أبو طالب عليه السلام حامي الرسول وناصره
20 مايو,2018
شخصيات أسلامية, صوتي ومرئي متنوع, مناسبات
1,275 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو طالب عليه السلام حامي الرسول وناصره
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين نبي الرحمة الذي علمه الله
تبارك وتعالى علم الأولين والآخرين الحاوي جميع الكمالات والمنزه من كل
نقص وشين ثم الصلاة والسلام على أعمامه الغر الميامين ، اللذين آمنوا به وبما
جاء به من عند رب العالمين .
وبعد يقول العبد الفاني نجم الدين الشريف العسكري ، الداعي لتأليف
هذا المختصر وأمثاله هو ما عثرت عليه عند مطالعاتي لكتب بعض علماء
المسلمين من أمور نسبوها إلى نبيهم صلى الله عليه وآله والى أعمامه
الكرام عليهم السلام وهي أمور لو تتبع مصادرها ومسانيدها علم علم اليقين
ان جميع ذلك من حساد بني هاشم وأعدائهم كبني أمية واتباعهم ومن تلك
الأمور ما نسبوه إلى سيد البشر وسيد الأنبياء عليه وعليهم السلام انه كان
أميا يجهل القراءة والكتابة وبقي أميا إلى أن توفاه الله ، وعثرت أيضا على
جمع من علماء المسلمين أنكروا ذلك وكتبوا ردا على قائله ومن بعض تلك
الأمور ما نسبوه إلى من رباه وحماه ونصره طول حياته إلى أن توفاه الله
وهو أبو طالب مؤمن قريش ومن بذل نفسه ونفيسه في نصرة الرسول
ونصرة الحق ونصرة ما جاء به من الله تعالى حتى انتشر ولولاه ما عرف
الحق وما اتبعه أحد من الخلق أجمعين وذلك أنه عليه السلام عرف الحق
وما تبعه وما آمن به إلى أن اتاه اليقين وقد أنكر ذلك جميع الامامية وجماعة
من غيرهم وكتبوا ردا على قائله وقد طبع بعض ذلك وبقى كتب كثيرة
منها لم يطبع فأحببت ان أجمع منها في هذا المختصر جمعا يناسب هذا العصر
حتى أنزه به ساحة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وابرء مقام عمه
الأكرم أبو طالب عليه السلام مما نسبوه إليه نصرة للحق وخدمة لمن بذلوا
نفسهم ونفيسهم في احياء الدين الحنيف والشريعة السهلة السمحة الذي
يصلح به جميع ما فسد من أمور الخلق أجمعين ، فاحمد الله الرؤف الرحيم
على ما وفقني لجمع ما نزهت به سيد البشر وسيد الخلق أجمعين محمد
صلى الله عليه وآله وسميت ما جمعت ( نبينا محمد صلى الله عليه وآله
يقرأ ويكتب ) وقد طبع واشكر الله العلي القدير العظيم على ما وفقني لجمع
ما يبرء ساحة عم الرسول صلى الله عليه وآله وحاميه وناصره شيخ
أبطح ومؤمن قريش أبو طالب عليه السلام وهو هذا المختصر وسميته
( أبو طالب عليه السلام حامي الرسول صلى الله عليه وآله وناصره )
فأقول مستعينا بالله العلي العظيم ان من مختصات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليهما السلام .
( أحوال أبي طالب )
( حامي الرسول وناصره صلى الله عليهما وعلى آلهما )
نورد هنا بعض ما روي في أحوال والد أمير المؤمنين مؤمن قريش
وحامي رسول الله صلى الله عليه وآله وناصره طول حياته حتى
شاع وذاع دينه القويم وصراطه المستقيم .
( قال المؤلف ) من راجع كتب التاريخ والحديث والتفسير لعلماء
أهل السنة والامامية عليهم الرحمة والرضوان يجد فيها أفعالا وأقوالا في النثر
والشعر ، تدل على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمنا بالله موحدا ومؤمنا
بجميع الأنبياء آدم ومن بعده عليهم السلام وكان عالما بأنه سيبعث الله
تبارك وتعالى من بني هاشم نبيا ووصيا له وكان ينتظرهما طول حياته
عليه السلام فلما من الله تعالى على خلقه وولدا في أشرف بقعة من الدنيا
ومن أفضل والدين عرفهما وآمن بهما قبل كل أحد ولكن لمصلحة العصر
والوقت ولان يتمكن من حفظهما عليهما السلام وحفظ من آمن بهما أخفى
عن الناس وعلى الأخص من كفار قريش إيمانه بهما ولم يتابعهما في
العبادات التي كانا يقومان به ، في الظاهر كل ذلك تقية أو اتقاء ، وبالتأمل
فيما يأتي مما نذكره من أفعاله وأقواله عليه السلام يظهر صدق ما ذكرناه
فراجع وتأمل فيها بدقة واترك التعصب الباطل والتقليد لمن لا يستحق ذلك
( خرج ) العلامة شيخ الاسلام الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه
( ينابيع المودة ص 255 طبع اسلامبول سنة 1301 ه ) من المودة الثامنة
من كتاب مودة القربى تأليف العلامة السيد علي بن شهاب الهمداني الشافعي
وقد نقل جميع ذلك الكتاب في ينابيع المودة ( من ص 242 إلى ص 266 )
فقال ما هذا لفظه ( عن ) عباس بن عبد المطلب ( عم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ) قال لما ولدت فاطمة بنت أسد عليا ( عليه السلام )
( في بيت الله الحرام ) سمته باسم أبيها أسد ، فلم يرض أبو طالب بهذا
الاسم فقال ( لها ) هلم حتى نعلو أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء
فلعله أن ينبئنا في اسمه فلما أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ، ودعيا الله تعالى
فأنشأ يقول أبو طالب :
يا رب هذا الغسق الدجي * والفلق المبتلج المضي
بين لنا عن أمرك المقضي * بما نسمي ذلك الصبي
فإذا خشخشة من السماء ، فرفع أبو طالب طرفه ، فإذا لوح مثل
الزبرجد الأخضر فيه أربعة أسطر فاخذه بكلتا يديه وضمه إلى صدره ضما
شديدا فإذا مكتوب ( فيه ) .
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
واسمه من قاهر علي * علي اشتق من العلي
فسر أبو طالب سرورا عظيما ، وخر ساجدا لله تبارك وتعالى وعق
بعشرة من الإبل ، وكان اللوح معلقا في بيت الله الحرام يفتخر به
بنو هاشم على قريش حتى غاب زمان قتال الحجاج بن الزبير .
( قال المؤلف ) لم يغب بل سرق وستعرف سارقه فيما يأتي وقد نقل
الأبيات الكنجي الشافعي محمد ين يوسف بن محمد في كتابه كفاية الطالب
( ص 260 ) طبع النجف الأشرف ، وفيها اختلاف في بعض الكلمات
وهذا نص ألفاظه :
يا رب هذا الغسق الدجي * والقمر المنبلج المضي
بين لنا من أمرك الخفي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي
قال فسمع صوت هاتف يقول :
يا أهل بيت المصطفى النبي * خصصتم بالولد الزكي
إن اسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي
( قال المؤلف ) وخرج الأبيات في المناقب ( ج 1 ص 359 )
عن أبي علي همام ( قال ) : رفعه ، أنه لما ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب
بيد فاطمة وعلي على صدره وخرج إلى الأبطح ونادى :
يا رب يا ذا الغسق الدجي * والقمر المنبلج المضي
بين لنا من حكمك المقضي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي
قال فجاء شئ يدب على الأرض كالسحاب حتى حصل في صدر
أبي طالب فضمه مع علي إلى صدره ، فلما أصبح إذا هو بلوح أخضر
فيه مكتوب :
خصصتما بالولد الزكي * والطاهر المنتجب الرضي
فاسمه من شامخ علي * علي اشتق من العلي
قال فعلقوا اللوح في الكعبة ، وما زال هناك حتى اخذه هشام بن
عبد الملك ،( قال المؤلف ) : وهو السارق للوح كما أشرنا سابقا ( ثم قال ) :
اجتمع أهل البيت ( عليهم السلام ) أنه ( عليه السلام ) ( ولد ) في الزاوية
اليمنى من ناحية البيت ( أي الكعبة المشرفة ) .
