الرئيسية / فقه الولاية / فقه الأحزان

فقه الأحزان

تعزية اليتيم

تتحدث الروايات عن اليتيم المفجوع بفقد أحد والديه. وقد ترك لنا المعصومون عليهم السلام أخباراً تؤكد على لزوم مواساتهم والتخفيف عنهم، فإذا كان المعزى يتيماً، فامسح يدك على رأسه. فقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: “من مسح يده على رأس يتيم تَرَحماً له كتب الله له بكل شعرةٍ مرت عليه يده حسنة” 18.

حضور النساء للعزاء

فإن على المرأة أيضاً أن تخفف عن امرأة المتوفى, وأهله, وتواسيهم في مصابهم. كما جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : “مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي صلى الله عليه و آله أن يأذن لها في

16-آل عمران: 185

17-السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة – ج 3 ص 461

18-م . ن .ج3ص463


المضي إلى مناحته، فَأَذن لها وكان ابن عمتها فقالت:

أَنْعَى الْوَليدَ بْنَ الوَليدِ        أَبا الوَليدِ فَتَى العَشيرَة

حامي الْحَقيقَة ماجِداً        يَسْمو إلى طَلَبِ الوَتيرَة

قَدْ كانَ غَيْثاً فِي السنينِ      وَجَعْفَراً غَدِقاً وَميرَة” 19.

ما يذكر في العزاء

على المعزي أن يذكر أهل العزاء بما يخفف عنهم المصيبة.

ومن العناوين التي ينبغي التحدث بها في المآتم:

1 – التذكير بالعدل الإلهي

وسنذكر نموذجاً عن هذا التذكير، ذكره الشهيد الثاني قدس سره في مسكن الفؤاد, وهو أن يقال لصاحب العزاء :…”إنك نظرت إلى عدل الله وحكمته، وتمام فضله ورحمته، وكمال عنايته ببريته، إذ أخرجهم إلى الوجود من العدم، وأسبغ عليهم جلائل النعم، وأيدهم بالألطاف، وأمدهم بجزيل المعونة والإسعاف، كل ذلك ليأخذوا حظهم من السعادة الأبدية، والكرامة

19-السيد البروجردي -جامع أحاديث الشيعة – ج 3 ص 468


السرمدية، لا لحاجة منه إليهم، ولا لاعتماد في شيء من أمره عليهم ؛ لأنه الغني المطلق…وكلفهم بالتكاليف الشاقة، والأعمال الثقيلة ﴿لِنَبْلوهمْ أيهم أَحْسَن عملاً﴾ 20، وما فعل ذلك إلا لغاية منفعتهم، وتمام مصلحتهم، وأرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل عليهم الكتب، وأودعها ما فيه بلاغ للعالمين, وإذا كانت أفعاله تعالى وتقدس كلها لمصلحتهم، وما فيه تمام شرفهم، والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات، كقوله تعالى:﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَموتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مؤَجَّلاً وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الدنْيَا نؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ 21, وقوله تعالى:﴿قلْ لَوْ كنْتمْ فِي بيوتِكمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كتِبَ عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ 22.

وقوله تعالى:﴿أَيْنَمَا تَكونوا يدْرِكْكم الْمَوْت وَلَوْ كنْتمْ فِي بروجٍ

20- الكهف: 7

21-آل عمران:145

22-آل عمران: من الآية154


مشَيَّدَةٍ﴾ 23, وقوله تعالى: ﴿الله يَتَوَفَّى الْأَنْفسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمتْ فِي مَنَامِهَا فَيمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيرْسِل الْأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ ﴾24 ، وغير ذلك من الآيات” 25.

2 – التذكير بالبلاء

وممَّا يمكن أن يسكن به روع أهل المصاب, ويخفف عنهم به التذكير بقضية البلاء وأهميته, وأن البلاء مما وعد به الله تعالى عباده في كتابه حيث يقول:

﴿وَلَنَبْلوَنَّكمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ 26, فلا بدَّ من البلاء للتمحيص, ولاختبار تقبل الإنسان المؤمن للأحكام الإلهية, والالتزام بها. فعن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى﴿إِنَّمَا أَمْوَالكمْ وَأَوْلادكمْ فِتْنَةٌ﴾ قال: “ومعنى ذلك، أنه سبحانه، يختبر عباده بالأموال والأولاد، ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه, وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال،

23-النساء:78

24-الزمر:42

25-نقلا عنمسكن الفؤاد للشهيد الثاني قدس سره بتصرّف وتلخيص

26-البقرة:155


التي بها يستحق الثواب والعقاب” 27.

وقد أعدَّ الله عزَّ وجلَّ للإنسان من الأجر الكثير والكبير في الصبر على البلاء؛ ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : “إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء، وما أحبّ الله عزَّ وجلَّ قوماً إلا ابتلاهم” 28.

3 – المواعظ

وهي الأمور التي يمكن أن تروى لأخذ العبرة منها كالقصص, وخصوصاً لمن تأخذ منه المصيبة مأخذاً بحيث يغلب عليه الحزن, ويقارب درجة اليأس.

