إن القضية العراقية هي قضيتنا الأولى وتخصنا بالذات، إن العراقيين هم أصحاب الحمل الأكبر، إن الحمل لاينهض به إلا أهله، فالواجب علينا كعراقيين ان نضحي كما ضحى رسول الله صلّىاللهعليهوآلهوسلم ووصيه علي بن أبيطالب عليهالسلام. إن أرضنا ومقدساتنا وأعراضنا أمانة في أعناقنا وإننا سنحاسب يوم القيامة فعلينا تأدية تكليفنا الشرعي.
هذه العبارات خطتها أنامل فتى من فتيان الإسلام نذر نفسه لدينه وقضيته، واعتبرها واجبًا وحملًا لايقوم به إلا أهله، فصدق فيما قال وكان من خير أهله الذين ضحوا بأرواحهم وبكل ما يملكون.
ولد في محافظة ميسان، قضاء علي الغربي عام 1966م، وسط أسرة مؤمنة ربّته على حب أهل البيت عليهمالسلام.
انتقل مع أسرته للسكن في مدينة بغداد، شارع الكفاح وهناك أكمل دراسته الابتدائية.
في قصة مأساوية لانجد لها مثيلًا إلا في قاموس حزب البعث وعصاباته الإجرامية فقد ذهبت الحاجّة أم يوسف وولدها جاسم لمراجعة دائرة الجنسية في منطقة الكرادة فألقي عليهما القبض وتم تسفيرهما عن طريق خانقين وعبر الحدود فوصلا مدينة قصرشيرين الإيرانية. هكذا ببساطة ودون أي ذرة حياء أو بقايا إنسانية يفرق بين أفراد الأسرة الواحدة، بل يرمى بالأم على الحدود دون ان يعلم الأبناء، بل حتى دون ان تعطى فرصة اصطحاب رضيعها.
سمع ابنها سلمان وإخوته بالخبر فجمعوا ما يستطيعون حمله واستبقوا الأحداث وسلموا أنفسهم إلى أقرب مركز للشرطة، وقالوا لهم « نحن نريد التسفير إلى إيران والالتحاق بأمّنا»؛ فتم اعتقالهم أولًا ثم سفر يوسف وأخته إلى إيران في الشهر الرابع لعام 1980م أما سلمان وقاسم فقد بقيا رهن معتقل أبيغريب، وبعد خمسة وثلاثين يومًا تظاهر المعتقلون وحطموا الأبواب مما اضطر السلطة المجرمة إلى تسفيرهما عبر حدود خانقين إلى مدينة قصرشيرين.
اجتمع شمل أسرة يوسف في مدينة الأهواز وما هي إلا أشهر قليلة حتى شن صدام المجرم المقبور حربه على الجمهورية الإسلامية فاضطروا إلى ترك الأهواز والسكن في مدينة قم المقدسة.
تهيأت له فرصة دخول الحوزة العلمية والتزود من علوم أهل البيت عليهمالسلام وبعد فترة قضاها في الدراسة قرر الالتحاق بالمجاهدين من قوات الشهيد الصدر( ) فشد الرحال إلى الأهواز.
دخل معسكر الشهيد الصدر وهو فرح فخور، فرح لأنه وجد نفسه بين ثلة مؤمنة من أبناء العراق والعيش مع المؤمنين مدعاة للفرح والسرور، وفخور لأنه سيكون عمّا قريب مجاهدًا يرتدي ثوب الجهاد ويحمل سلاحه بوجه أعتى ظالم وأقسى حاكم عرفه التاريخ المعاصر، استخدم كل أساليب التعذيب والترهيب، بل فاق كل ما يمكن ان يتصور من أساليب وممارسات خسيسة، فحمل السلاح بوجه هكذا طاغوت فخر لكل مجاهد.
دخل يوسف دورة تدريبية وكنّي بأبيمصطفى الأشتر وقد استلهم من الأشتر دروس الشجاعة والتضحية والتسليم والطاعة، فكان مثالًا للمجاهد المتفاني في سبيل دينه ووطنه.
بعد إنهاء الدورة شارك في العديد من العمليات الجهادية وفي أماكن وساحات متعددة من ساحات الجهاد، وكان يقسم وقته بين إكمال دروسه الحوزوية والمشاركة في المهام الجهادية.
