هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
29 نوفمبر,2016
شخصيات أسلامية
1,485 زيارة
نور رسول الله
لقد سطعت أنوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الساحات والميادين، سواء منها الفردية أو الاجتماعية، في عشرته للناس أو في قيادته للمجتمع، وتوجيهه المسيرة الإنسانية بشكل عام.
وفي كل أمر كبيرٍ أو صغيرٍ نجده ا يتلألأ نوراً ساطعاً، وقدوة دائمة للبشرية، كيف لا؟! وهو الإنسان الأكمل الذي وصفه الله تعالى بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾1، وقدّمه قدوة للبشرية ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾2.
1- القلم: 4.
2- الأحزاب: 21.
وسنورد فيما يلي جانباً من نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعلق بأخلاقه الاجتماعية وعشرته للناس.
ملاقاته
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “ما صافح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أحداً قط فنزع يده من يده، حتى يكون هو الذي ينزع يده. وما فاوضه أحد قط في حاجة، أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف”3.
٭ عن الإمام الصادق عليه السلام: “وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يده. حتى يكون هو التارك. فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده”4.
مجلسه
٭ عن الإمام الحسين عليه السلام يسأل والده أمير
3- مكارم الأخلاق ، صفحة 22.
4- الكافي: ج2، ص671.
المؤمنين عليه السلام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عليه السلام: “كان لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر، … وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كلّ جلسائه نصيبه ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحداً أكرم عليه منه، ومن جالسه صابره حتّى يكون هو المنصرف، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو ميسور من القول. وقد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الخلق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصدق وأمانة، ولا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم5. ولا تنثى فلتاته6، متعادلين متواصلين فيه التقوى، متواضعين، يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
فقلت: كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال عليه السلام كان دائم البشر7 سهل الخلق ليّن الجانب… يتغافل عمّا لا يشتهي. فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه… إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنَّ على رؤوسهم الطير. فإذا
5- أي لا يعاب الناس في مجلسه ولا تنتهك الحرمات فيه.
6- أي لا يحدث بما وقع في مجلسه من الهفوات والزلات، ولا تذاع بين الناس.
7- البشر: بشاشة الوجه.
سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده الحديث. من تكلّم أنصتوا له، حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوَّلهم. يضحك ممّا يضحكون منه. ويتعجب ممّا يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه8. ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.
قال: فسألته عليه السلام عن سكوت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عليه السلام: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير والتفكير. فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأمّا تفكره ففيما يبقى ويفنى. وجمع له الحلم والصبر. فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه. واجتهاده الرأي في صلاح أمته، والقيام فيما جمع له خير الدنيا والآخرة”9.
8- رفده: أعطاه.
9- المكارم: ص15 وفي البحار: ج16، ص153. ورواه الصدوق في عيون الأخبار: ج2، ص285.
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام: “ما رؤي مقدِّماً رجله بين يدي جليس له قطّ. ولا خيّر بين أمرين إلاّ أخذ بأشدهما. وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم اللَّه فيكون حينئذ غضبه للَّه تبارك وتعالى… وكان نظره اللحظ بعينه… وكان إذا مشى كأنما ينحط في صبب… ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده. وكان المحدث عنه يقول: لم أرَ بعيني مثله قبله ولا بعدها”10.
٭ عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل”11.
٭ عن الإمام أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا، وينظر إلى ذا بالسوية قال: ولم يبسط رسول اللَّه رجليه بين أصحابه قط”12.
10- مكارم الأخلاق ، صفحة 22.
11- الكافي: ج2، ص662.
12- الكافي: ج2، ص671.
منطقه
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ليس بفظّ ولا غليظ ولا ضحّاك ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح…”13.
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام: “ما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء. والإكثار، وما لا يعنيه. وترك النّاس من ثلاث: كان لا يذّم أحداً ولا يعيّره، ولا يطلب عثراته، ولا عورته، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه… وكان لا يكلم أحداً بشيء يكرهه… وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقاً. وكان لا يذم ذواقاً، ولا يمدحه”14.
مع الناس
٭ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنا أمرنا معاشر الأنبياء بمداراة الناس، كما أمرنا بإقامة الفرائض”15.
13- المكارم: ص15 وفي البحار: ج16، ص153. ورواه الصدوق في عيون الأخبار: ج2، ص285.