فتذكر لأصحاب المصيبة لتسقى الروح الذابلة بمطر الرضا, فتجري في عروقها ماء التسليم لإرادة الله تعالى.

منها ما ذكر أنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد، وكانت له امرأة، وكان بها معجباً، فماتت فوجد عليها وجداً شديداً، حتى خلا في بيت، وأغلق على نفسه، واحتجب عن الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد. ثم إن امرأة من بني إسرائيل سمعت به، فجاءته فقالت: “لي إليه حاجة استفتيه فيها، ليس يجزيني إلا أن أشافهه بها”، فذهب الناس، ولزمت الباب،

27-الريشهري-ميزان الحكمة-ح1890

28- الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد-ص 113


فأخبِرَ، فأَذِنَ لها، فقالت:”أستفتيك في أمر”، فقال: “ما هو”؟

قالت: “إني استعرت من جارة لي حلياً، فكنت ألبسه زماناً، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأرده إليهم؟”

قال: “نعم”.

قالت: “والله إنه قد مكث عندي زماناً طويلاً”

قال: “ذاك أحق لردك إياه”.

فقالت له: “رحمك الله، أَفَتَأْسَف على ما أعارك الله عزَّ وجلَّ، ثم أخذه منك، وهو أحق به منك ؟ فأبصر ما كان فيه”. ونفعه الله بقولها 29.

ومن المناسب أن يذكر من فقد ولداً عزيزاً؛ بما في ذلك من الرحمة والشفاعة له؛ وبما ورد عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله , وآل البيت عليهم السلام من روايات، منها ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال: “من قدم أولاداً يحتسبهم عند الله تعالى، حجبوه من النار بإذن الله عزَّ وجلَّ” 30.

وعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: “ولدٌ واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين، يخلفونه من بعده، كلهم قد ركب الخيل، وقاتل في سبيل الله” 31.

4 – التذكير بمصابنا بالرسول الأكرم صلى الله عليه و آله

29-الشهيد الثانيمسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد – ص 111

30-م . ن. ص30

31-م . ن . ص30


إن أي مصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله هينة, فقد جاء في الروايات الشريفة عنه صلى الله عليه و آله أن يتذكر بالمصاب مصيبته ليخفف عنه ما أصابه, فعن ابن عباس رضوان الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله : “إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب”. وعنه صلى الله عليه و آله : “من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي، فإنها ستهون عليه”. وعنه صلى الله عليه و آله ، إنه قال في مرض موته: “أيها الناس، أيما عبدٍ من أمتي أصيب بمصيبةٍ من بعدي فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدَّ عليهِ من مصيبتي ” 32.

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: “بَخْ بَخْ 33، خَمْسٌ ما أَثْقَلَهفنَّ في الميزان ! لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه” 34.

5 – عدم توهين عزيمة أهل العزاء:

32-الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 110

33- بخ بخ، كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ، وتكرر للمبالغة، وربما شددت ومعناها: تفخيم الأمر وتعظيمه، ومعني يحتسبه، أي: يجعله حسبة وكفاية عند الله عزَّ وجلَّ، أي: يحتسب بصبره على مصيبة بموته، ورضاه بالقضاء.

34-مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد-الشهيد الثاني– ص31


إنَّ على أقارب الفقيد ومن أتى لتقديم التعازي, أن يرفع من معنويات أصحاب العزاء, لا أن يحبطها من خلال نواحه, والقيام بالصراخ والعويل, ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : “أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر ومن أقام النواح فقد ترك الصبر، ومن صبر واسترجع وحمد الله تعالى، فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله عزَّ وجلَّ، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله عزَّ وجلَّ أجره” 35.

ويكفي أهل المصاب ما حل بهم, فلا ينبغي المزايدة عليهم أو زيادة حزنهم بهذه التصرفات, حتى وإن كان يشعر بالأسى والحزن عليه لمعرفته بهم, بل ينبغي الشد على أيديهم؛ للتصبر والتسليم بما قضى الله تعالى لهم من أمره, وما أجراه عليهم من حكمته.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام : “الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر ، والصبر عند الصدمة الأولى أعظم، وعِظَم الأجر على قَدْر المصيبة، ومن استرجع بعد المصيبة جدَّد الله له أجرها كيومَ أصيب بها” 36.

35-الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 223

36- الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 53


ومن النماذج الرائعة والمعبرة التي يرويها التاريخ في هذا الصدد, أن “صلة بن أشيم” كان في مغزى له، ومعه ابن له، فقال لابنه: “أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبكْ، فحمل فقاتل فقتل، ثم تقدم أبوه فقاتل فقتل، قال: فاجتمع النساء عند أمه معاذة العدوية زوجة صلة، فقالت لهن: “مرحباً بِكنْ إن كنتن جئتن لِتَهْنِئَتي ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجِعْن” 37.

شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...