( قال المؤلف ) فأهل البيت أدرى بمن ولد في البيت ، وفي اي
مكان منه ولد ، والأولاد اعرف بأحوال آبائهم من غيرهم ، وقد أمرنا
بالتمسك بهم ، واتباعهم في جميع الأمور لأنهم أحد الثقلين اللذين تركهما
رسول الله صلى الله عليه وآله في أمته وقال : إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، وقد أثبتنا هذا
الحديث في الجزء الأول من كتابنا ( محمد وعلي وبنوه الأوصياء ) بطرق
عديدة من كتب علماء أهل السنة .
( ثم قال أعلى الله مقامه ) فالولد الطاهر من النسل الطاهر ولد في
الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه الكرامة لغيره فأشرف البقاع الحرم ، وأشرف
بقاع المسجد الكعبة ، ولم يولد ( قبله ولا بعده ) فيه مولود سواه ، فالمولود
فيه يكون في غاية الشرف ، فليس المولد في سيد الأيام يوم الجمعة في
الشهر الحرام في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب )
عليهما السلام .
( وفي المناقب ج 1 ص 358 ) عن يزيد بن قعنب وجابر الأنصاري
( قالا ) إنه كان راهب يقال له المثرم بن دعيب قد عبد الله مائة وتسعين
سنة ولم يسأله حاجة فسأل ربه ان يريه وليا له ، فبعث الله بابي طالب
إليه فسأله عن مكانه وقبيلته ، فلما أجابه وثب إليه وقبل رأسه وقال :
الحمد لله الذي لم أمت حتى أراني وليه ، ثم قال : ابشر يا هذا ان الله
ألهمني أن ولدا يخرج من صلبك هو ولي الله ، اسمه علي ، فان أدركته
فاقرأه مني السلام ، فقال ما برهانه ؟ قال : ما تريد قال : طعام من
الجنة في وقتي هذا ، فدعا الراهب بذلك ، فما استتم دعاؤه حتى أتي بطبق
عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان ، فتناول رمانة فتحولت ماء في
صلبه فجامع فاطمة فحملت بعلي وأرتجت الأرض وزلزلت بهم أياما
وعلت قريش بالأصنام إلى ذروة أبي قبيس ، فجعلت ترتج ارتجاجا تدكدكت
بهم صم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها فصعد أبو طالب
الجبل وقال : أيها الناس ان الله قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق
فيها خلقا إن لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم
فأقروا به فرفع يده وقال : آلهي وسيدي بالمحمدية المحمودة ، وبالعلوية
العالية ، وبالفاطمية البيضاء ، إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة ، فكانت
العرب تدعو بها في شدايدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ، فلما قربت ولادته
أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت : ربي اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك
من الرسل والكتب ، مصدقة بكلام جدي إبراهيم ، فبحق الذي بنى هذا
البيت ، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي ، فانفتح البيت
( من ظهره ) ودخلت فيه فإذا هي بحواء ومريم وآسية وأم موسى وغيرهن
فصنعن ما صنعن برسول الله صلى الله عليه وآله وقت ولادته
( الحديث ) قال المؤلف : يعرف من هذا الحديث وأمثاله أن أبا طالب
وفاطمة بنت أسد كانا يعرفان الأنبياء ويؤمنان بهم .
( وخرج في المناقب أيضا ج 1 ص 359 ) عن شعبة عن قتادة عن
أنس العباس بن عبد المطلب ، وفي رواية الحسن بن محبوب عن الصادق
عليه السلام ، ومختصر الحديث انه انفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة
( بنت أسد ) فيه ثم عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ( اي في الكعبة )
ثلاثة أيام فأكلت من ثمار الجنة ، فلما خرجت ( وعلي عليه السلام على
صدرها ) قال علي : السلام عليك يا أبة ورحمة الله وبركاته ( الحديث ) .
( وفي المناقب أيضا ج 1 ص 357 ) قال : وعن شيخ السنة القاضي
أبي عمرو ، عثمان بن أحمد في خبر طويل أن فاطمة بنت أسد رأت
النبي صلى الله عليه وآله يأكل تمرا له رائحة تزداد على كل الأطايب
من المسك والعنبر ، من نخلة لا شماريخ لها ، فقالت ناولني أنل منها ( اي
آكل منها ) قال صلى الله عليه وآله لا تصلح ( أن تأكلي منها )
إلا أن تشهدي معي أن لا إله إلا الله ، وأني محمد رسول الله ، فشهدت
الشهادتين فناولها ( 1 ) .
فأكلت فازدادت رغبتها وطلبت أخرى لأبي طالب ( فأعطاها ) فعاهدها
أن لا تعطيه إلا بعد الشهادتين ، فلما جن عليها الليل اشتم أبو طالب
نسما ما اشتم مثله قط فأظهرت ما معها فالتمسه منها ، فأبت عليه إلا أن
يشهد الشهادتين ، فلم يملك ( أبو طالب ) نفسه أن شهد الشهادتين ، غير
أنه سألها أن تكتم عليه لئلا تعيره قريش فعاهدته على ذلك ، فأعطته ما معها
( فاكله ) وآوى إلى زوجته فعلقت بعلي عليه السلام في تلك الليلة ، ولما
حملت بعلي عليه السلام ازداد حسنها فكان ( الجنين الذي في بطنها ) يتكلم
( وهو ) في بطنها فكانت ( يوما ) في الكعبة فتكلم علي ( وهو في بطن أمه )
مع جعفر ( فاندهش ) فغشي عليه فالتفتت ( إلى ) الأصنام ( وقد ) خرت
على وجوهها ( تعظيما له ) فمسحت على بطنها وقالت : يا قرة العين
سجدت لك الأصنام داخلا فكيف شأنك خارجا ، وذكرت لأبي طالب
ذلك فقال : هو الذي قال لي أسد في طريق الطائف ( أي أخبره بأحوال
ابنه علي عليه السلام جده أسد عليه السلام .
( قال المؤلف ) فبالتأمل في كلام الراهب مثرم ، وفي حديث قاضي
السنة أبي عمرو يثبت لك أن أبا طالب وزوجته فاطمة بنت أسد كانا
داخلين في الشريعة المحمدية معترفين برسالته بعد أن كانا على الشريعة
الإبراهيمية ، وعندما اجتمع أبو طالب عليه السلام مع زوجته فاطمة بنت
أسد فحملت بعلي عليه السلام كانا مؤمنين موحدين مسلمين وكان ذلك
بعد تزويج النبي صلى الله عليه وآله بخديجة عليها السلام بسنين على
اختلاف الروايات فأقلها تسع سنين وأكثرها سبع عشرة سنة .
