توجيهات أخلاقية 19- موانع الاستغفار
28 مايو,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
785 زيارة
1ـ الغفلة
يُشير سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في حديثه عن موانع الاستغفار إلى مسألة الغفلة، ويعتبرها من أهمِّ موانع الاستغفار، موجِّهاً خطاباً شاملاً لكلِّ المكلّفين، محذِّراً إيّاهم من الوقوع في فخِّ الغفلة, يقول سماحته دام ظله:
“إذا أردنا أنْ نحصل على الاستغفار وعلى هذه النعمة الإلهيّة، علينا أنْ نبتعد عن خصلتين: الغفلة والغرور. فالغفلة هي أنْ لا يلتفت الإنسان كليّاً إلى أنّه يُذنب، كبعض الناس، لا أقول الكثير منهم، لا أُركِّز هنا على قلّتهم وكثرتهم، فقد يكونون قلائل في بعض المجتمعات، على أيِّ حال هذا النوع من الناس موجود في الدنيا بين الناس، هم غافلون ويرتكبون الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يرتكبون مخالفة، تراه يكذب ويتآمر ويغتاب ويُلحق الضرر ويعمل شرّاً ويُدمِّر ويقتل ويسحق مختلف الناس الأبرياء، وعلى صعيدٍ أكبر وأوسع يجعل الشعوب تعيش الهلع، يُضلّ الناس، كلّ ذلك ولا يحسّ بأنّه يرتكب مخالفة. وإذا قال له أحدٌ: إنّك ترتكب ذنباً، فقد يقهقه ويسخر ويقول: ذنب؟ أيّ ذنب؟
بعض أولئك الغافلين لا يعتقدون أساساً بالثواب والعقاب، وبعضهم يعتقد بالثواب لكنّه غارق في الغفلة لا يلتفت إلى ما يفعل مطلقاً. إذا دقّقنا في ذلك في حياتنا اليوميّة سنجد أنّ بعض حالات حياتنا شبيهة بحالات الغافلين. فالغفلة شيءٌ عجيب جدّاً وخطرٌ كبير. لعلّ الإنسان لا يواجه خطراً أكبر ولا عدوّاً أشدّ من الغفلة. هذا هو حال بعض الناس.
فالإنسان الغافل لا يُفكِّر بالاستغفار أبداً، بل لا ينتبه إلى أنّه يُذنب رغم
أنّه غارق في الذنوب، لكنّه في سكر ونوم حقيقةً كالإنسان الّذي يتحرّك خلال نومه. لذلك فإنّ أهل السلوك الأخلاقيّ عندما يُبيّنون منازل السالكين في مسلك الأخلاق وتهذيب النفس، يُطلقون على المنزل الّذي يُريد الإنسان فيه أنْ يخرج من الغفلة يُسمّونه منزل اليقظة.
وفي المصطلحات القرآنيّة، فإنّ النقطة المقابلة لهذه الغفلة هي التقوى، والتقوى تعني اليقظة والرقابة الدائمة للنفس. فإذا غفل الإنسان ارتكَبَ عشرات الذنوب، ولا يحسّ مطلقاً بأنّه مذنب. والإنسان المتّقي في النقطة المقابلة، فإذا بدر منه أيّ ذنب طفيف يتذكّر فوراً أنّه قد أذنب، ويسعى إلى جبران ذلك “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا”15. فبمجرد أنْ يمرّ الشيطان من جنبهم ويلفحهم ريحه, يُدركون فوراً أنّ الشيطان قد أصابهم وأنّهم قد أخطأوا وغفلوا، لذلك “تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ”16.
أعزّائي، أيُّها الإخوة والأخوات، كائناً من تكون، التفتْ، فهذا الكلام ليس موجّهاً لجمع من الناس لأقول: على قليلي الإطلاع أو الأمّيين أو الشبّان أو الصغار أنْ يلتفتوا، كلّا على الجميع أنْ يلتفتوا، من علماء ومفكِّرين وكبار وصغار ومتموّلين وفقراء، على الجميع أنْ يلتفتوا إلى أنّ أدنى غفلة تلمّ بهم قد توصلهم لارتكاب الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يُذنبون، فذلك أمرٌ عظيم جدّاً.
فالذنب الّذي نرتكبه أنا وأنتم ولا نلتفت له، ولأنّنا لم نلتفت إلى أنّنا قد أذنبنا فلن نتوب من ذلك الذنب ونستغفر منه، ثُمّ في يوم القيامة تنفتح
15- سورة الأعراف، الآية: 201.
