من يتابع سير المعارك في سوريا وبالأخض الجبهة الشمالية، يدرك مدى حجم الدعم العسكري واللوجستي الذي تتلقاه الفصائل الإرهابية التي تقاتل ضد الجيش السوري وحلفائه، فقد أظهرت العديد من التقارير والبحوث الاستقصائية تورط العديد من البلدان في دعم الفصائل الإرهابية في سوريا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وتركيا والأردن.
منظمة العفو الدولية، أكدت في تقرير لها بتاريخ 4-7-2016 “ارتكاب المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة وقطر والسعودية وتركيا جرائم حرب في محافظتي حلب وإدلب، مشيرة إلى قيام هذه المجموعات بالخطف والتعذيب والقتل خارج إطار القانون.”
وفي هذا السياق قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في حديثه لوكالة تسنيم بتاريخ 20-7-2016: “طبعاً نعرف أنه لولا الدعم الذي يُقدَّم للمجموعات الإرهابية في حلب ومدن سورية أخرى وخاصة من النظامين التركي والسعودي لما كان بإمكان هذه المجموعات الإرهابية المسلحة البقاء في هذه المدن وقتل المواطنين الأبرياء بهذا الشكل”.
كلام المقداد عززه العميد في الجيش السوري هيثم حسون الذي أمد في حديثه لتسنيم بتاريخ 9-8-2016 أن الاستخبارات الأمريكية هي من قادت المجموعات الإرهابية منذ الأيام الأولى لمعركة حلب إن كان في منطقة “الراشدين أربعة” أو في العمليات التي أعلنت لاحقا والتي أدت إلى الوصول للثكنات العسكرية (كلية التسليح والمدفعية)، وبالتالي هذه الاستماتة والشراسة في الهجوم من قبل المجموعات الإرهابية والإصرار من قبل الدول الداعمة لها على منع الجيش السوري والقوى الداعمة له من أن يحقق نصرا في هذه المنطقة، يدل على أن المسألة لاتتعلق فقط بموضوع عسكري يتمثل بفك الحصار عن الإرهابيين المحاصرين في الأحياء الشرقية، بل يدل على وجود أمور استخباراتية قد يكون إحداها وجود ضباط “اسرائيليين” وغربيين ويمكن أيضا أمريكيين موجودين في الأحياء الداخلية لحلب.”
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت تقريراً استقصائياً نهاية تموز الماضي، كشفت فيه عن خطوط تدفق الأسلحة من دول البلقان إلى الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية في سوريا ومنها إلى سوريا بقيمة تصل إلى أكثر من مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية.
وبحسب الصحفيين في الغارديان فإن هذه الأسلحة تتوافد منذ العام 2012 إلى كل من السعودية والأردن والإمارات وتركيا من ثم تتوجه إلى أسواق السلاح في سوريا واليمن، قادمة من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا والتشيك وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا، بصفقات تصل إلى أكثر من مليار دولار، ويشير التقرير إلى أن هذه الأسلحة وصلت إلى أيدي ميليشيا “الجيش الحر” إضافة إلى بعض التنظيمات التكفيرية المرتبطة بجبهة النصرة الإرهابية.
ووفقاً للتقارير فإن 4700 طن من الأسلحة، بما في ذلك رشاشات ثقيلة وقاذفات صواريخ وأسلحة مضادة للدبابات، وكذلك الرصاص وقذائف الهاون والقنابل اليدوية والصواريخ وغيرها من المتفجرات، قد وصلت إلى منشآت عسكرية في الأردن وتركيا من قبل بلغاريا ورومانيا وغادرت آخر سفينة استأجرتها الولايات المتحدة بلغاريا في 21 حزيران من العام الجاري 2016، وكانت تقلّ نحو 1700 طن من نفس المواد إلى مكان مجهول في ميناء البحر الأحمر.
ويتم توجيه هذه الأسلحة عادة إلى الداخل السوري عبر غرفتي عمليات عسكريتين رئيستين، هما “الموك” و”الموم”، حيث يتم نقلها عبر الحدود أو إلقاؤها جوا، كما تفعل القوات السعودية مع حلفائها في اليمن.
وقد اعترف السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد إن السعودية اشترت من كرواتيا عام 2012 عشرات طائرات الشحن المحملة بالأسلحة والذخيرة والتي حطت في الأردن ليظهر بعدها السلاح الكرواتي في أيدي الفصائل المقاتلة في سوريا.
إحدى التنظيمات الإرهابية التي تتلقى دعماً أمريكياً وتركياً لا محدوداً، هي حركة “نور الدين الزنكي” المنتشرة في حلب وأريافها، والتي تسعى أمريكا إلى تسويقها كحركة معتدلة في المحافل الدولية، في الوقت الذي ترتكب انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، كان آخرها نحر الطفل الفلسطيني عبد الله عيسى، الذي لم يبلغ من العمر 12 عاماً بحجة أنه كان يقاتل إلى جانب الجيش السوري.
حركة نور الدين الزنكي المدعومة أمريكياً تزعم دائماً أنها حركة معتدلة بهدف التغطية على فكرها التكفيري والذي ظهر جلياً من خلال تنسيقها الأخير مع “جبهة النصرة” في معارك ريف حلب الشمالي، حيث تمكن الجيش السوري من السيطرة على مزارع الملاح وقطع طريق الكاستيلو – طريق الإمداد الوحيد للمجموعات الإرهابية عن طريق تركيا.
ذبح الطفل الفلسطيني من قبل عناصر من الزنكي، وضع الأمريكي في موقف حرج، بعد أن اتضح للجميع الوجه القبيح لتلك الحركة، وأصبح على أمريكا أن تتخذ موقفاً أمام الرأي العام، يحفظ ماء وجهها ويبعدها عن دعم الإرهابيين، ما دفعها للتصريح على لسان المتحدث باسمها مارك تونر بأنها “تدرس إمكانية قطع المساعدات التي تقدمها لحركة نور الدين الزنكي في حلب شمال سوريا وذلك على خلفية ما قام به عناصر ينتسبون إلى الحركة بقطع رأس الطفل عبد الله عيسى”.
التصريح الأمريكي، دفع أحد قياديي حركة نور الدين الزنكي المدعو عبد الله الحلبي، إلى التصريح بأن ما قام به مجموعة من عناصر الحركة لا يمثل الحركة ككل والتي تتبع سياسة مخالفة لما أظهره أولئك العناصر”، زاعماً أن “قيادة الحركة وعدت بمحاسبة الفاعلين وتقديمهم للجنة قضائية عادلة”، إلا أن نفس الإرهابيين الخمسة الذين صوروا مقطع فيديو ذبح الطفل ظهروا في مقطع آخر بعد 3 أسابيع في منطقة الراموسة بجبهة ريف حلب الجنوبي حيث دارت معارك طاحنة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة وأكثر من 20 فصيل إرهابي من جهة أخرى أبرزهم جيش الفتح وحركة نور الدين الزنكي، ما يدلّ على أن محاسبة الإرهابيين وإيقاف دعمهم من قبل أمريكا ما هو إلا مزاعم لتجميل الصورة الأمريكية أمام الرأي العام.