( قال المؤلف ) وبالتأمل في الحديث الآتي تعرف تاريخ حمل فاطمة
بنت أسد بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما تعرف تأريخ
دخولهما في الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله بعد أن كانوا
يعملون بشريعة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام .
( وفي المناقب ج 1 ص 363 ) قال خرج الطبري في تأريخه ، وكذلك
البلاذري والثعلبي في تفسيره ( الكشف والبيان ) والواحدي في تفسيره
وفي كتاب ( شرف النبي ) وأربعين الخوارزمي ( وهو المعروف بالمناقب )
للموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي المطبوع في إيران ، وفي كتاب ( الدرجات
لمحفوظ البستي ) وفي مغازي محمد بن إسحاق ، وفي غيرها من الكتب المعتبرة
والكل يروون عن مجاهد ( أنه قال ) كان من نعم الله على علي بن أبي
طالب أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ( اي قحط وغلاء ) وكان أبو طالب
ذا عيال كثيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لحمزة والعباس
إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة
فانطلق بنا نخفف عن عياله ، فدخلوا عليه وطالبوه بذلك فقال إذا تركتم
لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ، ثم بقي
في مكة وحده إلى أن أخذوه يوم بدر ، واخذ حمزة جعفرا فلم يزل عنده
في الجاهلية والاسلام إلى أن قتل حمزة ، وأخذ العباس طالبا وكان معه
إلى أن أخرجوه يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر ، وأخذ رسول الله
صلى الله عليه وآله عليا وهو ابن ست سنين كسنه ( صلى الله عليه
وآله وسلم ) يوم أخذه أبو طالب ( من جده عبد المطلب ) فربته خديجة
والمصطفى صلى الله عليه وآله إلى أن جاء الاسلام ، وتربيتهما أحسن
من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد ، فكان مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم إلى أن مضى ( رسول الله صلى الله عليه وآله إلى دار البقاء )
وبقي علي عليه السلام بعده حافظا للمسلمين واماما ومرشدا لهم .
( وفيه أيضا ج 1 ص 363 ) قال : ذكر أبو القاسم في أخبار أبي
رافع من ثلاثة طرق : أن النبي صلى الله عليه وآله حين تزوج
خديجة قال لعمه ( أبي طالب ) : إني أحب أن تدفع إلي بعض ولدك
يعينني على أمري ويكفيني وأشكر لك بلاءك عندي ، فقال أبو طالب
خذ أيهم شئت فاخذ عليا ( عليه السلام ) .
( وفي خطب نهج البلاغة ) يشير إلى ما ذكرناه فيقول السيد الرضي
رحمه الله قال عليه السلام : وقد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى الله
عليه وآله وسلم ) بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره
وانا وليد ، يضمني إلى صدره ، ويلفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني
عرقه ، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ولا
خطلة في فعل ( الخ ) .
( قال المؤلف ) تقدم نقلا من المناقب ( ج 1 ص 358 ) رواية
جابر بن عبد الله قضية مثرم بن دعيب الراهب وما فعله مع أبي طالب
عليه السلام ، وهذه القضية ورواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه خرجها
الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ( ص 260 ) وفيه اختلاف ، وله مقدمة
لم يذكرها في المناقب إليك نصها وقد تقدم .
( عن جابر بن عبد الله ) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد
في شبه المسيح ( الحديث ) وقد تقدم جميع ألفاظه والمقصود من ذكره
أن أبا طالب عليه الكلام كان عالما بأحوال ابن أخيه محمد صلى الله
عليه وآله وسلم وأحوال ولده علي بن أبي طالب قبل ولادتهما ، وكان
مؤمنا بهما ، معترفا برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله
ووصاية ولده له ، ولذلك لما جمعهم النبي صلى الله عليه وآله يوم
الانذار وأخبرهم بأنه رسول الله إليهم وأن عليا وصيه قبل ذلك أبو طالب
ولم يتكلم ولم يرد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما رد عليه غيره
فضحكوا على أبي طالب عليه السلام وقالوا له : ألا ترى ان محمدا يأمرك
باتباع ولدك ؟ .
( بعض ما روي في بدء الشريعة المحمدية ومعرفة )
( أبي طالب عليه السلام ذلك )
( قال المؤلف ) ومما يؤيد ما ذكرناه وهو معرفة أبي طالب
عليه السلام بنبوة ابن أخيه صلى الله عليه وآله حديث أخرجه
فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه ، ( نهاية الطلب
وغاية السؤول في مناقب آل الرسول ) باسناده عن طاووس عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وآله قال للعباس رضي الله عنه : ان الله
أمرني باظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني ، فما عندك ؟ فقال له العباس
يا بن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك ، وإن كانت هذه
الخصلة كانت الطامة الطماء ، والداهية العظيمة ، ورمينا عن قوس واحد
وانتسفونا نسفا ، ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك
إن لا ينصرك ولا يخذلك ولا يسلمك ، فاتياه فلما رآهما أبو طالب
فقال : إن لكما لظنة وخبرا ، ما جاء بكما في هذا الوقت ؟ فعرفه العباس
ما قال له النبي صلى الله عليه وآله ، وما أجابه به العباس ، فنظر إليه
أبو طالب وقال له : أخرج ابن أبي ، فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا
والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبه سيوف
حداد ، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها ، ولقد كان أبي
( عبد المطلب شيبة الحمد عليه السلام ) يقرأ الكتاب جميعا ، ولقد قال
إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه
من ولدي فليؤمن به .
( قال المؤلف ) خرج هذا الحديث الشريف العلامة الحجة الأميني
في كتابه ( الغدير ج 7 ص 348 ) ثم قال أدام الله بقاه : ( أترى أن
أبا طالب يروي عن أبيه مطمئنا به ، فلينشط رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم هذا التنشيط لأول يومه ، ويأمره باشهار أمره والإشادة بذكر الله
وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة ، ويتكهن
بخضوع العرب له ، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به
إن هذا إلا اختلاق )
( قال المؤلف ) وممال يدل على أن أبا طالب كان عالما بنبوة ابن أخيه
قبل بعثته ولما بعث صلى الله عليه وآله آمن به وصدقه وحماه وأيده
ونصره ، ما خرجه ابن عساكر الشافعي في تأريخه المختصر ( ج 1 ص 267
طبع روضة الشام سنة ( 1329 ) ه ) قال : إنه صلى الله عليه وآله
قدم بصرى من نواحي دمشق قبل أن يوحى إليه وهو صغير ( على قول
كان له تسع سنين وعلى قول كان له اثنتا عشرة سنة ) مع عمه أبي طالب
وقدمها مرة ثانية في تجارة لخديجة مع غلامها ميسرة ، قال : روي عن
أبي موسى قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب ( بحيرا )
هبطوا وحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به
فلا يخرج إليهم ، ولا يلتف ، فبينما هم يحلون رحالهم إذ به قد جعل
يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين
( كل ذلك يسمعه أبو طالب ) فقال له أشياخ من قريش : وما علمك
قال : انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خر ساجدا ( له )
ولا يسجدون إلا لنبي ، وإني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف
كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع له طعاما فلما أتاهم به ، وكان هو
في رعيه الإبل قال : أرسلوا إليه ، فاقبل وعليه غمامة تظلله ، فلما دنا من
القوم وجدهم قد سبقوا إلى فئ الشجرة ، فلما جلس ( صلى الله عليه
وآله وسلم مال فئ الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فئ الشجرة مال
عليه ، قال : فبينما ، هو قائم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فان
الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه ، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد
أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا إن النبي
خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق الا بعث إليه بأناس ، وانا قد أخبرنا
خبره فبعثنا إلى طريقك هذا ، قال فهل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم ؟
قالوا : لا ، إنما اخترنا خيرة لطريقك هذا ، قال : أفرأيتم إن أراد الله
أمرا أن يمضيه هل يستطيع أحد ان يرده ؟ قالوا : لا قال : فبايعوه
فأقاموا معه ، قال : فأتاهم فقال : أنشدكم الله أيكم وليه ؟ قال أبو طالب
أنا فلم يزل يناشده حتى رده ( إلى مكة .
