الوقت – یعيش الكيان الإسرائيلي هواجس الحرب المقبلة مع حزب الله ومحور المقاومة. فالجديد اليوم خروج الحديث عن قوة حزب الله البحرية الى العلن. وهو الأمر الذي تقول تل أبيب أنه مرعبٍ ويتخطى إمكانيات الردع الإسرائيلية. في حين ضربت تهديدات الأمين العام لحزب الله الثقة بين القيادة العسكرية والإستخبارات الأمنية. فماذا في قوة حزب الله البحرية؟ وما هو دورها وأهميتها؟ وما هي المعادلات الجديدة التي تفرضها؟
قوة حزب الله البحرية: بعض الحقائق!
في ظل الحديث الإسرائيلي عن غموضٍ يكتنف قدرة حزب الله البحرية، نذكر بعض الحقائق التي تُعتبر كافية للتعبير عن جهوزية هذه القوة:
أولاً: صواريخ “C-802” والتي تأتي ضمن قائمة صواريخ “بر – بحر”. وهي الصواريخ التي استخدمها حزب الله خلال حرب تموز عام 2006. حينها ظهر الى العلن أول عملٍ تنفيذي للوحدة البحرية التابعة لحزب الله ضد الكيان الإسرائيلي. أصاب الصاروخ سفينة الصواريخ الإسرائيلية “حانيت” والتابعة لسلاح البحر.
ثانياً: حيازة صواريخ “ياخونت”. نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلاً عن خبراء عسكريين أن مسؤولين غربيين أبلغوا تل أبيب خلال مؤتمر ميونيخ الأمني الأسبوع الماضي، أن حزب الله تسلًّم شحنات من صواريخ أرض- بحر من طراز “ياخونت” الروسي الصنع، والذي يبلغ مداه ثلاثمئة كيلومتر ويعتبر الأحدث والأخطر في مجاله، والعصي على الدفاعات البحرية. وهو ما قد يُشكل معادلة جديدة في الصراع بين حزب الله وتل أبيب.
ثالثاً: إمتلاك حزب الله لقوة دفاعية بحرية متكاملة يمكن تحويلها لقوة هجومية. حيث تدعي تل أبيب أن جزءاً كبيراً من منظومة الردع البحري التي تمتلكها إيران، باتت بحوزة حزب الله. وهي عبارة عن قطع بحرية فوق المياه وأخرى تحت المياه. مما يعني وجود طاقمٍ مؤهلٍ لتنفيذ عملياتٍ دفاعية قد تتحول لهجومية، خصوصاً اذا تم اعتماد هجوم “عقيدة الأسراب” والتي تعتمد على الهجوم بزوارق “ذو الفقار” البحرية السريعة فيما يبلغ طول القطعة البحرية المستخدمة 17 متراً، ووزنها 22 طناً وتسير بسرعة 40 عقدة.
رابعاً: إمتلاك ضفادع بشرية. كجزءٍ من القوة العسكرية لأي منظومة بحرية، يجري الحديث عن امتلاك حزب الله لضفادع بشرية بحرية. وهي عناصر عسكرية تُتقن الغطس والعمل تحت الماء، يمكنها حمل المتفجرات والوصول الى الأهداف البحرية التي تقع فوق أو تحت الماء وتفجيرها. تُعتبر هذه الضفادع من القوة الخاصة العسكرية التي تتبع للقوة البحرية السرية.
الدور والأهمية: المعادلات العسكرية الجديدة
لم يكن كلام الأمين العام لحزب الله عادياً في خطبته الأخيرة. حمل الخطاب رسائل كثيرة. أهمها كانت المعادلات الجديدة الخاصة بالقوة البحرية والتي نضعها في سياق معادلات الحرب القادمة. وهنا نُشير لما يلي:
أولاً: القدرة على تهديد النفط الإسرائيلي. عام 2011 أطلق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معادلة “النفط الإسرائيلي مقابل النفط اللبناني”. حينها توقَّف الصهاينة عند ما تعنيه هذه المعادلة. وهي في الحقيقة ما تزال سارية المفعول وبشكلٍ مرتفع الوتيرة. فالمعادلة تكتيكياً تعني قدرة حزب الله على استخدام قدراته العسكرية والتي تُعنى بمجال الحرب البحرية، لإستهداف منصات التنقيب الإسرائيلية الموجودة في المنطقة الإقتصادية التابعة للبنان، أو تلك الواقعة في المنطقة الإسرائيلية كرد فعلٍ على أي اعتداء إسرائيلي بحري. وهي المعادلة التي تهدف الى ردع الطرف الإسرائيلي عن أي اعتداء ضد موارد لبنان النفطية والبحرية.
ثانياً: تهديد أهداف حساسة في حيفا والنقب. هذه المعادلة قائمة على إعلان السيد نصر الله مؤخراً قدرة الحزب على استهداف أو تهديد أمن، كل من حاويات الأمونيا في حيفا ومفاعل ديمونا النووي في النقب. كما أكد قدرة حزب الله على استهداف السفن التي تنقل مواد الأمونيا الخطيرة من حيفا الى مناطق أخرى. هذه المعادلة تهدف عسكرياً لرفع مستوى التهديد، كماً ونوعاً. حيث يُعتبر ذلك ردعاً إقليمياً لأي محاولة إسرائيلية للتفكير بإستهداف منشآت حساسة تابعة لمحور المقاومة، لما سينتج عنه من ردة فعل مشابهة ومدروسة.
ثالثاً: تهديد الإقتصاد الإسرائيلي. حيث أن معادلات القوة البحرية، تجعل السواحل الإسرائيلية والتي يمر عبر مرافئها تسعون بالمئة من البضائع مُهددة، بالإضافة الى السفن التجارية. الأمر الذي يعني عملياً تهديد 90% من الإستيراد “الإسرائيلي” والذي يعتمد على السفن المدنية التي تُبحر في البحر المتوسط.
رابعاً: التهديد بالإنتقال الى الهجوم البحري. وهو ما يمكن إعتبار حصول إنزال بحري جزءاً منه. حيث وعلى ما يبدو، يمتلك حزب الله، القوة الدفاعية والهجومية التي تمكِّنه من القيام بإنزال بحري وذلك بالإستفادة من الصواريخ التي يمتلكها والضفادع البشرية. الأمر الذي يعني عملياً تهديد القطع العسكرية لسلاح البحر الإسرائيلي، بالإضافة الى الشواطئ الإسرائيلية الشمالية.
إذن، تمكَّن حزب الله من إيصال رسائل جديدة دون أن يُفصح عن مضمون القوة البحرية التي بحوزته. الأمر الذي يعني للقيادة العسكرية الإسرائيلية مزيداً من القلق الذي قد يدفعها إما الى التعقُّل العسكري أو الجنون. وفي كلتا الحالتين، يتربع حزب الله على عرش القدرة العسكرية المتعاظمة. أمام نتائج واضحة المعالم وهي:
لقد حطَّم حزب الله بتهديداته الخط الدفاعي الأول للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية. وأفرغ كل موازين الردع الإسرائيلية من قوتها العسكرية. وجعل التفكير بأي عمل ضد حزب الله، أسوأ من الحماقة. ليعود حزب الله، عرَّاب المعادلات التي تُعنى بموازين الردع العسكرية في الصراع مع تل أبيب.