطحية والشكلية يروي بها عطش الفئات الاجتماعية المتطلعة نحو التغيير وهكذا يمنع النظام حدوث صدمات أساسية تهدد الاستقرار الموجود الهش”.