( قال المؤلف ) وإن كان هذا الحديث ضعيفا ولكن يؤخذ به في
باب الفضائل على القاعدة التي ذكرت في الحديث ، وهو عند علماء أهل
السنة مجمع عليه كما ذكره ابن حجر في أول كتاب ( تطهير الجنان )
المطبوع بهامش ( ص 26 ) من الصواعق ، وهذا الحديث هو حديث بحيرا
ولكن نقل بالمعنى وزيد فيه ما ليس منه .
( قال المؤلف ) وقد أخرجنا حديثا نحوه مفصلا من الخصائص
الكبرى للسيوطي الشافعي في هذا المختصر ، فيه دلالة واضحة على ما نحن
بصدده ، وخرج في ذيل تاريخ ابن عساكر ( ج 1 ص 268 ) أن الحديث
المتقدم خرجه الترمذي في كتابه ، وذكره البزاز في مسنده مع اختلاف
وذكر في التأريخ أيضا ( ج 1 ص 268 ) بسنده عن أبي مجلز ( أنه قال )
لما مات عبد الله ( عليه السلام والد النبي صلى الله عليه وآله )
عطف عبد المطلب أو أبو طالب على محمد ( صلى الله عليه وآله )
فكان لا يسافر سفرا إلا كان معه فيه ، فتوجه نحو الشام فنزل منزلا
فاتاه فيه راهب فقال : إن فيكم رجلا صالحا فقال : إن فينا من يقري
الضيف ، ويفك الأسير ، ويفعل المعروف ، فقال : أرجو أعلى من هذا
ثم ( أشار إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : أين أبو هذا الغلام ؟
فقيل له : هذا وليه ، فقال له : احتفظ به ولا تذهب به إلى الشام
إن اليهود حساد ، وإني أخشاهم عليه ، قال ما أنت تقول ذلك ولكن الله
يقوله ، فرده وقال : اللهم إني أستودعك محمدا ثم إن الراهب مات .
( قال المؤلف ) ثم إن ابن عساكر ذكر قضية بحيرا الراهب واطعامهم
الطعام في ( ج 1 ص 269 ص 271 ) وسيمر عليك تفصيل حديثه نقلا
من الخصائص ، ولفظه يوافق لفظ السيوطي الشافعي في الخصائص ، غير
أن السيوطي زاد كلمات في الحديث شرحا له ، وذكر أن أبا طالب عليه السلام
قال في ذلك أبياتا ، منها :
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
فذكر ستة أبيات بعده تراها بعد الحديث فيما يأتي ، ولكن ابن عساكر
لما ذكر القضية بكاملها ذكر لأبي طالب عليه السلام أبياتا غير ما ذكره
جلال الدين السيوطي في الخصائص ، ونحن نذكر الأبيات فقط دون القضية
قال ابن عساكر ثم نظر ( بحيرا ) إلى ظهره عليه السلام فرأى خاتم النبوة
بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده ، فقال أبو طالب في ذلك :
ان ابن آمنة النبي محمدا * عندي يفوق منازل الأولاد ( 1 )
لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرق الافراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة * بيض الوجوه مصالت انجاد
ساروا لابعد طية معلومة * فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا * عنه ورد معاشر الحساد
قوما يهودا قد رأوا لما رأى * ظل الغمام وعن ذي الأكباد
ساروا لقتل محمد فنهاهم * عنه واجهد أحسن الاجهاد
فثنى زبيرا من بحيرا فانثنى * في القوم بعد تجاول وبعاد
ونهى دريسا فانثنى عن قوله * حبر يوافق أمره برشاد
وقال ( أبو طالب عليه السلام ) أيضا في قضية سفره مع أن أخيه
صلى الله عليه وآله :
ألم ترني من بعدهم هممته * بفرقة حر الوالدين حرام
بأحمد لما أن شددت مطيتي * برحلي وقد ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا * وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه حين رقرق عبرة * تجود من العينين ذات سجام
فقلت ترحل راشدا في عمومة * مواسين في البأساء غير لئام
وفي كتاب الحجة على الذاهب : ( وقلت له رح راشدا في عمومة )
فرحنا مع العير التي راح أهلها * شآم الهوى والأصل غير شآم
وفي الديوان :
وجاء مع العير التي راح ركبها * شآمى الهوى والركب غير شآم
فلما هبطنا ارض بصرى تشرفوا * لنا فوق دور ينظرون عظام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا * لنا بشراب طيب وطعام
فقال اجمعوا أصحابكم عندما رأى * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم فقال ادعوه ان طعامنا * له دونكم من سوقة وإمام
وآلى يمنيا برة إن زادنا * كثير عليه اليوم غير حرام
فلو لا الذي خبرتم عن محمد * لكنتم لدينا اليوم غير كرام
فلما رآه مقبلا نحو داره * يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام
واقبل ركب يطلبون الذي رأى * بحيرا من الاعلام وسط خيام
فذلك من اعلامه وبيانه * وليس نهار واضح كظلام
فثار إليهم خشية لعرامهم * وكانوا ذوي بغي لنا وعرام
دريسا وتماما وقد كان فيهم * زدير وكل القوم غير نيام
فجاؤوا وقد هموا بقتل محمد * فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تيقنوا * فقال لهم ما أنتم بطغام
( قال المؤلف ) ثم ذكر ابن عساكر البيت المتقدم ذكره ( فذلك
من اعلامه وبيانه ) الخ ، ولكن في الديوان المطبوع في النجف الأشرف
جمع أبي هفان ذكر بيتا آخر وهو :
وإن الذي نختاره منه مانع * سيكفيه منكم كيد كل طغام
ثم ذكر البيت المتقدم ( فذلك من إعلامه وبيانه ) الخ ، بعده
فالأبيات في الديوان ( 32 ) في القصيدتين ، وقي تاريخ ابن عساكر ( 30 )
بيتا ، وفي ( كتاب الغدير ) للأميني ( 33 ) ، وفي كتاب ( الحجة على
الذاهب ) لفخار بن معد ( 19 ) بيتا ، وفي كتاب ( أبو طالب مؤمن
قريش ) للخنيزي ( 20 ) بيتا .
