لماذا لقبت السيدة زينب بنت الإمام علي (عليه السلام) باسم ” عقيلة بني هاشم “؟
3 فبراير,2017
صوتي ومرئي متنوع, مناسبات
1,662 زيارة
السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هي وريثة أمها فاطمة الزهراء (عليه السلام) في العلم والبصيرة، كما ورثت عنها أسما مبادئ الصبر والإيثار والشجاعة؛ وقد اتفق جميع الأئمة المعصومين على فضلها وكرامتها مثلما اتفقوا على فضل وكرامة أمها.
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وقد ورثتها ابنتها الكريمة الفاضلة زينب (عليها السلام) وتحلت بصفاتها السامية العظيمة وهو ما أكد عليه الأئمة المعصومون في العديد من أحاديثهم المباركة.
روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: ” لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله عز وجل إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلى الله عليه وآله) فَسمَّاها فاطمة ثم قال: إني فطمتك بالعلم “. الفطم لغة يعني القطع والمنع، ومعنى هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى جعلها في غنى عن العلوم البشرية السطحية وأكرمها بعلمه اللامحدود وألقى في نفسها جميع المعارف الحقة.
* السيدة زينب (عليها السلام) عالمة غير معلَّمة
كما ذكرنا فعلم السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو علم رباني غيبي، وحينما خطبت ابنتها السيدة زينب (عليها السلام) في سوق الكوفة وذكرت للناس ما حل بها وأهلها في واقعة كربلاء الأليمة وأخبرتهم بالخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحق أخيها وصحبه وذويه في خطبة مؤثرة هي الذروة في التعبير والبلاغة، كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) واقفاً إلى جانبها، ولما سمع كلامها حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: ” أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة “، وأكد على أن العلم الذي لديها كعلم أمها الطاهرة فهو من الله العزيز الجليل، وهذا لطف من الألطاف الإلهية التي لا ينالها إلا من طهر قلبه وحسنت سيرته وسار على نهج العدل والحق المبين، وهذا الأمر نلمسه جلياً في العديد من آيات الكتاب الحكيم، حيث أخبرنا تعالى بأنه ألقى العلم في نفوس بعض الأنبياء والصالحين منذ نعومة أظافرهم مثل النبي عيسى (عليه السلام) الذي وصف ما جرى له ولوالدته الزكية في الآيات التالية: بعد أن جاءت السيدة العذراء مريم (عليها السلام) بوليدها الطاهر عيسى (عليه السلام) إلى قومها: ” فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ “، اتهمها عتاة اليهود قائلين: ” يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ” (سورة مريم، الآيتان 27 و 28)، ولما أرادت الدفاع عن نفسها أرتهم الطفل الرضيع ” فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ” فسخروا منها قائلين: ” قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ” (سورة مريم، الآية 29)؛ فأنطق الله تعالى هذا الرضيع المعجزة، فأجابهم بصريح القول: ” قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ” (سورة مريم، الآية 30).
لقد تحدث القرآن الكريم مراراً وتكراراً عما ورد في التوراة والإنجيل واعتبر مضامين هذه الكتب السماوية الثلاثة علماً، ومن ذلك قوله تعالى: ” بَعْدَ ما جاءَهُمْ العِلْمُ ” (سورة آل عمران، الآية 19)، وهكذا فقد علم الله تعالى عباده الطاهرين المخلصين أرقى العلوم الغيبية بفضل منه ورحمة وجعلهم خزائن لمعارفه الحقة دون أن يحتاجوا إلى إنسان في ذلك، وبالطبع فالسيدة زينب بنت الإمام علي (عليهما السلام) هي إحدى الذين أكرموا بهذه الموهبة الربانية.
وبالنسبة إلى النبي يحيى (عليه السلام) قال تعالى في كتابه الكريم: ” آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ” (سورة مريم، الآية 12)، وهذا الأمر تأكيد صريح على تحقق هذه المكرمة لأنبياء اللة وأوليائه الصالحين، وهو ما أكرم به أهل البيت (عليهم السلام) وبمن فيهم السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولابنتها الكريمة زينب (عليها السلام)، فيا ترى لو اعترض معترض على ذلك نقول له ما المانع في منح هذه المكرمة لأطهر خلق الله على الأرض؟! فهذه المكرمة هي واحدة من ثمار كمال شخصية الإنسان وعظمة روحه وطهارتها، ففاطمة قد ترعرعت في أحضان أبيها النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) وأمها الطاهرة العفيفة خديجة (عليها السلام)، واقترنت بأفضل خلق الله بعد النبي وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لتنجب منه السيدة زينب (عليها السلام)، وهذا ما يؤكد علم السيدة زينب وكرامتها وفضلها على غيرها من النساء، ولكن من المؤسف أن التأريخ لم يذكر لنا الكثر من فيض علومها وينابيع حكمتها.