14- مكارم الأخلاق ، صفحة 22.
15- آمالي الطوسي: ص493.
٭ “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده”16.
٭ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم “كان لا يدع أحداً يمشي معه، إذا كان راكباً، حتى يحمله معه. فإن أبى قال: تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد”17.
٭ عن الحسين بن زيد قال: قلت لجعفر بن محمّد عليه السلام: جعلت فداك هل كانت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم مداعبة؟ فقال: وصفه اللَّه بخلق عظيم في المداعبة، وإنَّ الله بعث أنبياءه فكانت فيهم كزازة18. وبعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالرأفة والرحمة، وكان من رأفتها لأمته مداعبته لهم لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم حتّى لا ينظر إليه. ثمَّ قال: حدَّثني أبي محمّد عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي عليه السلام قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ليسرّ الرَّجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة. وكان عليه السلام يقول: إنَّ اللَّه يبغض المعبس في وجه إخوانه”19.
16- المكارم: ص19.
17- أي انقباض.
18- المكارم: ص22، ح34.
19- رسائل الشهيد الثاني، ص 326.
مع الفقراء
٭ عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: “إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يسأله أحد من الدُّنيا شيئاً إلاّ أعطاه. فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقالت: انطلق إليها فاسأله فإن قال: ليس عندنا شيء، فقل: أعطني قميصك، قال: فأخذ قميصه فرمى به وفي نسخة أخرى فأعطاه فأدّبه اللَّه على القصد فقال: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾”20.
قضاء الحوائج
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “وما سئل شيئاً قط، فقال: لا. وما ردَّ سائل حاجة قطّ، إلاّ أتى بها، أو بميسور من القول”21.
20- الاسراء: 29.
21- مكارم الأخلاق، صفحة 22.
اهتمامه بالمظهر
٭ “كان ينظر في المرآة ويرجل جمته، ويمتشط، وربما نظر في الماء وسوّى جمته فيه. ولقد كان يتجمل لأصحابه، فضلاً على تجمله لأهله. وقال: إنَّ اللَّه يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل”22.
٭ عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام. قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ينفق في الطيب أكثر ممّا ينفق في الطعام”23.
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل”24.
٭ “وكانا يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة”25.
٭ عن أنس بن مالك، قال: “إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ. وما شممت
22- مكارم الأخلاق: ص34.
23- الكافي: ج6، ص512.
24- مكارم الأخلاق، صفحة 22.
25- المستدرك: ج1، ص414.
رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته ولا مسست ديباجاً ولا حريراً، ألين من كفّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم”26.
تواضعه
٭ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: “جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام وهو يقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض ذهب، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك”27.
٭ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: “أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ملك فقال: إن اللَّه يخيرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً، أو ملكاً رسولاً. قال: فنظر إلى جبرائيل عليه السلام، وأومأ بيده أن تواضع فقال: عبداً رسولاً متواضعاً. فقال الرسول: مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئاً. قال ومعه مفاتيح خزائن الأرض”28.
26- المكارم: ص24.
27- عيون أخبار الرضا: ج1، ص33، ح36.
28- الكافي: ج2، ص122.
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام: “قضم الدنيا قضماً ولم يعرها طرفاً، أهضم الدُّنيا كشحاً وأخمص من الدُّنيا بطناً، عرضت عليه الدُّنيا فأبى أن يقبلها وعلم أنَّ اللَّه سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وصغّر شيئاً فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض اللَّه وتعظيمنا لما صغر اللَّه لكفى به شقاقاً ومحادة عن أمر اللَّه، ولقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقع ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فيكون عليه التصاوير فيقول: يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدُّنيا وزخارفها. فأعرض عن الدُّنيا بقلبه وأمات ذكرها عن نفسه وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينيه، لكيلا يتّخذ منها ريشاً ولا يعتقدها قراراً ولا يرجو فيها مقاماً. فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيّبها عن البصر. وكذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده”29.
29- نهج البلاغة: الخطبة 160، ص227.
٭ وعن الديلمي في الإرشاد قال: “كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقع ثوبه ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار ويردف. ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله. ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو. ويسلم على من استقبله، من غني وفقير، وكبير وصغير. ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر. وكان خفيف المؤنة كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة. جواداً من غير سرف، رقيق القلب: رحيماً بكل مسلم. ولم يتجش من شبع قط، ولم يمد يده إلى طمع قط”30.
٭ عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: “ما أكل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم متكئاً منذ بعثه اللَّه (عزَّ وجلَّ) حتى قبضه، وكان يأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد. قلت: ولم؟ قال: تواضعاً للَّه (عزَّ وجلَّ)”31.
30- الإرشاد للديلمي: باب 32، ص115.
31- الكافي: ج6، ص270.
والمقصود من الاتكاء ـ بحسب الظاهر ـ هو الاتكاء على الوسادة بالشكل الذي كان معروفاً عند الملوك والسلاطين، لا الاتكاء على الأرض باليد.
صبره
٭ عن الإمام الصادق عليه السلام: إن الله (عزّ وجلّ) بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالصبر والرفق فقال ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ٭ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾32، وقال ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ٭ روَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾33 فصبر على ما نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل اللَّه عليه: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ٭ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾34 ثم كذّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل اللَّه: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ
32- المزمل: 10 ـ 11.
33- فصلت: 34 ـ 35.
34- الحجر: 97 ـ 98.
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون ٭ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾35. فألزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه الصبر. فتعدّوا، فذكر اللَّه (تبارك وتعالى) فكذبوه، فقالا: قد صبرت في نفسي وأهلي، وعرضي. ولا صبر لي على ذكر إلهي. فأنزل اللَّه (عز وجلَّ): ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾36، فصبر في جميع أحواله. ثمَّ بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال (عزَّ ثناؤه): ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾37.
فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد”. فشكر اللَّه ذلك له فأنزل اللَّه: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾38، فقالا: إنه بشرى وانتقام، فأباح اللَّه له قتال المشركين، فأنزل اللَّه: ﴿فَاقْتُلُوا
35- الأنعام: 33 ـ 34.
36- قّ: 49.
37- السجدة: 24.
38- الأعراف: 137.
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾39، فقتلهم اللَّه على يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة. فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر اللَّه له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة.
حياؤه
٭ عن أبي سعيد الخدري، قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها. وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه”40.
حفظ الوعد
٭ عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم واعد رجلاً إلى الصخرة فقال: أنا لك هنا حتّى تأتي قال: فاشتدَّت الشمس عليه. فقال له أصحابه: يا
39- التوبة: 5.
40- مكارم الأخلاق: ص17 وروى المعنى الأول في تفسير العسكري: ص36.
رسول اللَّه لو أنّك تحوَّلت إلى الظلّ. قال: وعدته ههنا وإن لم يجيء كان منه الحشر”41.
٭ وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان إذا وصف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: “كان أجود الناس كفاً وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبّه، لم أر قبله ولا بعده مثلها”42.
الشجاعة
٭ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “كنّا إذا أحمر البأس ولقي القوم، القوم اتقينا برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحد، أقرب إلى العدو منه”43.
41- مكارم الأخلاق: ص24.
42- مكارم الأخلاق: ص18.
43- مكارم الأخلاق، ص18.
كلمات صادقة
داخل كل إنسان وفي أعماق وجدانه سيجد زاوية من الصدق مهما غرّب أو شرّق، سيظهر هذا الصدق الوجداني على شكل إنصاف يبقى للتاريخ ليسجل الحقيقة الناصعة كما هي، بعيداً عن تحديات السياسة ومكائد الأهواء وتلبيس أباليس الإنس والجن، وعبر التاريخ وجدنا الكثير من الغرب أو الشرق وقفوا وقفة صادقة فانطلقت كلمات من وجدانهم لتعكس الحقيقة كما هي، حقيقة النور المحمدي، وسنتعرض هنا لنماذج من هذه الكلمات.
كلمات صادقة من الغرب
لامارتين1: “هل هناك من هو أعظم من محمد؟”
“إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيّاً من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عبريّته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانِيهم.
لكنَّ هذا الرجل “محمداً صلى الله عليه وآله وسلم” لم يقد الجيوش ويسنّ التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروّض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى
1- المفكر والشاعر الفرنسي لامارتين من كتاب “تاريخ تركيا”، باريس، 1854، الجزء الثاني، ص276-277.
على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبي وتجلّد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجّهاً بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدلّ على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث.