( قال المؤلف ) خرج هذه الأبيات من القصيدتين جماعة أشرنا إليهم
وخرجهما السيد العلامة العاملي في الأعيان ( ج 39 ص 147 ) وذكر
بعضها في معجم القبور ( ج 1 ص 185 ) للسيد العلامة الحجة السيد محمد
مهدي الأصبهاني الكاظمي ، وخرجها العلامة الخنيزي في كتابه ( أبو طالب
مؤمن قريش ( ص 134 ص 135 ) ( ثم قال ) ونعم ما قال :
لسنا نشك بعد هذا في أن أبا طالب عليه السلام كان ينظر إلى هذه
الارهاصات ( ثم قال ) فما هذه الملامح والدلالات التي كان يراها من ابن
أخيه صلى الله عليه وآله ، بالتي يجدها عند غيره من هذا الحشد من
الناس ( ثم قال ) إنها لدلائل صارخة ليس له أن يخالجه فيها شك أو
يعارضه ريب في أن ابن أخيه سيكون نبيا ورسولا مبعوثا يجب طاعته
ويلزم نصرته ، فقام عليه السلام بواجبه ورأي ذلك فوق طاقته وأمر
إخوانه وأولاده وساير عشيرته بمتابعته وتأييده ونصرته حتى يتمكن من
بث دعوته .
( قال المؤلف ) وقال السيد العلامة الحجة السيد شمس الدين الموسوي ابن معد
في ( الحجة على الذاهب ص 77 ) : لما توفي عبد الله والد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كفله جده عبد المطلب ثماني سنين ثم احتضر الموت فدعا
ابنه أبا طالب وقال له : يا بني تسلم ابن أخيك مني ، فأنت شيخ قومك
وعاقلهم ومن أجد فيه الحجى ( العقل خ ل ) دونهم ، وهذا الغلام تحدثت به
الكهان ، وقد روينا في الاخبار ، انه سيظهر من تهامة نبي كريم ، وروي
فيه علامات قد وجدتها فيه ، فأكرم مثواه ، واحفظه من اليهود ، فإنهم
أعداؤه ، فلم يزل أبو طالب لقول عبد المطلب له حافظا ، ولوصيته راعبا
ومن هنا قال ( فيما تقدم ) ( وحفظت فيه وصية الأجداد ) ثم أنه
أعلى الله مقامه ذكر بعض القصيدة الثانية إلى قوله ( وليس نهار
واضح كظلام ) ثم قال ومن قصيدة ( له ) في ذلك .
وما برحوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
ولم يذكر بقية القصيدة ولكن ذكرها غيره .
( قال المؤلف ) وهذا البيت من قصيدة ذكرها جلال الدين السيوطي
الشافعي في الخصائص الكبرى ( ج 1 ص 84 ص 85 ) وإليك نصها :
فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا أحبار كل مدينة * سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدا * دريسا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا * له بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تهودوا * وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يترك له النصح رده * فان له إرصاد كل مصاد
فاني أخاف الحاسدين وإنه * لفي الكتب مكتوب بكل مداد
( قال المؤلف ) ثم ذكر السيد شمس الدين بن معد في ( الحجة على الذاهب
( ص 78 ) بعد ذكره البيت المتقدم : ( وما برحوا حتى رأوا من محمد ) الخ
وقال لما اشتد أذى أبي جهل بن هشام للنبي صلى الله عليه وآله
وعناده له ، قال أبو طالب له متهددا ، وبالحرب متوعدا ولرسول الله
صلى الله عليه وآله ولدينه محققا معتقدا .
صدق ابن آمنة النبي محمدا * فتميزوا غيظا به وتقطعوا
إن ابن آمنة النبي محمدا * سيقوم بالحق الجلي ويصدع
فأربع أبا جهل على ظلع فما * زالت جدودك تستخف وتظلع
سترى بعينك إن رأيت قتاله * وعناده من أمره ما تسمع
( ثم قال السيد أعلى الله مقامه ) لله در أبي طالب كأنه أوحي إليه
ما يكون من أمر عدو الله أبي جهل إذ جد في عناد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وقتاله ، حتى أراه الله بعينه يوم بدر ، وما وعده أبو طالب
من تعفير خده وإتعاس جده .
( قال المؤلف ) ايذاء أبي جهل للنبي صلى الله عليه وآله
معروف مشهور ذكر ذلك أغلب المؤرخين ومن جملة أذاياه ما ذكره ابن
شهرآشوب في المناقب ج 1 ص 442 الطبع الثاني ، قال : روي عن ابن عباس أنه قال
دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة ، وافتتح الصلاة فقال أبو جهل : من
يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته ؟ فقام ابن الزبعري وتناول فرثا
ودما وألقى ذلك عليه فجاء أبو طالب وقد سل سيفه فلما رأوه جعلوا
ينهضون ، فقال : والله لئن قام أحد جللته بسيفي ، ( ثم قال ) يا بن أخي
من الفاعل بك هذا ؟ قال : عبد الله ، فأخذ أبو طالب فرثا ودما وألقى
عليه ( قال ) : وفي رواية أمر عبيده أن يلقوا السلا عن ظهره ويغسلوه
ثم أمرهم أن يأخذوه ( اي يأخذوا السلا ) فيمروا على أسبلة القوم بذلك
( وفي رواية ) إن فاطمة عليها السلام أماطته ثم أوسعتهم شتما وهم يضحكون
( قال ) فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله قال : اللهم عليك الملا
من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة
ابن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف ( قال ) : فوالله الذي
لا إله إلا هو ما سمى النبي صلى الله عليه وآله يومئذ أحدا إلا وقد
رأيته يوم بدر وقد أخذ برجله تجر إلى القليب مقتولا .
( قال المؤلف ) إن أبا طالب وعد أبا جهل هذا اليوم وقد رأى
ما وعده عليه السلام .
( قال المؤلف ) من جملة أذايا أبي جهل ما ذكره جمع من المحدثين
والمؤرخين ، منهم ابن أبي الحديد ، فقد خرج في شرحه على نهج البلاغة
( ج 14 ص 74 ط 2 ) قال : وقد جاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام
جاء مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وبيده حجر
يريد أن يرضخ به رأسه صلى الله عليه وآله فلصق الحجر بكفه فلم
يستطيع ما أراد ، فقال أبو طالب في ذلك من جملة أبيات :
أفيقوا بني عمنا وانتهوا * عن الغي من بغض ذا المنطق
وإلا فاني إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي
كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقي
( قال ) ومنها
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من حينه * إلى الصابر الصادق المتقي ( 1 )
فأثبته الله في كفه * على رغم ذا الخائن الأحمق
( قال المؤلف ) خرج العلامة السيد في ( الحجة على الذاهب )
( ص 52 ) قضية أبي جهل وقصده أذية رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وقال : أخبرني الشيخ الفقيه شاذان رحمه الله ، باسناده إلي أبي الفتح
الكراجكي رحمه الله يرفعه أن أبا جهل بن هشام جاء إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ومعه حجر ، يريد أن يرميه به إذا سجد رسول الله
صلى الله عليه وآله فرفع أبو جهل يده فيبست على الحجر ، فرجع
وقد التصق الحجر بيده ، فقال له أشياعه من المشركين أجننت ؟ قال : لا
ولكن رأيت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ، فقال في ذلك أبو طالب
هذه الأبيات :أفيقوا بني عمنا وانتهوا * عن الغي في بعض ذا المنطق
وإلا فاني إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي
تكون لغابركم عبرة * ورب المغارب والمشرق ( 1 )
كما ذاق من كان قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقي ( 2 )
غداة أتتهم بها صرصر * وناقة ذي العرش إذ تستقى
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربة الأزرق
غداة يعض بعرقوبها * حسام من الهند ذو رونق
وأعجب من ذلك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام في جنبه * إلى الصابر الصادق المتقى ( 3 )
فأثبته الله في كفه * على رغم ذا الخائن الأحمق ( 4 )
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يصدق ( 5 )
( قال المؤلف ) وخرج السيد العلامة العاملي في كتاب أعيان الشيعة
( ج 39 ص 142 ص 143 ) بعض أبيات القصيدة المذكورة .
