الدنيا هى السطح البارد للنار – سالم الصباغ
7 يناير,2018
الاسلام والحياة
1,332 زيارة
إن الإنسان يمر بعدة نشأَت ، منها قبل هذه النشأة أى نشأت الحياة الدنيا ومنها بعد هذه النشأة ، كنشأة عالم البرزخ ، ونشأت عالم القيامة ، ومع أن نشأة عالم الدنيا هى أقصر النشأَت عمراَ ، إلا أنها أخطرها وأكبرها تأثيرا فى مصير الإنسان ، والتى على ضوء تحركه فيها يصنع جنته أو يصنع ناره ، وإلى الأبد ( خالدين فيها أبدا )
ولذلك نشأة بهذه الأهمية والخطورة لابد أن نُمعن النظر فيها ، ونحاول أن نفهم طبيعتها ، وكيف نتعامل معها ؟
ومن هذا المنطلق نحاول أن نتفهم ونتدبر ــ وبإختصار ــ بعض الحدود التى يجب ألا نتخطاها أو ننساها فى فهمنا للحياة الدنيا :
1 ـ أن الدنيا دار عمل وليست دار جزاء ، فلا نتوقع أن ننال ثواب أعمالنا فيها .
2 ـ أن مايجرى علينا فيها من خير أو شر هو إبتلاء وإمتحان له مدة محددة كإختبارات الطلاب فى المدارس والجامعات ، يقول تعالى :
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
ولكن مع فارق أن مدة الإمتحان فى الدنيا وهى عمر الإنسان ليست معلومة لأحد ، وعلى ذلك يجب أن يتوقع الإنسان أن تَسحب منه ورقة الإجابة فى أى لحظة
يقول تعالى :
فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
3 ـ أن الدنيا صنفان :
الأول : دنيا ممدوحة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كلام أمير المؤمنين عليه السلام يقول
: الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ، ومصلى ملائكته ، ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة.
الدنيا المذمومة
ــــــــــــــــــــــــ
نكتفى بقوله تعالى :
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
الدنيا هى السطح البارد للنار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الإمام الخمينى ( رضوان الله عليه ) فى أحد كتبه :
( الدنيا هى السطح البارد للنار) …
ونتوقف عند هذا القول العرفانى لنقطف منه بعض الثمرات
إن الإمام يقصد من هذا القول الدنيا المذمومة ، وهى دنيا الشهوات ، يقول الله تعالى :
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(ال عمران
هذه الدنيا المذمومة هى التى تصرف الناس عن التوجه إلى الله عز وجل .. ويعيش الإنسان مخدرا فيها بالتوجه إلى عالم الطبيعة ، فلا يشعر بألام المعصية المبرحة والتى سوف تظهر شدتها عند الموت وما بعد الموت .
هذا القول العرفانى للإمام الخمينى يفتح لنا أبوابا من المعرفة منها :
أولا : إذا كانت الدنيا هى السطح البارد للنار ، فإن حركة الإنسان المؤمن فيها هى حركة على ( الصراط المستقيم ) وهو صورة الصراط فى الأخرة ، والذى تم وصفه فى الروايات الشريفة :
بأنه جسر على جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف
فإذا أضفنا لذلك أن جهنم مظلمة
وأن المعاصى هى حفر على هذا الجسر
لتبين لنا أن العبور على الصراط مستحيل إلا على الإنسان المعصوم طوال حياته وهو الإنسان الكامل قلب هذا العالم ، وهو محمد وأل محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
ولذلك فى الروايات الشريفة أن الصراط صراطان ، واحد فى الدنيا وهو الإمام المعصوم بما يحمله من :
1 ـ هداية تشريعية وهى هداية النبوة ( هداية إراءة الطريق ) …
2 ـ وهداية تكوينية وهى هداية الإمامة ( وهى هداية بالأمر الألهى وهى تعنى توصيل المؤمن إلى هدفه )
وفى الرواية الشريفة :
عن المفضّل بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ ، وهما صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنّم)
وذلك بإعتبار الأمام هو إلى الله :
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ
ثانيا : وعلى ذلك تعتبر الولاية لمحمد وأل محمد صلوات الله عليه وأله ، ومعرفة إمام الزمان ، من أكبر النعم الألهية وإلا فبدونها لا يمكن لأحد العبور على الصراط فى الدنيا وبالتالى فى الأخرة ، ففى أية الولاية :
( وأتممت عليكم نعمتى ) …
ولا مرور لأحد على الصراط فى الدنيا والأخرة إلا بمصاحبة الإمام المعصوم وهذا على ما أعتقد سر الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين عليه السلام ولأولاده الأئمة المعصومين بالحق ، ولذلك يقول تعالى :
(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا )
وبنور هذا الأمام ، مع نور المؤمن ، نستطيع العبور على هذا الجسر المظلم الحاد كالسيف .
يقول تعالى :
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
ثالثا : نستطيع أن نفهم فى ضوء هذه العبارة العرفانية ، معنى قوله تعالى :
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا
فكيف يرد الأنبياء والأولياء النار ؟
لا يكون ذلك إلا إذا كان المقصود بالنار هو نشأة الحياة الدنيا أو كما يصفها الإمام الخمينى (السطح البارد للنار ) ،تلك الدنيا التى كُتب على الجميع أن يردوها ( كان على ربك حتماَ مقضياَ )
رابعاَ : إن سلوك المؤمن فى الدنيا على الصراط المستقيم هو صورة سلوكه على صراط الأخرة ، بل أن صراط الأخرة بالنسبة له هو ظهور صراط الدنيا ، ولذلك يجب على المؤمن ضبط سيره على الصراط لأنه هو ماسوف يسير عليه فى الأخرة
خامساَ : أن السير بالعقل وطبقاَ للشريعة الألهية فى هذه الدنيا يحتاج لليقظة الدائمة والتركيز والإنتباه ، تماما كيقظة وتركيز وإنتباه من يعبر على صراط الأخرة الذى يمر عبر جهنم والذى هو أدق من الشعرة وأحد من السيف
فالطريق صعب وشاق ، ولكن ببركة الأهتداء والتوسل بالمعصوم يمكن قطع مسافة السفر …
أما الذى يعيش فى هذه الدنيا غير منتبها ، وغير متيقظاَ ، فمما لا شك فيه أنه سوف يسقط فى نيران الشهوات والمعاصى …
يقول تعالى :
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا
الدكتور الدنيا الله 2018-01-07