فالشق الأول يبيّن صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدّعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرّع،
المحارب، قاهر الأهواء، مؤسّس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟”
“إن أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيهام ن عظمة وخلود.
وأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق”.
توماس كارليل2: “شهابٌ أضاء العالم أجمع”
“من العار أن يصغي أي إنسان من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين: إنَّ دين الإسلام كذب، وإن محمداً لم يكن
2- من كتاب محمد المثل الأعلى للفيلسوف الإنكليزي توماس كارليل.
على حق. لقد آن لنا أن نحارب هذه الإدعاءات السخيفة المخجلة، فالرسالة التي دعا إليه هذا النبي ظلّت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمان لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة أكذوبة كاذب أو خديعة خادع؟ هل رأيتم رجلاً كاذباً يستطيع أن يخلق ديناً ويتعهده بالنشر بهذه الصورة؟ إنَّ الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتاً من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء، وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد، فما بالك بالذي يبني بيتاً دعائمه هذه القرون العديدة، وتسكنه هذه الملايين الكثيرة… وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعدَّ محمداً رجلاً كاذباً متصنّعاً متذرّعاً بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع… وما الرسالة التي أدّها إلا الصدق والحق… وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله”.
وقد ذهب كارليل بعد هذا إلى ردّ تهمٍ أخرى، مثبتاً في الوقت نفسه سمو أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفيع سلوكه، قال: “ويزعم المتعصبون أنَّ محمداً لم يكن يريده بدعوته غير الشهوة الشخصية والجاه والسلطان… كلا، واسم الله،
لقد انطلقت من فؤاد هذا الرجل الكبير النفس، المملوء رحمة وبراً وإحساناً وخيراً ونوراً وحكمة أفكار غير الطمع الدنيوي، وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطة، ويزعم الكاذبون أنّ الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره. حمق وسخافة وهوس إن رأينا رأيهم، ما حاجة رجل على شاكلته في جميع بلاد العرب لتاج قيصر وصولجان كسرى؟ لم يكن كغيره يرضى بالأوضاع الكاذبة، ويسير تبعاً للاعتبارات الباطلة، ولم يقبل أن يتشح بالأكاذيب والأباطيل، لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة وبحقائق الكون والكائنات، لقد كان سر الوجود يسطع أمام عينيه بأهواله ومحاسنه ومخاوفه”.
جيبون أوكلي3: “ما زال الانطباع الرائع”
يقول جيبون – أوكلي: “ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرناً من الزمان.
3- إدوارد جيبون وسيمون أوكلي، من كتاب “تاريخ إمبراطورية الشرق”، لندن 1870، ص54.
لقد استطاع المسلمون الصمود يداً واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عزّ وجلّ) بوجود أي الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين”.
الدكتور زويمر4: “قدير بليغ…”
يقول زويمر: “إنَّ محمداً كان ولا شك من أعظم القادة المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفحات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء”.
4- الدكتور زويمر الكندي مستشرق كندي ولد 1813-1900 قال هذا في كتابه: “الشرق وعاداته”.
برناردشو5: “منقذ البشرية”
“إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمد صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوّاً للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوّاً للمسيحية، بل يجب أن يُسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها”.
آن بيزيت6: “احد رسل الله العظماء”
ورد في كتابه “حياة وتعاليم محمد” قوله: “من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علّم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة
5- برناردشو الإنكليزي ولد في مدينة كانيا 1817-1902 له مؤلَّف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية.
6- آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر 1932.
هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعدَّ الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة 26 عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره السن التي تخبو فيها شهوات الجسد تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ويدنه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية”.
ليو تولستوي7: “فتح طريق الرقي”
يقول الأديب العالمي ليو تولستوي في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب
7- ليو تولستوي 1828-1910، الأديب العالمي الذي يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية.
شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.
سوف تسود شريعة القرآن العالم لتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة.
لقد فهمت… لقد أدركت… ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تُحِقُّ الحق، وتزهق الباطل.
أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء”.