( قال المؤلف ) وخرج ابن أبي الحديد في شرحه بعد نقله الأبيات المتقدمة
الذكر ( في ج 14 ط 2 ص 73 ) و ( ج 3 ط 1 ص 314 ) قد اشتهر
عن عبد الله المأمون انه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :
نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلالا كلمع البروق
أذب وأحمي رسول الآله * حماية حام عليه شفيق
وما أن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
( قال المؤلف ) : خرج أبو هفان ( 1 ) في الديوان ( ص 34 ) طبع
النجف الأشرف الأبيات بزيادة بيت واحد فيها مع اختلاف في ترتيبها
وهذا نصه قال : وقال أبو طالب :
منعنا الرسول رسول المليك * ببيض تلالا لمع البروق
بضرب يذيب دون النهاب * حذار الوتائر والخنفنيق ( 2 )
أذب وأحمي رسول الآله * حماية حام عليه شفيق
وما إن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق
وقال ( أبو طالب ) أيضا :
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
( قال المؤلف ) خرج العلامة الحجة في المناقب ( ج 1 ص 42 )
بعض الأبيات وترك بعضها ، وذكر لها مقدمة كانت سببا لانشاد أبي طالب
عليه السلام الأبيات ، واليك المقدمة والابيات بنصها :
( قال عليه الرحمة ) روى الطبري والبلاذري والضحاك ( وقالوا ) :
لما رأت قريش حمية قومه وذب عمه أبو طالب عنه جاؤوا إليه ( أي إلى
أبي طالب عليه السلام ) وقالوا : جئناك بفتى قريش جمالا وجودا ، وشهامة
عمارة بن الوليد ، ندفعه إليك يكون نصره وميراثه لك ، ومع ذلك ( نعطيك )
من عندنا مالا ، وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه
أحلامنا فنقتله ، فقال ( عليه السلام ) : والله ما أنصفتموني ، أتعطونني
ابنكم أغذوه لكم ، وتأخذون ابني تقتلونه ، هذا والله ما يكون أبدا
أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره ؟ ثم نهرهم ، فهموا
باغتياله ( أي اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ) فمنعهم من ذلك
وقال فيه :
حميت الرسول رسول الآله * ببيض تلالا مثل البروق
أذب وأحمي رسول الآله * حماية عم عليه شفيق
( ثم قال عليه الرحمة ) : وأنشد ( أيضا أبو طالب عليه السلام )
وقال :
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا * بنينا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باغ مولوي بن غالب
( قال المؤلف ) قضية مجئ قريش إلى أبي طالب عليه السلام
وطلبهم منه تسليم ابن أخيه صلى الله عليه وآله إليهم ليقتلوه ذكرها
جمع كثير من علماء أهل السنة ، وعلماء الإمامية عليهم الرحمة أما علماء
أهل السنة الذين خرجوا ذلك فهم جماعة :
( منهم ) الطبري في تاريخه الكبير ( ج 2 ص 220 ط م سنة 1326 )
( ومنهم ) قزاغلي سبط ابن الجوزي الحنفي ( في تذكرة خواص
الأمة ( ص 5 طبع إيران سنة 1385 ) .
( ومنهم ) العلامة الحلبي الشافعي في سيرته المعروفة بسيرة الحلبي
( ج 1 ص 306 ط م سنة 1308 )
( ومنهم ) العلامة السيد احمد زيني دحلان الشافعي في سيرته المعروفة
( بالسيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية ( ج 1 ص 91 )
( ومنهم ) ابن هشام في سيرته ( ج 1 ص 246 طبع مصر سنة 1295 )
وذكر معها قصيدة لأبي طالب عليه السلام ، أولها ، ( الا قل لعمرو والوليد
ابن مطعم . ) الخ ، وهي في أحد عشر بيتا تأتي قريبا .
( ومنهم ) محمد الصبان الشافعي في اسعاف الراغبين ( ص 16 ) ط م
سنة 1328 ، المطبوع بهامش مشارق الأنوار .
( منهم ) ابن سعد في الطبقات ( ج 1 ص 134 ط ليدن سنة 1322 ) وذكرها غير هؤلاء أيضا .
( منهم ) ابن حجر العسقلاني في الإصابة ( ج 7 ص 115 ط م
سنة 1328 ) .
( ومنهم ) العلامة زيني دحلان الشافعي أيضا في أسنى المطالب ( ص 6 طبع
مصر وطبع طهران ص 9 ) .
( وصية أبي طالب لاقربائه ان يطيعوا النبي صلى الله )
( عليه وآله وسلم والخطبة التي خطبها في زواج )
( خديجة عليها السلام )
( قال المؤلف ) ذكر زيني دحلان الشافعي قبل ذكره القضية في
( ص 8 ) من أسنى المطالب طبع طهران ، وقال : قال أبو طالب
لاقربائه وأولاده : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره
فأطيعوه ترشدوا ( قال ) وقد نوه أبو طالب بنبوة النبي قبل أن يبعث
صلى الله عليه وآله لأنه ذكر في الخطبة التي خطب بها حين تزوج
صلى الله عليه ( وآله وسلم ) بخديجة رضي الله عنها ، فقال في خطبته
تلك : ” الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وضئضئ
معد ، وعنصر مضر ، وجعلنا حفظة بيته ، وسواس حرمه ، وجعل لنا
بيتا محجوجا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن ابن أخي
هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح شرفا ونبلا ، وفضلا
وعقلا ، وهو والله ، بعد هذا له نبأ عظيم ، وخطر جسيم ” ( قال ) : وكان
هذا ( القول من أبي طالب عليه السلام ) قبل بعثته صلى الله عليه وآله
وسلم بخمس عشرة سنة ( قال ) فانظر كيف تفرس فيه أبو طالب كل
خير قيل بعثته صلى الله عليه وآله ، فكان الامر كما قال : وذلك
من أقوى الدلائل على إيمانه وتصديقه بالنبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم
حين بعثه الله تعالى ، ثم ذكر قضية مجئ قريش وشكايتهم عند أبي طالب
ابن أخيه صلى الله عليه وآله ( قال ) : ثم إن أبا طالب قال للنبي
إن بني عمك هؤلاء يزعمون أنك تؤذيهم ، فقال : لو وضعوا الشمس في
يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك
فيه ما تركته ، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا فقال
أبو طالب : يا بن أخي قل ما أحبيت ، فوالله لا أسلمنك لهم ابدا ، وقال
لقريش والله ما كذب ابن أخي قط ، ثم أنشأ الأبيات المعروفة التي ( منها ) :
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذلك وقر منه عيونا ، الخ
وقد تقدم تمامها وسيأتي أيضا 🙁 قال المؤلف ) فهل بعد ما مر عليك من التصريحات في الشعر
والنثر بان محمدا صلى الله عليه وآله رسول الآله ونبي مرسل من
الله جاء بالدين الصحيح ، والشريعة الواضحة ، والحق المبين الجلي من الواحد
الاحد العلي ، وبعدما سمعه من الأحبار والرهبان ومن أبيه عبد المطلب
عليه السلام ، يبقى مجال للترديد أو التوقف أو الشك في ايمان حامي الرسول
الباذل له نفسه ونفيسه في سبيل الدين أبي طالب عليه السلام .
