يبدو أن الولايات المتحدة كانت مجبرة في اتفاقها الأخير مع روسيا وأرغمت على الذهاب بعيداً في بنوده، للإيحاء بأنها تريد الحل السياسي في سوريا.
“لم يكن القرار سهلأ علينا”، بهذه الكلمات عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “جون كيربي” عن تعليق مفاوضات واشنطن مع موسكو بشأن إعادة تفعيل وقف اطلاق النار في سوريا، وتشكيل خلية عسكرية مشتركة لاستهداف الإرهابيين، ما يشير إلى أن أمريكا قد اضطرت في هذا الوقت إلى استخدام الورقة الأخيرة، وهي قطع اتصالها مع موسكو بشأن سوريا، بعدما وجدت نفسها أمام موقف لم حرج للغاية.
طلبات روسية من أمريكا بعد الاتفاق كانت تتمحور في هدف واحد، هو إجبار واشنطن على فصل المعارضة المعتدلة عن تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي، الأمر الذي لم تستطع الولايات المتحدة فعله، أو أنها لم ترغب بذلك أصلاً، خاصة وأن إقدام أمريكا على هذا الأمر يجعل الكفة تميل كلياً لصالح الجيش السوري على الأرض.
هذا الأمر أكده الكرملين في تعليقه على انسحاب واشنطن من الاتفاق، والذي أكد أن الولايات المتحدة فشلت في وعودها بالفصل بين الإرهابيين والمعارضة في سوريا والذي إلتزمت به بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وأشار الكرملين إلى أن موسكو تأمل أن تنفذ واشنطن كامل التزاماتها” الأمر الذي لم يحصل إلى الآن.
يبدو أن الولايات المتحدة كانت مجبرة في اتفاقها الأخير مع روسيا وأرغمت على الذهاب بعيداً في بنوده، للإيحاء بأنها تريد الحل السياسي في سوريا، لكن ومع بدء اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، عمدت المجموعات المسلحة المدعومة أمريكياً، إلى الخرق المتواصل لنقاط الاتفاق، ما يؤكد على أن أمريكا تريد إبطال مفعول التسوية، لأنها في هذه الحال تضر بمصالحها على الأرض السورية.
وتعد العملية العسكرية التي يخوضها الجيش السوري في حلب، بدعم روسي واضح وخاصة في الأحياء الشرقية للمدينة، من أبرز أسباب نقض واشنطن للاتفاق وتعليقها المحادثات مع موسكو، لما تُشكله من ضربة قاصمة للمجموعات الإرهابية التي تتلقى دعما مباشرا من أمريكا والدول الخليج الفارسي.
تداعيات الاتفاق الروسي الأمريكي لم تنعكس فقط على الميدان فقد شهدت الفترة الأخيرة غياب المعارضة السياسية السورية عن الساحة الدبلوماسية بشكل كامل، نتيجة لإقصائها من الدول الغربية، ما يوجّه ضربة ﻷي مشروع سياسي يخدم التوجهات الأمريكية، خاصة مع عدم وجود قوة سياسية معارضة سورية، ما دفع واشنطن للتراجع عن الاتفاق الأخير، استعداداً لبث روح جديدة في جسد معارضة سياسية “مناسبة”.
وعلى خطٍ موازٍ، يبدو أن جبهة فتح الشام “النصرة سابقاً” قدمت هدية مختلفة للولايات المتحدة، عقب إعلان واشنطن إنهاء الاتفاق مع موسكو، حيث أقرت “النصرة” في سابقة هي الأولى من نوعها بمقتل القيادي في صفوفها أبو فرج المصري، جراء غارة شنتها طائرات التحالف الدولي على أطراف جسر الشغور بريف إدلب شمال سوريا. وتأتي هذه الحادثة في هذا التوقيت لتوحي بأن الولايات المتحدة تحارب هذا التنظيم الإرهابي، وهي تحاول أن تظهر على عكس ما تقوله روسيا، بأن واشنطن غير مستعدة لمحاربة الإرهابيين، أو الفصل بين “فتح الشام” وباقي الفصائل المسلحة.
كما أن هذه العملية جاءت بعد عدد من التقارير الغربية عن وجود تنسيق بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي، إضافة إلى اعتراف عدد من قادة التنظيم بتلقيهم أسلحة أمريكية، لذلك فإن الضربة الأمريكية والاعتراف من “النصرة” يحمل العديد من الدلالات والأهداف.