فرنسوا فولتر8: “كل التمجيد لمحمد”
“إنَّ في نفس محمد لشيئاً عجيباً طريفاً رائعاً يحمل الإنسان على الإعجاب والتقدير، ولعمري أنَّ الرجل وقف وحده يدعو إلى الله، ويتحمّل الأذى في سبيل هذه الدعوة
8- إنَّ فولتر هو رجل الثورة على رجال السلطة الدينية والمدنية، من رجال القلم والفكر المعروفين، فرنسي الجنسية، ولد في باريس 1694-1778 وله مؤلفات كثيرة، منها كتابه المعروف محمد الذي قال فيه تلك الكلمات.
سنوات عديدة، وأمامه الجموع المشركة، تعمل جهدها لمعاكسته وقتل فكرته، إنه إذاً يستحق كل تقدير وتمجيد، ثم إنك لتراه في أدوار حياته هو نفسه لا يسحب يده من صديق محبّ للأطفال الذين كان لا يمر بهم إلا وتلطّف معهم ويقف بينهم باسماً متواضعاً، والواقع أنَّ المزايا التي كان ينعتهم بها محمد تمحق الانتقاد محقاً، ولا تترك مكانه إلا الإعجاب به والتقدير لشخصيته”.
صموئيل زويمر9: “أروع الأمثال”
“إنَّ عبقرية محمد هي السبب في نجاحه واستطارة شأنه يضاف إلى هذا كله معرفته العظيمة في الديانات في عصره، لم يكد يقدر على البر وإسداء المعرفة وإظهار شكره للنعمة، واعترافه بالجميل حتى ضرب للناس في ذلك أروع الأمثال وأبلغها تأثيراً في القلوب، أرضعته أمَةٌ لأبي لهب يقال لها ثوبية أياماً قبل أن تأخذه حليمة السعدية لترضعه، فلما علم من أمرها حفظ لها هذه النعمة، وعرف لها هذا الجميل، فلم يكد يقدر على شكرها
9- صموئيل زويمر البروتستانتي الإنكليزي المبشر وهو مستشرق محرّر مجلة “عالم الإسلام” الإنكليزية، له مؤلفات ذات شأن في العلاقات بين الإسلام والمسيحية، توفي في بلدته ليدس 1914، هذه الكلمات من كتابه يسوع في أحياء الغزالي.
والبر بها حتى جهد في ذلك، وإذا به يحمل زوجه خديجة على أن تسعى عند أبي لهب في أن تشتري منه هذه الأمَة ليعتقها فيأبى أبو لهب، فيتصل معروفه بأمة كهذه ما أقام بمكة”.
المستر جون وانتبورت10: “الرجل العظيم”
“بقدر ما نرى صفة محمد الحقيقية بعين البصيرة والتروي في المصادر التأريخية الصحيحة، بقدر ما نرى من ضعف البرهان وسقوط الأدلة لتأييد أقوال الهجو الشديد والطعن القبيح الذي اندفن على رأسه، وانهار عليه من أفواه المغرضين والذين جهلوا حقيقة محمد ومكانته، ذلك الرجل العظيم عند كل من درس صفاته العظيمة، كيف لا وقد جاء بشرع لا يسعنا أن نتهمه فيه”.
مهاتما غاندي11: “صفاته انتصرت”
“أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر… لقد أصبحت مقتنعاً كلّ الاقتناع أنَّ
10- المستر جون وانتبورت هو كاتب سويسري، ولد في مدينة لوزان 1795-1863، قال هذه الكلمات في كتابه (محمد والقرآن).
11- مهاتما غاندي في حديث لجريدة زينج إنديا، وتكلم فيه عن صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهّدت الطريق، وتخطّت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفاً لعدم وجود المزيد للتعرّف أكثر على حياته العظيمة”.
راما كريشنا راو12: “بطل دروب الحياة”
“لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدّمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. أن أقدّمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرّر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً”.
12- البروفسور راما كريشنا راو في كتابه: محمد النبي.
كلمات صادقة من الشرق
جورج جرداق: صوت محمد
من لهيب الصحراء المرحقة وهجٌ في عينيه!
ومن انبساط الرمال أمام وهج الشمس صراحةٌ على شفتيه!
ومن جنائن يثرب وخمائل الطائف، ومن واحات الحجاز السابحة في الفضاء كأنها الجزرُ المتناثرةُ في محيطٍ من الرمل تحت ضوء القمر، نداوةٌ في قلبه ورفقٌ في دمه!
ومن عصف الرياح الهُوج، ثورةٌ في خياله!
