الرئيسية / بحوث اسلامية / دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

4 ـ القدوة والاخلاق:

التأكيد على أصحابهم وأتباعهم أن يأخذوا دور القدوة في المجتمع الاسلامي وبين أفراد الجماعة المسلمة، والعمل للوصول إلى المثل الاعلى ضمن الجماعة; بحيث يكون هؤلاء الافراد موضع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الاسلامي.

ولا شكّ أن الاخلاق والمثل والقيم والالتزامات السلوكيّة المنسجمة معها هي التي يمكنها أن تعطي هذا الدور في المجتمع الاسلامي.

ففي فلسفة التأريخ التي تحدّث عنها القرآن الكريم يشير إلى نوعين من القدوة والاقتداء.

الاول: النوع الحسن (الاسوة الحسنة)، وهي الاسوة التي تقوم على المثل والقيم والالتزامات الاخلاقية، مثل الاسوة بإبراهيم(عليه السلام) والذين معه ومحمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، والانبياء والرسل(عليهم السلام). قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيراً)([1][75]). وقال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرآء منكم ومما تعبدون من دون الله)([2][76]) وقال تعالى: (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر)([3][77]). وقال تعالى: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)([4][78]).

الثاني: النوع السيئ (الاسوة السيّئة)، وهي التي تقوم على أساس القوة والقدرة والهيمنة الخارجية، وهي الاسوة بالجبابرة والطغاة وأئمة السوء وأصحاب الجاه والمال. قال تعالى: (بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون)([5][79]). وقال تعالى: (وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا)([6][80]).

حيث أن الانسان يقع عادة تحت تأثير أحد هذين العاملين الاساسيين في قضية (الاسوة) أو (القدوة) وهما: عامل الفطرة الانسانية السليمة، ومنابع الحق والعدل والوجدان في النفس الانسانية، وعامل الهوى والشهوات والخوف والطمع، ومواضع الضعف والنقصان في النفس الانسانية.

وقد حث أهل البيت(عليهم السلام) أتباعهم على استنفار العامل الاول والاستفادة منه في الوصول إلى هذا الموضع الاجتماعي والانساني.

عن عبد الله بن ابي يعفور، عن ابي عبد الله(عليه السلام) قال: «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم. ليروا منكم الاجتهاد والصّدق والورع»([7][81]).

وفي المجالس عن ابن عباس قال: «قيل يا رسول الله، أي الجلساء خير؟ قال: من تذكركم الله برؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الاخرة عمله»([8][82]).

وعن الامام زين العابدين(عليه السلام): «إن أبغض الناس إلى الله عزّوجلّ من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله»([9][83]).

5 ـ العدالة والاخلاق:

منح العدالة([10][84]) دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية العملية; حيث يشترط مذهب أهل البيت(عليهم السلام) حصول صفة العدالة في الاشخاص الذين يتصدّون إلى الكثير من المناصب والاعمال، مثل: الحكّام، والولاة، والقضاة، والمفتين، وأئمة الجماعة، والشهود في الخصومات، والشهادة على الطلاق، وغيرها من الموارد التي يجدها المتتبّع في الكتب الفقهية. الامر الذي يدل على إعطاء هذه الاهمية وهذا الدور لهذه الصفة، حتى أصبحت العدالة من حيث الاهمية مقدمة على «العلم» و«المعرفة». حيث لا قيمة للعالم بدون عمل وتقوى بل يتحول العلم إلى شيء مضر بدون التقوى، ولذا جاء التحذير الشديد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من علماء السوء.

فقد أصبح للعدالة في ذهنيّة أتباع أهل البيت وأوضاعهم النفسية والروحية موقع خاص، ولها تأثير عميق على موقفهم من المجتهدين والقضاة والمتصدّين للاعمال السياسية، والنشاطات العامة.

وهذا الموقف والفهم للعدالة لا نجده في المذاهب الاسلامية الاخرى، ولا في الاوساط الدينية التي تنتسب إليها، حيث تقبل المذاهب الاسلامية ـ على اختلاف فيما بينها ـ إمامة الفاسق لصلاة الجماعة، وولايته للحكم، وتتسامح في الشهود.

ولا شك أن للعدالة مفهوماً أوسع من مفهوم الثقة والاعتماد، ولذلك تأخذ بعداً أخلاقياً واسعاً.

كما أن العدالة التي تُشترط في الشهود تختلف في مستواها بطبيعة الحال عن العدالة التي لابد من حصولها في الحكّام والولاة والقضاة والمفتين; حيث يجب أن تكون في الصنف الثاني بمستوىً عال يتناسب مع أهمية الموقع ومستوى الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها هذا الموقع.

6 منهج التزكية:

ـ وضع الخطط والمناهج والاساليب للوصول بالجماعة والكتلة الصالحة إلى تزكية النفس والمستوى الاخلاقي الرفيع المطلوب.

فلم يترك الائمة(عليهم السلام) هذا الخط بصفته مطلباً عاماً يحثّون أتباعهم على الوصول إليه، ويطلبون منهم الالتزام به، وإنما وضعوا أمامهم مجموعة من الخطوط العملية التي تمكّنهم ـ عند الالتزام بها ـ من الوصول إلى هذا الهدف وتحقيق هذه الغاية والمستوى الاخلاقي الرفيع ومنها (جهاد النفس).

([1][75]) الاحزاب: 21.

([2][76]) الممتحنة: 4.

([3][77]) الممتحنة: 6.

([4][78]) الانعام: 89 ـ 90.

([5][79]) الزخرف: 22.

([6][80]) الاحزاب: 67.

([7][81]) وسائل الشيعة 8 : 513، ح1.

([8][82]) وسائل الشيعة 8 : 412، ح4.

([9][83]) البحار 71 : 178، ح25.

([10][84]) التي هي درجة عالية من الاستقامة على جادة الشرع، أو الملكة النفسية التي تمنع الانسان من الوقوع في المحرمات أو ترك الواجبات، أو تدفعه إلى التوبة من ذلك عند الوقوع في الذنب.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...