01 أبورحيم دلّو

الشهيد أحمد فتّاح دلّو الشهيد أحمد فتّاح دلّو كان شهيدنا يتقن من اللغات خمسا؛ هي العربية والكردية والفارسية والتركية والانجليزية ولد في محافظة ديالى — قضاء خانقين عام1910م. سكن مع أسرته في منطقة باب الشيخ. عُرف منذ نعومة أظفاره بالتزامه بتعاليم الدين الحنيف .
انضم إلى الجيش العراقي في بدايات تشكيله واختير كأحسن عسكري لكفاءته وانضباطه، وأرسل إلى لندن حيث عُرض عليه البقاء في انجلترا إلا أنه رفض ذلك وعاد إلى العراق.
هُجّر إلى إيران بحجج واهية، كغيره من الذين طالتهم أيادي البعث الأثيمة بجريمة التسفير القسري ظلما وعدوانا، ولم يمنعهم كونه عراقيّا ومن أفضل أفراد الجيش، واعتقلت أسرته وبقيت رهينة السجون. بقي أبورحيم في دار المهجر حتى جاءه خبر استشهاد اثنين من أبنائه، أما الباقون فكانوا لايزالون رهن معتقلات البعث وزنزاناته المظلمة.

التحق بقوات الشهيد الصدر( ) كأڪبر مجاهد عرفته تلك القوات وعُرف بينهم بنشاطه وحيويته وحركته الدؤوبة، فكان أول من يحضر ساحة العرض الصباحي، بهندامه المكوي المرتب فهو عسكري من الطراز الأول.
يقول عنه عبدالحافظ عزيز — أبوأثير السالم — (كم حاولت أن أسبقه للحضور إلى ساحة العرض الصباحي في معسكر الشهيد الصدر، ولكن دون جدوى، فكلما خرجت وجدته شاخصا بقامته الممشوقة ينتظر الشباب حتى يجتمعوا لكي تبدأ الهرولة الصباحية والتمارين السويدية).
بقي مع قوات الشهيد الصدر إلى أن تشكلت قوات بدر، فكان من الروّاد الذين فتحوا باب التسجيل ضمن الدورة الأولى( )، والتي شرعت بتاريخ20/2/1983م، فكان كما عهده المجاهدون بتلك المعنوية العالية والصلابة والجدية في العمل، وروحية الشباب الطافحة على وجهه، فلا غرابة أن يكون من السبّاقين في الاشتراك في التدريب الشاق لتلك الدورة، ونال إعجاب الكثيرين لنشاطه وصبره وتحمله.
بعد انتهاء التدريبات، اشترك مع إخوته المجاهدين في الواجب الأول وكان أڪبرهم سنا، وكانوا يرون فيه عمار بن ياسر وحبيب بن مظاهر الأسدي، وينظرون نظرة اعتزاز وافتخار لتلك الشيبة الكريمة التي تبعث فيهم العزم والإصرار على مواصلة الطريق، فهو الشيخ الذي جاوز السبعين عاما في حركة دائبة في ذات الله، ولو أراد الجلوس والدعة تحت ظلال الحياة البهيجة، لكان له الحق في ذلك فقد أتعبته السنون وجور الأيام.
حمل الشهيد أبورحيم سلاحه ضد العفالقة المجرمين، لالأنهم قطفوا اثنين من ثمار فؤاده وأقدموا على إعدامهما، وتركوا البقية من أهله رهن السجون والمعتقلات الرهيبة، بل لأنه شخّص تكليفه وعرف طريقه فأثبت للبعثيين أنه لن تلين له قناة، ولن تنال من صبره وإيمانه وجَلَده أساليب الطغاة.
فكان الشيخ الشهيد قوة في صلابة، وجهادا في عمل، وتربية شامخة ومعطرة بأريج الإسلام الفواح، وطيبة يعشقها أبناؤه المجاهدين، وكانت كلماته التربوية كقول الشاعر:
قـلنـا فأصـغى السـامـعون طويـلا خـلّوا المنـابر للرصــــاص قليـلا
من يستدل على الحقوق فلن يرى مثل الحِمام على الحقوق دليلا
كان شهيدنا يتقن من اللغات خمسا؛ هي العربية والكردية والفارسية والتركية والانجليزية، ولاغرابة أن يُليّن القلوب بكلامه، بحيث يفهمه الجميع على اختلاف ألسنتهم، ويضيف إلى معرفته مختلف الألسن معرفته مختلف الأسلحة، فقد كان بارعا في رماية سلاح القاذفـRBG7ـة وسياقة الدبابة والرماية انتهاء بجميع الأسلحة الخفيفة.
كان المجاهدون يشعرون به كأب لهم، وكان في المقابل يُشعِرهم أن الله عوَّضه بهم عن أبنائه الذين سبقوه بالشهادة، أو من أسكنهم الطغاة الجبناء أقبية السجون.
لقد جسّد أروع آيات الجهاد وأعظم معاني الإخلاص بأروع ما يكون الإخلاص والوفاء لدينه ومبدأه.
يقول عنه الأستاذ أبوزكي الأسدي( ) (عادت بي الذكريات إلى أيام التدريب كيف كان هذا الرجل ذو السبعين عاما أول مجاهد يحضر ساحة العرض، منتصب القامة، بدلته مكوية، وبسطاله يلمع، وشفقته فوق رأسه الأبيض، وهو كالأسد لايكل ولايمل، يحمل روحية الشباب. عندما كان يحمل لواء القوات أتخيله حبيب بن مظاهر الأسدي.

وحضرتني الذاڪرة أڪثر فكنت أراه في سباق الضاحية يتخطاني وبعض رفاقي، وهو يقول (ها دجاج المعمل!!) ويركض ركض الشباب!… رحت أستعيد الصور المخزونة في ذهني كيف كنا نتجمهر حوله في فترة الاستراحة، وهو يحدثنا ونحن نستمع إليه،

كما يستمع الأطفال إلى جدتهم العجوز في ليالي الشتاء الطويلة الباردة على موقد ناري، وهي تقص عليهم القصص الخيالية. كنا فاغري الأفواه عندما نستمع إلى أحاديثه العذبة، وهو يحدثنا عن مقارعته للحكومات الظالمة التي توالت على حكم العراق وكيف كان يتّخذ من جبال كردستان مسرحا لمقاومة الظلم والطغيان).
على أطراف مدينة البصرة وتحديدا يوم17/8/1983م، وفي آخر ساعات حياته، عندما صدرت الأوامر لمجموعته بتقديم الساتر الترابي إلى الأمام داخل منطقة الحرام، عمل الشيخ جاهدا مع أبنائه المجاهدين في ترتيب الأمر الصادر إليهم وعملوا على تنفيذه، فجنَّ جنون العدو الصدّامي لظنه أن هناك هجوما ما على هذا القاطع، فتقدمت الدبابات والمشاة نحوهم، فلم يجد الشيخ وأبناؤه إلا المجابهة البطولية بروح عالية وصبر جميل، مع قلة عددهم إزاء عدوٍ خائف رغم كثرة عددهم وعدتهم من دبابات، فكانت معركة فاصلة نال شيخنا المجاهد فيها وسام الشهادة، وسقط البطل مضرّجا بدمه الزكي متوّجا بركاب الخالدين مع الحسين عليه‌السلام وصحبه الأبرار.
شيّع جثمانه الطاهر من قبل جمع غفير من المؤمنين في مدينة الأهواز ودفن في مقبرتها (جنة الشهداء).
سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا