لن تخلو صفحات التاريخ يوماً من درج وتوثيق جريمة جديدة يقدم عليها بنو أمية وأحفادهم والسائرون على نهجهم والمتمسكون بمدرستهم الحاقدة والناقمة على البشرية خاصة الأمة الاسلامية، منذ بزوغ شمس الوحدانية والحرية والعلم والعدالة والمساواة والرأفة والمودة والمحبة لتطوي صفحات الجهل والقبلية والظلم والظلامية والوثنية بين الناس، وحتى يومنا هذا .
القمع والقبضة الحديدة والتزييف والتحريف وإراقة الدماء البريئة وإستباحة الأعراض وقتل البشر وإبادة الحجر والقضاء على الدين والثقافة وشق عصى الأمة وبث روح النفاق والعداء والإقتتال الطائفي والسعي بالعودة الى زمن الجاهلية وحكم القبيلة على العقل والحكمة والحنكة والعلم والنور وتثبيت ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه والنهي عما دعانا اليه الخالق المتعال، وتفشي حب الذات والتمسك بالقدرة والحكم والسطوة على ممتلكات الناس وحريتهم ونهب ثرواتهم وحرفهم عن مسير العبودية لله جل وعلا؛ هي صفات الأنظمة الأموية القمعية والمتحجرة المتخلفة والإنبطاحية والميالة لأعداء الخالق والشعوب الاسلامية، تلك الأنظمة المزروعة منذ قرون في وسطنا الاسلامي بدافع النكاية بالأمة وإنحطاط فكرها وعدم تقدمها وتطورها كي تبقى شعوبنا خانعة خاضعة لرغبة “َتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” – سورة المائدة الآية 82 .
وبغية إنقاذ الناس والبشرية من طغيان الطغاة وجهل الجهلة وعصبية القبيلة نحو التعايش السلمي وعبودية الله سبحانه وتعالى، جاءت رسالة خاتم المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الأئمة المعصومين الأثني عشر الذين قدموا الغالي والنفيس خدمة للخالق والمخلوق متصدين إنحراف المنحرفين وطغيان الطغاة وجبروت الجبابرة وتزييف وعاظ السلاطين عبدة الدرهم والدينار والريال الذين يريقون الدماء البريئة والطاهرة خدمة للأسياد ويدوسون على كرامة العباد، فيكفروا هذا وينعتوا ذاك ويفتون بقتل هذه الفرقة وإتهام اخرى بالضلالة فيما هي الفرقة الظالة القذرة الفاسقة الفاجرة كما سيدها ومولاها معاوية بن أبي سفيان ونجله الفاسق الفاجر شارب الخمر مداعب القردة “يزيد” ويزيدوا العصر المنتشرين في ربوع عالمنا الاسلامي قابعين جاثمين على رقاب الأمة يقتلون المؤمنين ويحاربون الايمان ويدعون للجاهلة والعصبية القبلية مدعين أنهم يحكمون بما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى والكتاب وخالقه منهم براء جملة وتفصيلاً .
وصي بعد نبي وامام بعد امام ومن يدور في ركبهم ورحابهم ومن شيعتهم وانصارهم ومحبيهم، جاهدوا طيلة أكثر من 13 قرناً من أجل إعلاء كلمة الحق والحقيقة السماوية وهداية البشرية وإنقاذها من الغفلة والجهالة نحو العلم والمعرفة والمحبة والسلمية، فيما الطرف الآخر كان ولا يزال يدعو ويدفع بجهلاء الأمة وبسطائها وسذجها نحو النار الحارقة بدافع حب الشهوات والدنيا والسلطنة والامارة والملكية والمال والجاه والمقام تدعمهم فتاوى من أعمى الله قلوبهم قبل أبصارهم فساروا في ركب أبن آكلة الأكباد وأبن العاص لاعنين المؤمنين المنتجبين الأخيار الأبرار، ورافعين سيف الحقد والكراهية والجهل الأعمى لقتلهم وإراقة دمائهم لا لشيء سوى أنهم ينادون بالحرية وحكم الاسلام المحمدي الأصيل وليس إسلام أمية وبني العباس والوهابية والسلفية التكفيرية التي تعيث الفساد في بلاد المسلمين من العراق الى الجزائر ومن سوريا الى اليمن ومن البحرين وحتى مصر.
نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد الخامس من أنوار الهداية الربانية حفيد رسول رب العالمين باقر علوم الأولين والآخرين الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام، رافع راية نصرة ثورة عاشوراء الدم والإباء، ومناراً لتوعية عشاق الحرية والايمان واليقين والبصيرة نحو الهداية الربانية عبر التضحية والفداء، راوياً لنا كيف قتلوا بني أمية المجرمين جده الامام الحسين ريحانة الرسول (ص) سيد شباب أهل الجنة على أرض الطفوف مقطعين أوصاله وأهل بيته وأنصاره تلك الفئة القليلة التي غلبت كثرة الكفر والإجرام والجهل الكبير فبقت مناراً يحتذى به الأحرار والشرفاء فيما أعداؤهم نحو النسيان .
فقد كان الامام الباقر (ع) يروي للناس فاجعة الطف بكربلاء باكياً: “قُتل جدّي الحسين عليه السلام ولي أربع سنين، وإنّي لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت” – تاريخ اليعقوبيّ ج 2 ص320- “لقد قتل بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا، ولقد أوطأوه الخيل بعد ذلك” – بحار الأنوار ج 45 ص 91؛ شارحاً للأمة ما فعل بنو أمية بريحانة رسول الله (ص) وكيف أنهم حاصروه في أرض نينوى ثم منعوا الماء عنه وأهل بيته حتى الرضع الصغار لم يسلموا من إجرامهم..
وهو يقول: “ولقد قتلوه قتلةً نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يُقتل بها الكلاب !! لقد قُتل بالسيف والسنان وبالحجارة وبالخشب والعصا ولقد اوطأوه بعد ذلك الا لعنة الله على الظالمين”.. لقد سلم الامام محمد الباقر طريقاً غير مباشر في معارضته للنظام السياسي الأموي الجائر الحاكم..
فقام بالرد على الشبهات وتأسيس مدرسة أهل البيت العلمية لتربية الناس على معرفة دورهم ووظيفتهم في ظلّ الظروف القائمة، فاعتمد سياسة الحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمثَّل ذلك في نشر المفاهيم السياسيّة الصحيحة كالنهي عن معاونة الظالمين، وفضح الانحراف عن الخطّ الإسلاميّ في ممارسات السلطة. فلم يستحمل الحاكم الطاغية الأموي هشام بن عبد الملك ذلك الارهابي الوقح، فقام بملاحقة تلامذة الامام الباقر عليه السلام.
ولكنّ هذه الإجراءات التعسّفيّة، لم تمنع من تنامي الصحوة الاسلاميّة، والوعي الدّيني لدى النّاس، الأمر الذي زاد من مخاوف هشام بن عبد الملك، فأمر هشام عامله في المدينة ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك وذلك في يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة 114هـجري قمري لتعانق روح الامام الطاهرة أرواح أجداده وأبيه (ع) في الجنة التي وعدهم بها الله جل جلاله، وله من العمر 58 سنة وقد انطوت بموته أروع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أمدت العالم الإسلامي بأبهى آيات الوعي وأرقى درجات التطور وأنقى حالات الازدهار (بحار الأنوار: ج46 ص216). اليوم يعيد التاريخ الأموي نفسه وعلى الوتر ذاته حيث نسمع أصوات نشاز تقرع آذان المسلمين والعالم من أرض بلاد الحرمين الشريفين داعية مرة اخرى لقتل الفئة المخلصة من الأمة، أتباع الرسول (ص) وآله متهمين إياهم بأنهم أساس الفوضى في صفوف الأمة كما ادعى محمد بن نايف ولي العهد السعودي بعد تجاهلة وكيانه الفاسق مقتل أكثر من سبعة آلاف حاج بمخطط مسبوق في البيت الحرام ومنى خلال العام الماضي دون إدانة أحد أو اعترافهم بالتقصير والقصور؛ ثم سارع مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ليدعم سيده بقوله “أن الشيعة ليسوا بمسلمين بل مجوس!!”، معيدين للذاكرة إدعاء فاسق وفاجر بني أمية “يزيد بن معاوية” ضد حفيد الرسول (ص) الامام الحسين (ع) والإعداد لواقعة عاشوراء مستفيدين من فتوى شريح القاضي .
أما في البحرين التي تعد من أهم معاقل شيعة آل النبي الأكرم (ص) في الجزيرة العربية، فقد أقدم الكيان الداعشي الخليفي وعلى شاكلة ما فعل سلفه أبن زياد عام 61 للهجرة؛ بمحاصرة الدراز والمعتصمين بها ورمز البلاد الوطني وهويتها الدينية الشيخ عيسى قاسم وأمر بقطع الماء عنهم والتيار الكهربائي، لعله إعداداً لفعل ما فعله جده عمر بن سعد بآل الرسول (ص) في يوم عاشوراء وقتلوا حتى الطفل الرضيع وهو ضامي يابس الشفتين