الرئيسية / تقاريـــر / بين عراق الصدر وعراقنا – نبيل لطيف

بين عراق الصدر وعراقنا – نبيل لطيف

تمر هذه الايام الذكرى الرابعة والثلاثون لاستشهاد المرجع الامام السيد محمد باقر الصدر (قدس الله سره) واخته العلوية بنت الهدى عام 1980 ، على يد يزيد العصر السفاح المجرم صدام حسين الذي سقط صنمه في مثل هذه الايام من عام 2003.

اقول ونحن نعيش ذكرى الامام الشهيد ، أين نحن من تلك الصورة التي كانت مرسومة في مخيلته للعراق والعراقيين اذا ما تحرر من الطاغية صدام ، وهي صورة رسم جوانب منها لحوارييه وخاصته وتلامذته ، وهم كثر في العراق ما بعد الدكتاتورية؟.

اما أمثالي الذين لم يتشرفوا برؤية الشهيد الصدر ولم يجلسوا في مجلسه ولم يسمعوا خطابه ، تعرفوا على الخطوط العريضة للصورة التي اراد ان يكون العراق على شاكلتها بعد الدكتاتورية ، من خلال النداءات الشهيرة للشهيد الصدر المعروفة بالنداءات الثلاثة التي سجلها الشهيد بصوته على اشرطة كاسيت قبل استتشهاده ، وطلب من تلامذته ان ينشرونها بين الناس في حال اعتقاله او اعدامه ، الا انها وصلت الينا بعد مدة من استشهاده ، لخوف حوارييه وتلامذته على اهله واقاربه من وحشية صدام وجلازته.

استطيع ان ارى ملامح القائد في عراق الصدر من خلال هذه العبارات من ندائه الاول عندما يقول الصدر: “وأني أود ان أؤكد لك يا شعب ابائي وأجدادي اني معك وفي أعماقك ولن أتخلى عنك في محنتك، وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك” ، وفي جانب اخر يقول: ” وأني أعلم ان هذه الطلبات سوف تكلفني غالياً وقد تكلّفني حياتي، ولكن هذه الطلبات هي مشاعر امة، وطلبات امة، وأرادة امة، ولا يمكن ان تموت امة تعيش في أعماقها روح محمد وعلي والصفوة من آل محمد واصحابه” ،  لماذا يكون هذا هو القائد في عراق الصدر ؟، الشهيد نفسه يجيب على ذلك في ذات النداء فيقول : ” اذ تدفقوا إلى أبيهم يؤكدون ولائهم للاسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحمية والتقوى يطلبون منّي أن أظل أواسيهم وأعيش آلامهم عن قرب لانها آلامي”.

مثل هذا القائد يتقدم شعبه ولا يبخل بتقديم روحه من اجله ، وانه على استعداد ان يركب كل المصاعب من اجل شعبه ، ويعيش افراحه واتراحه ، وفي ذلك مواساة لكل عراقي يعيش في العراق بغض عن موقعه الاجتماعي.

وقائد عراق الصدر ، هو قائد الجميع عربا وكوردا وشيعة وسنة ، وفي اخر نداء الى الشعب العراقي قبل استشهاده ، وهو النداء الثالث ، يقول الشهيد الصدر: ” يا شعبي العراقي العزيز.. أيها الشعب العظيم.. اني اخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك، وحياتك الجهادية بكل فئاتك، وطوائفك بعربك، وأكرادك بسنتك، وشيعتك، لان المحنة لا تخص مذهباً دون آخر، ولا قومية دون اخرى، وكما ان المحنة هي محنة كل الشعب العراقي فيجب ان يكون الموقف الجهادي، والرد البطولي، والتلاحم النضالي هو واقع كل الشعب العراقي”.
وعندما يتربص المتربصون بالعراق ويحاولون العزف على وتر الطائفية لزرع الفتن بين ابناء الشعب الواحد ، يعمل القائد على توعية الشعب للمخاطر المحدقة به ، وخاصة تحذيره من المؤامر الكبرى ، التي تنبأ بها الشهيد الصدر بعبقريته المعهودة ، وهي مؤامرة بث الفرقة الطائفية بين ابناء الشعب الواحد ، وهي المؤامرة التي تواجهها اليوم بلدان وشعوب المنطقة برمتها ، يقول الصدر في ندائه الثالث للشعب العراقي قبل 34 عاما من الان :” واني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الامة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعاً وعن العقيدة التي تهمهم جميعا، ولم أعش بفكري وكياني الاّ للاسلام طريق الخلاص وهدف الجميع” ، ويقول ايضا :” ان الطاغوت وأولياءه يحاولون ان يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنة ان المسألة مسألة شيعة وسنة وليفصلوا السنة عن معركتهم الحقيقية ضد العدو المشترك.
ألا ترون إلى احتكار هؤلاء السلطة احتكاراً عشائرياً يضفون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟ وسدّ هؤلاء ابواب التقدم امام كل جماهير الشعب سوى اولئك الذين رضوا لأنفسهم الذل والخضوع وباعوا كرامتهم وتحولوا إلى عبيد أذلاء”.

