جامع السعادات – التواضع ومدحه
7 فبراير,2017
كلامكم نور
1,259 زيارة
قد اشير إلى ان ضد الكبر (التواضع)، وهو انكسار للنفس يمنعها من ان يرى لذاتها مزية على الغير، وتلزمه افعال واقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه، والمواظبة عليها اقوى معالجة لازالة الكبر. ولا بد من الاشارة إلى الأخبار الواردة في مدح التواضع وفوائده، تحريكا للطالبين إلى السعي في تحصيله الموجب لازالة ضده، وهذه الأخبار كثيرة خارجة عن حد الاحصاء، فنكتفي بايراد بعض منها:
قال رسول الله (ص): ” ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله “. وقال (ص): ” طوبى لمن تواضع في غير مسكنة، وانفق مالاً جمعه من غير معصية، ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة “. وروى: ” ان الله سبحانه اوحى إلى موسى: إنما اقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي وألزم قلبه خوفى وقطع نهاره بذكرى وكف نفسه عن الشهوات من اجلى “.
وقال رسول الله (ص) لاصحابه: ” مالي لا ارى عليكم حلاوة العبادة! قالوا: وما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع “. وقال (ص): ” إذا تواضع العبد رفعه الله إلى السماء السابعة”. وقال (ص): ” إذا هدى الله عبداً الاسلام وحسن صورته وجعله في موضع غير شائن له ورزقه مع ذلك تواضعاً، فذلك من صفوة الله “.
وقال (ص): ” اربع لا يعطيهن الله إلا من يحبه: الصمت وهو أول العبادة، والتوكل على الله، والتواضع، والزهد في الدنيا “. وقال (ص): ” ليعجبني ان يحمل الرجل الشيء في يده يكون مهنة لأهله يدفع به الكبر عن نفسه “. وقال (ص): ” من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشة رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن اكثر ذكر الموت احبه الله، ومن اكثر ذكر الله اظله الله في جنته “.
وروي: ” انه أتى رسول الله (ص) ملك، فقال: ان الله تعالى يخيرك ان تكون عبداً رسولا متواضعاً أو ملكا رسولا. فنظر إلى جبرئيل (ع) وأومى بيده ان تواضع، فقال: عبداً متواضعاً رسولا، فقال الرسول ـ يعني الملك ـ: مع انه لا ينقصك مما عند ربك شيئاً “.
وقال عيسى بن مريم (ع): ” طوبى للمتواضعين في الدنيا! هم اصحاب المنابر يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا! هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة: طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله تعالى يوم القيامة “.
وقال (ص): ” إن التواضع لايزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرحمكم الله “. واوحى الله تعالى إلى داود (ع): ” ياداود! كما ان اقرب الناس إلى الله المتواضعون كذلك ابعد الناس من الله المتكبرون “.
وروي: ” ان سليمان بن داود إذا اصبح تصفح وجوه الاعنياء والاشراف حتى يجىء إلى المساكين فيقعد معهم، ويقول مسكين مع المساكين “.
وروي: ” انه ورد على أمير المؤمنين (ع) اخوان له مؤمنان، أب وابن، فقام اليهما واكرمهما واجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين ايديهما، ثم امر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وابريق خشب ومنديل، وجاء ليصب على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين وأخذ الابريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب، وقال يا أمير المؤمنين! الله يراني وانت تصب على يدي! قال: اقعد واغسل، فان الله ـ عز وجل ـ يراك واخوك الذي لا يتميز منك ولا ينفصل عنك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة اضعاف عدد أهل الدنيا. فقعد الرجل.
وقال له علي (ع): أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته لما غسلت مطمئناً كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية، وقال: يا بني! لو كان هذا لابن حضرني دون ابيه لصببت على يده ولكن الله ـ عز وجل ـ يأبى ان يسوى بين ابن وابيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الاب على الاب فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن”[1].
وقال الصادق (ع): ” التواضع اصل كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة، ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب. والتواضع ما يكون لله وفي الله، وما سواه فكبر. ومن تواضع لله شرفه الله على كثير من عباده. ولاهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماوات من الملائكة واهل الارض من العارفين. قال الله عز وجل،
” وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم “[2].
واصل التواضع من اجلال الله وهيبته وعظمته. وليس لله عز وجل عبادة يقبلها ويرضاها إلا وبابها التواضع. ولا يعرف ما في معنى حقيقة التواضع إلا المقربون من عباده المستقلين بوحدانيته، قال الله عز وجل:
” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً “[3].
وقد امر الله ـ عز وجل ـ اعز خلقه وسيد بريته محمداً (ص) بالتواضع، فقال عز وجل:
” واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين “[4].
والتواضع مزرعة الخضوع والخشوع والخشية والحياء، وإنهن لا يأتين إلا منها وفيها، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى[5]. وقال الإمام ابو محمد الحسن بن علي العسكري (ع): ” اعرف الناس بحقوق اخوانهم واشدهم قضاء لهم اعظمهم عند الله شأناً، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة على بن أبى طالب (ع) حقاً “[6].
2017-02-07