* السيدة زينب (عليها السلام) مفسرة للقرآن الكريم
لم يصلنا الكثير من التراث العلمي للسيدة زينب (عليها السلام) ولكن حتى ذلك اليسير الذي تناقلته بعض مصادر التأريخ يعد ثرياً وغنياً في المعارف السامية التي يتضمنها، ولا سيما أننا نجد فيه تفسيراً لبعض آيات الله تعالى في قرآنه المجيد، فهي عالمة بصيرة طاهرة قد علمت نساء المدينة والكوفة العلوم القرآنية لمدة قاربت أربعين عاماً، وذكرت لهن تفسير الآيات والمعارف السماوية الحقة، ولكن من المؤسف أن التعتيم الإعلامي الذي مارسته السلطات الجائرة ضد علوم أهل البيت (عليهم السلام) حال دون وصول هذه المعارف السامية إلينا، فما دون قد أتلف وما لم يدون قد بقي في الصدور وزال مع وفاة حملته ولم يبق منه إلا اليسير جداً.
لقد نزل القرآن الكريم في دار زينب وأهلها الكرام، لذا لا أحد مثلهم يعرف تعاليمه السامية وتفسير آياته، فهي حفيدة حامل القرآن محمد (صلى الله عليه وآله) وخديجة الكبرى (عليها السلام) التي أنفقت كل ثروتها وعمرها في خدمة دين الله تعالى، وهي بنت أمير المؤمنين وأسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبنت سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، لذا كيف لا يمكن لها أن تكون عالمة غير معلمة كما وصفها الإمام زين العابدين (عليه السلام)؟!
الملفت للنظر أن فضائل السيدة زينب (عليها السلام) وكراماتها لم تنقل في مصادر الشيعة فقط، بل إن مصادر أهل السنة أيضاً نقلت العديد مما امتازت به من فضائل جمة، ومن جملتها كتاب ” ينابيع المودة لذوي القربى ” القيم الذي نقل عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس قوله: كنت عند أمير المؤمين علي (عليه السلام) فقال لي: ” لقد حزت علم الأولين، وإنني ظنين بعلم الآخرين كتوم وكاشف أسرار الغيوب بأسرها، وعندي حديث حادث وقديم، وإني لقيوم على كل قيم، محيط بكل العالمين “، ثم قال: ” لو شئت لاوقرت من تفسير الفاتحة سبعين بعيراً “. ثم قال: (ق وَالقُرآنِ الْمَجِيدِ) كلمات خفيات الاسرار، وعبارات جليات الآثار، ينابيع عوارف القلوب، من مشكاة لطائف الغيوب، لمحات العواقب كالنجوم الثواقب، نهاية الفهوم بداية العلوم، الحكمة ضالة كل حكيم، سبحان القديم يفتح الكتاب، ويقرأ لجواب، يا أبا العباس أنت إمام الناس، سبحان من يحيي الارض بعد موتها، ويرد الولايات الى بيوتها، يا منصور تقدم الى بناء السور، ذلك تقدير العزيز العليم “. وقال مؤلف الكتاب: هذا آخر ما سمعته من لفظه النوراني، وأضبطه من كلامه الروحاني، وفي هذا الباب: قال النبي (ص): ” أنا مدينة العلم وعلي بابها، قال الله تعالى (وَأتُوا الْبُيوتَ مِنْ أَبْوابِها)، فمن أراد العلم فعليه بالباب “. (ينابيع المودة لذوي القربى، ج 1، ص 20).
إذن، بنت هذا الرجل الفذ العظيم كيف لا تكون عالمة غير معلمة؟! فقد تعلمت في كنف نبي وولي معصوم وأم عالمة طاهرة وجدة مضحية صالحة، وهذه الميزات هي التي كانت سبباً في تغذيتها بالعلوم الربانية السامية.
* السيدة زينب (عليها السلام) فقيهة عالمة
لم يقتصر علم السيدة زينب (عليها السلام) في تفسير القرآن، وإنما كانت عالمة في الأحكام الفقهية، ولو أن التأريخ سجل محاضراتها الفقهية التي ألقتها على نساء الكوفة والمدينة لأصبحت اليوم مباني يستند إليها الفقهاء في إصدار أحكامهم وفتاواهم، فقلبها ينبوع متدفق بعلم زلال يقصر اللسان عن وصفه.
هذا إلى جانب علومها ومعارفها الأخرى، ولا سيما علم الأخلاق حيث كانت تدعو إلى الدين بنصيحة وخلق عظيم حالها حال أهلها الأطهار، فقد كانت تؤكد للنساء على وجوب تزكية أنفسهن وبناء شخصياتهن بأفضل وجه ممكن، لذلك اعتبرها المؤرخون بأنها مثال للخلق الرفيع والسمات الحميدة الفريدة من نوعها، لذا فهي عقيلة بني هاشم حقاً ولا أحد ينكر ذلك بتاتاً، فالعدو قبل الصديق يقر بأنها السيدة الهاشمية العقيلة.
الخطيب الشيخ حسين انصاري نقلاً عن موقع: فرهنگ نيوز
2017-02-03