ومن بيان الشعر ونور السماء، سحرٌ في لسانه وقبَسٌ في روحه!
ومن صدق العزيمة ولغة الفكر، مضاءٌ في حسامه ورسالة في يمينه!
ذاك هو محمد بن عبد الله، نبيّ العرب، ومحطّم
الوثنية التي أقصت الإنسان عن أخيه الإنسان: وثنية المال، وثنية العادة، العنصر الخرقاء!
كان بنو قريش يختصرون الدنيا بدرهم يزلق من يد الأعرابي ليستقرّ في جيوبهم!
وكانوا يوجزون قيم الحياة بتجارة رابحة وكسب يضاف إلى كسب، وقافلة تسير في الشعاب والأوهدة وتقطع البيدَ على حدو التّوق ولا تجد لها مَقيلاً غير ظلٍ من دوحة قرشيّة، ولا موئلاً إلاّ في مكة الوثنية حيث يعتز الدرهم ويشمخ الدينار!
وعصف في آذانهم صوتٌ تخلّعت له أعصابهم، وتمزّقت شهواتهم ومالت به الدنيا عليهم تقول:
إنّ للإنسان قيمة غير التي تعرفون! وإنّ للأعرابي السادرِ في مجاهل البيد رسالةً غير التي تزعمون!
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
وجدّت أسد وتميم في طريق الحماقة، وحثّوا السير في مهاوي الضلال، وطفقوا يئدون بناتهم وليس لهم في
وأدهنّ من حاجة إلا إتّباع العادة وتمكين ما حرّف الإنسان من آيات الخالق، وما أنكرَ من جمال الطبيعة، وما شوّه من فتنة الكون!
وتردّدَ في أسماعهم صوتٌ رفيقٌ جرت عليه نسماتُ الحنان وخفقاتُ الحب وهمسُ الحياة يقول:
إليكم عن الوأد عباد الله! للأنثى منكم مثل ما للذكر! وليس لمخلوق على آخر حقّ الحياة والموت، وإنما هو الله من يحيي ويميت!
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
وانطلق الأعراب يتفانون بحدّ السيف ويتقارعون بألسنة كأنّها سياط الجحيم، ويلثمون أفواه العذارى على شفار المهتّد، فإذا هم خلط من فوارس يفخرون، ورجال يصرعون، وأطفال يصرخون ويستغيثون، وينشأون على غير المودّة وغير الإخاء.
ودوّى في خيامهم صوت أضد قصفاً من الرعد، وأمدّ هولاً من العاصفة، يردّد ويقول:
ما هذا الذي تصنعون! ألكم أن تقتتلوا وأنتم إخوة في خالق السماء والأرض؟ الحرب من عمل الشيطان والسلم أولى بكم وفيه ذُواق النعيم الذي تشتهون!
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
وأدرك العرب الزهو كما لم يدرك شعباً ولا أمة!
وأبدوا من الاحتقار للأعاجم ما يُبديه الاعتدادُ والغطرسة والخلق الأعجب العربيد. فنال الأعجميّ من الامتهان ما أزرى بكرامته كإنسان. فشقّ ذلك على صاحب الرسالة فأفاق المتغطرسون على صوت يقول:
ليس لعربي فضلٌ على أعجمي إلاّ بالتقوى. والإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره.
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
أما المعذّبون في الأرض.
أما المشرّدون الذين لفحتهم سموم الصحراء، ونبذهم
المجتمع الأجير، وضيّقت عليهم الحياة فباتوا من الوجود أحقرَ من ذرّات الرمال، وصاروا من العيش على الصحائف السود؛ أمّا أولئك فهم أصدقاء صاحب الرسالة، كما كان الفقراء والمنبوذون أصدقاء المسيح عيسى بن مريم وأصدقاء غيره من عظماء الأرض. وهو من أجلهم جعل الحكم شورى وحرّم الاستعباد واستغلال الإنسان للإنسان، وأمّم بيت المال وجهود الناس، وألهب ظهور أعمامه القرشيين بالسياط الخيّرة، وتطلّع بجملة كيانه إلى وحدة الكون مجسّداً في إله، وهم يُغرون به السفاء والصبية فيرجمونه بالحجارة ويسخرون منه!