16- سورة الأعراف، الآية: 20
أعيننا، عندها نتعجّب من وجود أشياء في صحيفة أعمالنا. يتعجّب الإنسان ويتساءل: متى قمت بتلك الأعمال؟ ولا يتذّكر أبداً، ذلك هو ذنب الغفلة وإشكاله. إذاً، فالغفلة هي أحد موانع الاستغفار”17.
2ـ الغرور
المانع الآخر الّذي يُركِّز عليه سماحة الإمام الخامنئي دام ظله ، هو الاغترار بالله تعالى، حيث يتحدّث أوّلاً عن معنى الغرور، وكيفيّة حصوله في قلب الإنسان، ويستشهد على كلامه بدعاء من الصحيفة السّجاديّة يُبيّن مدى الخطر الكبير على أخلاق الإنسان الّذي يُسبّبه الاغترار بالله تعالى, يقول دام ظله:
“المانع الثاني هو الغرور، فما أنْ يؤدّي الإنسان عملاً صغيراً حتّى يُصاب بالغرور، لدينا في تعابير الدعاء والرواية عبارة (الاغترار بالله) وفي الدعاء (64) من الصحيفة السجّاديّة والّذي يُقرأ في أيّام الجمعة هذه (أي شهر رمضان المبارك) ، توجد عبارة مؤثّرة جدّاً وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “وَالشَّقاءُ الأشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ. مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ”.
فالمغرور حسب تعبير هذه الرواية مبتلى بحالة (الاغترار بالله) والغُرور يجعل المغرور بعيداً جدّاً عن العمران، ويده قاصرة جدّاً عن الخلاص والسلامة. لماذا؟ لأنّه بمجرّد أنْ يؤدّي أيّ عملٍ صغير، فيُصلّي مثلاً ركعتي صلاة، أو يُقدّم خدمة للناس، أو يودع مالاً في صندوقٍ ما، أو يؤدّي أيّ عملٍ في سبيل الله, فإنّه يُصاب بالغرور فوراً، ويقول في نفسه قد صلح عملي ووضعي عند الله وقد سوّيت حسابي وسدّدته ولم أعد بحاجة
17-ا أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص172.
لشيء! لا يذكر ذلك بلسانه، بل يُردّده في قلبه.
التفتوا جيّداً، إنّ الله تعالى عندما فتح باب التوبة، وقال إنّي أغفر الذنوب، فليس معنى ذلك أنّ الذنوب أمرٌ هيِّنٌ وصغير، كلّا فالذنوب أحياناً تُضيّع الوجود الحقيقيّ للإنسان، تُنهيه، وتجعل من الإنسان الّذي كان في مرتبة عالية من الحياة الإنسانيّة، تجعله حيواناً مفترساً قذراً لا قيمة له، هكذا هو الذنب، فلا تتصوّروا أنّ الذنب أمرٌ بسيط، فالكذب والغيبة والاستهتار بشرف الإنسان والظلم ولو بكلمة واحدة ذنوبٌ غير بسيطة ولا هيّنة.
وإذا أراد الإنسان أنْ يحسّ بأنّه مذنب، ليس ضروريّاً أن يكون غارقاً في الذنوب لسنواتٍ طويلة، كلّا فالذنب الواحد ينبغي أنْ لا يُستصغر، ففي الروايات وفي باب استحقار الذنوب نجد أنّ استحقار الذنوب مذموم، وسبب قول الله تعالى إنّنا نغفر هو أنّ العودة إلى الله مهمّة جدّاً، وليس معناه أنّ الذنب صغير ولا قيمة له. الذنب أمرٌ خطير جدّاً، لكنّ العودة لله والتوجّه إليه وذكره أمور مهمّة لدرجة أنّ من يقوم بها بشكلٍ صادق وصحيح وحقيقيّ فإنّ مرضه المستعصي ذاك سيُشفى.
الإمام السّجاد صلى الله عليه وآله وسلم يُناجي ربّه في دعاءٍ آخر فيقول: “فأمّا أنت يا إلهي فأهلٌ أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون”. لاحظوا أيّ بيان وأيّة معرفة في هذا الدعاء، فهذا هو الطريق. إنّه يقول إنّ الصدّيقين الّذين ارتقوا إلى مقامٍ سامٍ من العبوديّة لا ينبغي لهم الاغترار -لأنّهم ساروا في الطريق الصحيح إلى الله-، يظنّون أنّهم لم يعودوا بحاجة للجدّ والجهد، كلّا “أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون” لأنّ اغترارهم يمنعهم من الاستغفار، فالإنسان يستغفر عندما لا يكون غافلاً ولا يكون مغترّاً بالله ولا يكون مخدوعاً ومعجباً بنفسه”18.
18-خلاق ومعنويت (فارسي)، ص173.
2019-05-28