هذه الخطوط العريضة وغيرها الكثير ، التي توضح ملاحم العراق الي كان في مخيلة الشهيد الصدر ، والتي تلمسناها من النداءات الثلاثة الخالدة للشهيد الصدر الى الشعب العراقي ، والتي سجلها في الفترة الواقعة من (15/ 6/ 1979) وحتى (19/ 7/ 1979).

اما عن المكانة العلمية للسيد الشهيد الصدر ، فهو موضوع لا يختلف عليه اثنان ، فالشهيد الصدر عبقرية فذة قلما تجود بها الدنيا على اهلها ، ولكن الملفت انه الى جانب هذه المكانة العلمية الضخمة ، هناك صفة التواضع التي كان يتصف بها الصدر  ، ويكفي موقفه من الثورة الاسلامية في ايران ومن الامام الخميني (رضوات الله تعالى عليه ) شخصيا ، دليلا على تواضعه الجم  ، فكان ينظر باجلال واكبار للامام الخميني رغم محاولات البعث الصدامي لضرب الحوزة العلمية في النجف عبر العزف على وتر العنصرية الخبيث.

هنا من حقنا ان نتساءل عن تلك الدولة التي كان يسعى الشهيد الصدر لتاسيسها في العراق ، والتي ذكرنا بعض معالمها عبر ذكر معالم قائدها ، ترى اين نحن الان من هذه الدولة ؟ ، اين قادة العراق اليوم من فكر وتراث الشهيد الصدر ؟ ، هل يكفي ان نرفع صور الشهيد الصدر ليل نهار لنقول للاخرين نحن من انصاره واتباعه والسائرين على نهجه؟, هل يكفي ان نطلق اسم الصدر على احزابنا وتنظيماتنا لكي نثبت للعالم اننا من مدرسته؟ ، هل يكفي ان نحتفل كل عام في ذكرى استشهاده لكون من تلامذته؟.

ما سيكون موقف الشهيد الصدر عندما يرى من ضحى بنفسه لاجلهم يتقاتلون على المناصب وعلى حطام الدنيا ؟ ، ماذا سيقول الصدر عندما يرى من يرفعون لوائه اليوم يعيشون في ابراجا عاجية ؟ ، ترى ماذا سيكون وجهة نظر الشهيد الصدر في كل التفاخر والغرور والتكبر لدى من يدعون العلم ممن يرفعون اسمه ؟ ، اين اخلاق الصدر من اخلاق البعض الذين لا يرقبون في منافسيهم السياسيين إلا ولاذمة ؟، كيف سينظر الصدر الى رائحة الطائفية النتنة التي اخذت تفوح في ربوع العراق بعد ان سمحنا لهذه الظاهرة ان تتسلل الى ربوعنا من الصحراء ؟، وقبل كل هذا وذاك ماذا يمكن ان يقول الصدر وهو يرى الصداميين الذين قتلوه بالامس وقتلوا اخته العلوية الفاضلة بنت الهدى ومئات الالاف من خيرة ابناء العراق ، وهم يتبؤون مناصب رفيعة في العراق ما بعد السفاح ؟.

اخيرا ترى هل هذا هو العراق الذي اراده الشهيد الصدر لنا واستشهد من اجله ؟ ، ام هذا عراقنا نحن وليس عراق الصدر ؟، لذا يجب ان يكف البعض عن استغلال اسم الصدر وتراثه العظيم  ورفع اسمه وصوره ليل نهار ، اذا كان هناك من يريد ان يدخل قلوب العراقيين فليدخلها بفعله ونشاطه وفكره ، وهذا من حقه ، ولكن لا يجب ان يتم استغلال اسم الشهيد الصدر لتحقيق اهداف سياسية ودنيوية رخيصة ، ترتد سلبا على هذه القمة الشامخة من قمم العلم والجهاد.

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...