أمّا أولئك المعذّبون في الأرض والمشرّدون والأرقّاء، الذين كان منهم بلال مؤذّن الرسول وأول مؤذن في الإسلام، فهم الذين تفتّحت قلوبهم على صوت أعمق صدىً من نشيد الصباح وأمدّ سلطاناً من جنح الليل، وأفعل في النفس من صوت القدر:
“الخلق كلّهم عيالُ الله وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله”.
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
أما خصومه وراجموه والساخرون به، فقد تلقّوا عن لسانه هذا الصوت المحيي:
“ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك. فاعفُ عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، وإذا عزمتَ فتوكلّ على الله إن الله يحب المتوكلين”.
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
أمّا المحاربون في سبيل حياة أفضل، وأما أنصاره ضد الشر، وأما مَن قد تحدّثهم نفوسهم بهدر الحقوق والكرامات في ساعة الجهاد والذود عن الثورة القويمة، فقد ثبتت في قلوبهم هذه الكلمات الرائعة:
“لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً فانياً ولا منعزلاً بصومعته، ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء”.
ذلك الصوت، كان صوت محمد!
وحمل العرب من ابن عبد الله ذلك الصوت الكريم، وامتدّوا به أوّل أمرهم على بسطة الأرض حتى أغرقوا فيه
كلّ ذي تاج وسلطان. وحتى أوثقوا الصلة بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان وروح الكائنات التي جسّدها نبيّ الصحراء إلهاً سوياً لا شريكَ له!
واتسع ظل محمد بن عبد الله وتعاظم حتى اكتنف العالم القديم. فإذا هو من مطلّ الشمس إلى مغربها أرضٌ تُنبت الخير والمعرفة والسلم! وإذا بنبيّ الصحراء يمدّ يده فوق الدنيا ليذر في أرضها بذور الإخاء والحب.
وصار لدولة العرب رجلٌ في الهند، ورجلٌ في الأندلس!
وعُقد على جبين الشمس تاجُ شعب عظيم!
وكانت، على هذا الصوت، الدعوة إلى الإخاء الإنساني، وكان رفع أيدي الحكام عن الشعب وأمواله وجهوده، ومساواة الناس في الحقوق: الصغير والكبير، المحكوم والحاكم، العربي والأعجمين فالناس كلهم إخوان متساوون.
وكانت، على هذا الصوت، الدعوة إلى تحرير المرأة من جور الرجل، وتحرير العامل من ظلم صاحب العمل،
وتحرير الرقيق والخدم من العبودية والهوان بما يحمله فكرُ الزمان وتأذن به طبيعةُ المحيط، وإشراك الشعب في السلطان، على غير ما رأى فلاسفةُ الأولين الذين قرّروا حرمان العمال والصنّاع والموالي من الحقوق المدنية لـ”انحطاط” ما يمارسونه من المهن والصناعات، وجعلوا الدنيا طبقات في الحقوق والواجبات!
كان أكثر ما يمكن أن يكون من الخير العامّ في منطق ذيّاك الزمان وإمكانات أبنائه.
وحُرّم الرّبا واستغلال الإنسان للإنسان!
وكان صوت عليّ بن أبي طالب!
وكانت ثورة على مجتمع آخذ من كلّ بغيٍ وعدوان!
من كتاب صوت العدالة الإنسانية
بولس سلامة: عظمة رجل
مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمساً كل
يوم. رجل ليس في مواليد حواء أعظم منه شأناً، وأبعد أثراً، وأخلد ذكراً. رجل أطلّ من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد، كتب عليه بأحرف من نور: لا إله إلا الله! الله أكبر!
من ملحمة الغدير
الخاتمة
لولا أنه فجر الإنسانية الصادق لما حاولت كل حبائل الظلام أن تحاصره بكل جهد عسكري وإعلامي وثقافي ومعنوي…
ولولا أنه أمل الإنسانية لما احتل قلوب الملايين من المستضعفين على امتداد القرون.
ولولا أنه الوجدان الصافي لما خشع لاسمه كل وجداني صادق شرقي أو غربي.
ولولا أنه رسول الرحمة لما واجهه كل فراعنة الزمان.
محمداً اسم سيبقى محور الإنسان الذي تدور
حوله فلك القرون والأزمان نوراً للسائرين وناراً للمستكبرين.
تحدٍ نعلم أنه لن ينتهي إلا بظهور قائم آل محمدا الذي سيملؤها قسطاً وعدلاً.
اللهم عجل فرجه.
2016-11-29