( قال المؤلف ) لما رأى المشركون وكفار قريش أن أبا طالب عليه السلام
لم يسلم ابن أخيه إليهم ليقتلوه اتفقوا على تركهم لأبي طالب مع تبعته
وكتبوا الصحيفة الملعونة .
( بعض ما ذكره المؤرخون في سبب كتابة الصحيفة )
( الملعونة التي كتبها أهل مكة من قريش وغيرهم )
قال الجزري في تاريخ الكامل ( ج 2 ص 32 طبع مصر ) ولما رأت
قريش الاسلام يفشو ويزيد وأن المسلمين قووا باسلام حمزة إئتمروا في أن
يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا بني هاشم وبني المطلب
ولا ينكحوا إليهم ، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم شيئا ، فكتبوا بذلك
صحيفة وتعاهدوا على ذلك ، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا
لذلك الامر على أنفسهم ، فلما فعلت قريش ذلك انحازت بنو هاشم وبنو
المطلب إلى أبي طالب . فدخلوا معه شعبه ، واجتمعوا وخرج من بني هاشم
أبو لهب بن عبد المطلب إلى قريش فلقي هند بنت عتبة فقال : كيف رأيت
نصري للات والعزى قالت : لقد أحسنت فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا
( أو أربعا ) حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم شئ الا سرا ، وذكروا
أن أبا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد ومعه قمح يريد عمته خديجة وهي
عند رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب ، فتعلق به وقال
والله لا تبرح حتى أفضحك ، فجاء أبو البحتري بن هشام فقال : مالك
وله ؟ عنده طعام لعمته أفتمنعه أن يحمله إليها ، خل سبيله ، فأبى أبو جهل
فنال منه فضربه أبو البحتري بلحى جمل فشجه ووطأه وطئا شديدا وحمزة
ينظر إليهم ، وهم يكرهون أن يبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك
فيشتمت به وهو والمسلمون ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يدعو
الناس سرا وجهرا ، والوحي متتابع إليه فبقوا كذلك ثلاث سنين ( أو
أربع سنين ) كما في المناقب لابن شهرآشوب ( ج 1 ص 46 من الطبع
الثاني سنة : 1317 ه ) فقام في نقض الصحيفة نفر من قريش ، وكان أحسنهم
بلاء فيه هشام بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن لوي ، وهو ابن أخي نضلة
ابن هشام بن عبد مناف لامه ، كان يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا
ويستقبل به الشعب ويخلع خطامه فيه فيدخل الشعب فلما رأى ما هم فيه
وطول المدة عليهم مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخي أم
سلمة ، وكان شديد الغيرة على النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين
وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فقال : يا زهير أرضيت أن تأكل
الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت ، أما إني
أحلف بالله لو كان أخوالي أبا الحكم يعني أبا جهل ثم دعوته إلى مثل
ما دعاك إليه ما أجابك ابدا ، فقال : فماذا أصنع وإنما أنا رجل واحد
والله لو كان معي رجل آخر لنقضتها ، فقال قد وجدت رجلا ، قال
ومن هو ؟ قال انا ، قال زهير أبغنا ثالثا قال قد فعلت ، قال من هو ؟
قال زهير بن أمية ، قال : أيضا رابعا ، قال : نعم ، قال من هو ؟
قال : انا وزهير والمطعم ، قال أبغني خامسا فذهب إلى زمعة بن الأسود
ابن المطلب بن أسد فكلمه وذكره له قرابتهم ، قال : وهل على هذا الامر
معين ؟ قال : نعم ، وسمى له القوم ، فاتعدوا حطم الحجون الذي بأعلى
مكة ، فاجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في نقض الصحيفة ، فقال
زهير : أنا أبدؤكم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير فطاف
بالبيت ثم أقبل على الناس فقال : يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب
وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يبتاع منهم ؟ والله لا أقعد حتى تشق
هذه الصحيفة القاطعة الظالمة قال أبو جهل : كذبت والله لا تشق ، قال
زمعة بن الأسود أنت والله أكذب ، ما رضينا بها حين كتبت ، قال أبو
البحتري : صدق زمعة لا نرضى بما كتب فيها ، قال المطعم بن عدي : صدقتما
وكذب من قال غير ذلك ، وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك ، قال
أبو جهل : هذا أمر قضي بليل وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، فقام
المطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها الا ما كان باسمك اللهم
( وهي كلمة ) كانت تفتتح بها كتبهم وكان كاتب الصحيفة منصور
ابن عكرمة فشلت يده وقيل كان سبب خروجهم من الشعب ان الصحيفة
لما كتبت وعلقت بالكعبة اعتزل الناس بني هاشم وبني المطلب وأقام
رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو طالب ومن معهما بالشعب ثلاث
سنين فأرسل الله الأرضة وأكلت ما فيها من ظلم وقطيعة رحم وتركت ما فيها
من أسماء الله تعالى فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله فاعلمه بذلك ، فقال
النبي صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب ، وكان أبو طالب لا يشك في قوله فخرج من الشعب
إلى الرحم فاجتمع الملا من قريش ، وقال : إن ابن أخي أخبرني أن الله
أرسل على صحيفتكم الأرضة فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم وتركت
اسم الله تعالى فأحضروها : فإن كان صادقا علمتم أنكم ظالمون لنا ، قاطعون
لأرحامنا وإن كان كاذبا علمنا انكم على حق وأنا على باطل ، فقاموا
سراعا وأحضروها فوجدوا الامر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، وقويت نفس أبي طالب واشتد صوته وقال : قد تبين لكم أنكم
أولى بالظلم والقطيعة فنكسوا رؤوسهم ، ثم قالوا : إنما تأتونا بالسحر
والبهتان ، وقام أولئك النفر في نقضها كما ذكرنا ، وقال أبو طالب في
أمر الصحيفة وأكل الأرضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحم أبياتا منها
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب يعجب
محا الله منهم كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
فأصبح ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
( قال المؤلف ) هذه القضية ذكرت باختلاف في كتب التاريخ
مفصلا ومختصرا ، والرواية الأخيرة التي ذكرها في الكامل أكثر ذكرا من
غيرها ، والابيات التي ذكرها لها تتمة ذكرت في ديوان أبي طالب عليه
السلام ، وفيها تصريح بالوحدانية والنبوة وغير ذلك من الأمور النافعة
المهمة ، تثبت لمن تأملها أن أبا طالب عليه السلام كان موحدا مؤمنا بالنبي
الأمي ، ابن أخيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، وإنما أخفى
عقيدته ولم يتظاهر بها كساير أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لحفظ
نفسه وحفظ النبي وحفظ أصحابه ، فحاله عليه السلام حال المؤمنين الذين
كتموا إيمانهم فكان لهم اجران ، وبذلك حفظ النبي وأهل بيته ولم يتمكن
أحد من إيذائه رعاية له وخوفا منه ، إلى أن توفي سلام الله عليه ، ولما
توفي عليه السلام قامت قريش وغير قريش بايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ووصل إلى حد لم يتمكن صلى الله عليه وآله من البقاء في وطنه
فقر منها بأمر الله تعالى إلى يثرب ، حيث كان له هناك أتباع وأنصار
قاموا بنصرته إلى أن قوي الدين وكثر المسلمون واستولوا على الكافرين
من قريش وغيرهم وتمكن من فتح مكة المكرمة ووطنه المبارك ، واليك
القصيدة من الديوان . ( 1 )
الا من لهم آخر الليل منصب * وشعب العصا من قومك المتشعب
وجربى أراها من لوي بن غالب * متى ما تزاحمها الصحيحة تجرب
إذا قائم في القوم بخطبة * أقاموا جميعا ثم صاحوا وأجلبوا
وما ذنب من يدعو إلى الله وحده * ودين قويم أهله غير خيب
وما ظلم من يدعوا إلى البر والتقى * ورأب الثأى بالرأي لا حين مشعب
وقد جربوا فيما مضى غب أمرهم * وما عالم أمرا كمن لم يجرب
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * اتاك بها من غاثب متعصب ( 2 )
محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما تقموا من صادق القول منجب
وأصبح ما قولوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على ساخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا خاذلين محمدا * لذي غربة منا ولا متقرب
ستمنعه منا يد هاشمية * مركبها في المجد خير مركب
وينصره الله الذي هو ربه * باهل العقير أو بسكان يثرب ( 3 )
فلا والذي يحدى له كل مرثم * طليح بجنبي نخلة فالمحصب
يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف بطلا بالعتيق المحجب
نفارقه حتى نصرع حوله * وما بال تكذيب النبي المقرب
فيا قومنا لا تظلمونا فإننا * متى ما نخف ظلم العشيرة نغضب
وكفوا إليكم من فضول حلومكم * ولا تذهبوا في رأيكم كل مذهب
ولا تبدأونا بالظلامة والأذى * فنجزيكم ضعفا مع الام والأب
( قال المؤلف ) ومن جملة من خرج بعض الأبيات المذكورة مؤلف
ناسخ التواريخ في ج 1 من الكتاب الثاني ص 260 ، وهذا نص ما أخرجه
بألفاظه :
ألا من لهم آخر الليل منصب * وشعب العصا من قومك المتشعب
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محا الله مها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
فكذب ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبونا مسلمين محمدا * لذي غربة منا ولا متقرب
( قال المؤلف ) ومن شعر أبي طالب عليه السلام الدال على أنه
كان مؤمنا بابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله ومعتقدا بنبوته
ورسالته ما خرجه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ج 14 ص 62
ط 2 وخرجه غيره :
ألا أبلغا عني لويا رسالة * بحق وما تغني رسالة مرسل
بني عمنا الادنين فيما يخصهم * وإخواننا من عبد شمس ونوفل
أظاهرتم قوما عليا سفاهة * وأمرا غويا من غواة وجهل
يقولون لو أنا قتلنا محمدا * أقرت نواصي هاشم بالتذلل
كذبتم ورب الهدي تدمى نحورها * بمكة والبيت العتيق المقبل
تنالونه أو تصطلوا دون نيله * صوارم تفري كل عضو ومفصل
فمهلا ولما تنتج الحرب بكرها * بخيل تمام أو بآخر معجل
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتأوى إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخر بعد أول
فان كنتم ترجون قتل محمد * فروموا بما جمعتم نقل يذبل
فانا سنحميه بكل طمرة * وذي ميعة نهد المراكل هيكل
وكل رديني ظماء كعوبه * وعضب كايماض الغمامة مقصل
ثم قال ابن أبي الحديد : ” قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق رحمه الله
يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب وهو شيخ
الأبطح وشيخ قريش ورئيسها وذو شرفها يمدح ابن أخيه محمدا وهو
شاب قد ربي في حجره وهو يتيمه . ومكفوله . وجار مجرى أولاده
مثل قوله :
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عنقاء عيطل
وتأوي إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخر بعد أول
ومثل قوله : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
فان هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابي من الناس
وإنما هو من مديح الملوك والعظماء ، فإذا تصورت أنه شعر أبي طالب
ذاك الشيخ المبجل العظيم في محمد صلى الله عليه وآله وهو
شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره ، غلاما
وعلا عاتقه طفلا ، وبين يديه شابه ، يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره
علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيما ، وأن الله
تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ، ومكانا جليلا ” .
( قال المؤلف ) لقد انصف علي بن يحيى البطريق ، وأظهر الحق
ولم يتعام كما تعامى صديقه ابن أبي الحديد الشافعي وقال : ” إني في القول
بايمان شيخ قريش من المتوقفين ” ، ولم يتوقف إلا رعاية لخاله أمير الشام
حيث أنكر إيمانه عليه السلام حقدا وعداوة لولده علي عليه السلام الذي
قتل أشياخه ببدر وحنين ، ولا يخفى على طالبي الحق أن هذه الأبيات من
شعر أبي طالب عليه السلام خرجها أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي في
ديوان أبي طالب عليه السلام شيخ الأبطح ص 36 طبع النجف الأشرف
وفيه اختلاف في الألفاظ ، وزيادة في الأبيات واليك نصها فتأملها واغتنم
ألا أبلغا عني لويا رسالة * بحق وما تغني رسالة مرسل
بني عمنا الادنين تيما نخصهم * وإخواننا من عبد شمس ونوفل
أظاهرتم قوما علينا أظنة * وأمر غوي من غواة وجهل
يقولون لو أنا قتلنا محمدا * أقرت نواصي هاشم بالتذلل
كذبتم وبيت الله يثلم ركنه * ومكة والاشعار في كل معمل
( قال ) يروى يلثم ركنه اي ركن البيت ، ويثلم ركنه ، أي ركن
محمد صلى الله عليه وآله والاشعار علامة الهدي ، قال الأصمعي
جاءت أم معبد الجهني الحسن فقالت : يا بن ميسان إنك قد أشعرت ابني
وبالحج أو بالنيب تدمى نحوره * بمدماه والركن العتيق المقبل
( قال ) الناب المسن من الإبل أي تقاتلون حتى تثنى السيوف :
تنالونه أو تعطفوا دون قتله * صوارم تفري كل عظم ومفصل
وتدعوا بأرحام وأنتم ظلمتم * مصاليت في يوم أغر محجل
( قال ) أي تدعوا بأرحام أنتم قطعتموها :
فمهلا ولما تنتج الحرب بكرها * ييتن تمام أو بآخر معجل
فانا متى ما نمرها بسيوفنا * نجالح فنعرك من نشاء بكلكل
( قال نجالح أي نكاشف ، ويقال نصبر على حالين ، والمجلاح
من النوق الذي يصبر على الحر والبرد :
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا * على ربوة في رأس عيطاء عيطل
( قال ) أصل العيط طول العنق ثم استعير ، وعيطل طويلة تامة :
وتأوي إليه هاشم إن هاشما * عرانين كعب آخرا بعد أول
فان كنتم ترجون قتل محمد * فروموا بما جمعتم نقل يذبل
فانا سنحميه بكل طمرة * وذي ميعة نهد المراكل هيكل
( قال ) طمر الجرح إذا انتفخ . ونتاونزا ، وطامر بن طامر البرغوث
لأنه كثير الوثب .
وكل رديني ظماء كعوبه * وعضب كايماض الغمامة مقصل
وكل جرور الذيل زغف مفاضة * دلاص كهزهاز الغدير المسلسل
2018-05-20