بعد تشكيل قوات بدر التحق أبومصطفى بالدورة الخامسة — دورة الشهيد أبيعلي الأمير( )— للقوات بتاريخ 2/4/1984م وبعد إكمال الدورة اشترك بأول واجب جهادي في هور الحويزة مع الفوج الثالث ثم انتقل إلى فوج الشهيد الصدر وشارك معه في العديد من الواجبات الجهادية على الرغم من ظروف تلك الطبيعة وقساوة الجو صيفا لكن المجاهدين استطاعوا التكيف معها والتغلب عليها بصبرهم وتحملهم وإصرارهم على مواصلة طريق الجهاد ولم يتحججوا بالبرد وحر الصيف، بل كانوا يتسابقون على تأدية الواجبات.
اشترك أبومصطفى بأول عملية جهادية واسعة نفذها المجاهدون في 23/07/1985م للسيطرة على النصف الجنوبي لبحيرة أم النعاج أسموها عمليات القدس وكانت عمليات نوعية نجح فيها المجاهدون باستخدام عامل المباغة، وهي العمليات الأولى التي شاركت فيها مجاميع من الغواصين لاقتحام مواقع العدو التي كثيرًا ما حسمت الموقف قبل وصول الزوارق الساندة لها بعد انطلاق الشرارة الأولى للمعركة.
سيطر المجاهدون على النصف الجنوبي لبحيرة أم النعاج بعد ان تهاوت قواعد البعثيين في الدقائق الأولى للمعركة وصعقوا وهم يسمعون صيحات الله أكبر تنطلق من حناجر المجاهدين وتدوي في سماء المعركة. ولم يقدم المجاهدون إلا شهيدًا واحدًا في تلك الليلة وهو الشهيد محمد كاظم راضي العبودي( ).
فقد العدو مواقعه وكانت خسائره كبيرة في الأرواح والمعدات فقد غنم المجاهدون العديد من الأسلحة والأعتدة والمعدات والكثير من الزوارق وأسر عدد كبير من قوات العدو.
بعد ثلاثة أشهر فقط، نفذ المجاهدون عمليات واسعة، للسيطرة على ما تبقى من بحيرة أم النعاج والمناطق والممرات المائية المحيطة بها أسموها عاشوراء بتاريخ 23/10/1985م وكان لأفراد وحدة الاستخبارات الدور الفاعل في تلك المعركة لما تميزوا به من الإخلاص والتفاني والشجاعة والدقة والخبرة وفتحوا طرقًا داخل القصب بين كل نقطتين من نقاط العدو تؤدي إلى بحيرة أم النعاج، مما سهل على الأفواج التقدم بواسطة الزوارق وباستخدام المجاذيف بدلًا من المكائن كي لايسمع العدو تقدمها.
بدأ الغواصون بالهجوم في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل وبدأت الزوارق التي تحمل المجاهدين بالانطلاق لمساندتهم، وكان أبومصطفى مع الزوارق التي انطلقت للسيطرة على أحد مواقع العدو فسيطروا على هدفهم بأقل من عشر دقائق وكذلك بقية الأهداف التي تهاوت مع أصوات التكبير الذي علا من حناجر المجاهدين وأزيز الرصاص الذي انطلق من فوهات بنادقهم.
لقد سجل المجاهدون في تلك المعركة صفحة مشرقة من صفحات الجهاد التي كتبوها بدمائهم الزكية، تلك الدماء التي تاجروا بها مع أوفى مشتر لها. لقد كان لأبيمصطفى دور فاعل في تلك المعركة.
امتاز يوسف بالهدوء وكثرة العبادة، وبالأخلاق النبيلة وبالعلاقات الطيبة وحسن المعاشرة مع إخوته المجاهدين ومع بقية الناس. وامتاز بخدمة المجاهدين وإصلاح ذات البين، يقول عنه المجاهد أبوسيف الكربلائي «وقع شجار بيني وبين أحد المجاهدين فقررت ترك تلك المجموعة من المجاهدين الى أخرى فما كان من أبيمصطفى إلا التقرب مني وأخذ يشرح لي الموقف الإسلامي والجهاد في سبيل الله فقد جعلتني كلماته أستمر مع تلك المجوعة وكان الفضل يعود للشهيد. وتلك فضيلة لايوفق إليها إلا مؤمن عرف فضلها ومنزلتها عند الله سبحانه وتعالى.
كان كتومًا وخصوصًا في الأمور والأسرار التي تتعلق بالمجاهدين وعملياتهم وأماكن تواجدهم.
بعد ان سيطر المجاهدون على كل المواقع المهمة والحساسة في هور الحويزة انسحبت بعض الأفواج وتركت المنطقة إلى فوج أنصار الحسين عليهالسلام وسرية من الفوج الثالث ودخلت تلك الأفواج المنسحبة دورة تدريبية في مناطق جبلية استعدادًا لخوض عمليات جهادية في كردستان العراق.
اشترك في واجبات جهادية في مناطق مختلفة، كان آخرها معركة حاج عمران التي سطر فيها المجاهدون أروع صور البطولة والفداء، قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة لاإله إلا الله وإحياء الفضيلة التي حاول البعثيون طمسها ونشر الرذيلة بدلًا منها. وللمجاهدين الفخر في أنهم وقفوا بوجه هذا الحزب المجرم يوم وقف العالم بأسره معه وفي مؤازرته.
بعد أن طبق المجاهدون تمارين عسكرية بأرض مشابهة لحاج عمران، ووضعت خطة الهجوم أختير أبومصطفى آمرًا لفصيل في إحدى سرايا فوج الشهيد الصدر.
لم تكن تلك المسؤولية تعني بالنسبة إليه شيئا سوى زيادة في خدمة إخوته المجاهدين ورفع مستواهم العسكري، والحرص الشديد لتوفير كل مستلزماتهم وكان يعمل على ان تكون مجموعته من أحسن المجاميع القتالية، وهكذا كان فصيله من أحسن الفصائل في دورة الحروب الجبلية التي دخلها اللواء.
جمع إخوته في الفصيل وقال لهم «إن أرضنا ومقدساتنا وأعراضنا أمانة في أعناقنا وأن الله سوف يحاسبنا يوم القيامة ان لم نؤد هذه الأمانة ونعمل حسب تكليفنا الشرعي.
كانت الصفات والمعنويات العالية التي يحملها تنعكس جليًّا على روحية وصفات إخوته المجاهدين الذين كانوا معه، وتجلّت في ليلة الفداء والتضحية والوفاء وهم يقدمون الأنفس رخيصة في سبيل رفع راية الإسلام فوق مرتفعات الشهيد الصدر، ومن أعجب القصص التي نقلها المجاهدون عنه انه قبل ساعات من الهجوم جمع فصيله وقال لهم «إذا أردنا دخول الجنة فعلينا ان ندخلها حسب الدرجة العسكرية فيدخل آمر السرية أولًا ثم آمر الفصيل ثم آمر الحضيرة ثم بقية الشهداء من الفصيل…، ولعلّه كان يقصد وهو يحدثهم بحديثه ان التضحية والفداء والعطاء الأكبر هو معنى المسؤولية وان القيادة في الإسلام لاتحمل سوى هذه المعاني التي جسدها الرسول والأئمة الأطهار خلال حياتهم وبقيت خالدة في عطاء سيد الشهداء وموقفه في يوم عاشوراء…
لقد كان قوله مطابقًا لما وقع ليلة الهجوم في حاج عمران فبعد ان تقدموا وصالوا على البعثيين ودمروا العديد من مواقعهم سقط آمر السرية( ) شهيدًا ثم سقط هو وتلاه الحاج أبوأسامة( ) ثم مجموعة من أفراد الفصيل.
لقد سقطوا شهداء ودخلوا جميعًا من باب الرحمة العظمى، الباب الذي فتحه الله لخاصة أوليائه، للشهداء الذين سلكوا درب الجهاد واقتدوا بأبيالأحرار الحسين عليهالسلام.
سقط أبومصطفى شهيدًا في 01/09/1986م بعد أن أصيب بشظايا في خاصرته وعرجت روحه إلى ربها حيث الروح والريحان وجنة النعيم، لترافق أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
شيّع مع بقية الشهداء في موكب مهيب ودفن في مقبرة الشهداء بقم المقدسة( ).
من وصيته رحمهالله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على خير خلقه أبيالقاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.
إخوتي الأعزاء، أوصيكم بالاتحاد وعدم إثارة الفرقة بينكم، والاعتصام بحبل الله والتمسك بخط الرسول الأكرم صلّىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة الأطهار عليهالسلام فإن من تمسك بخطهم وسلك سبيلهم نجا ومن تركه هلك، ولابد ان لاتغفل أعينكم عن أعدائكم فإنهم يتربصون بكم الدوائر للنيل منكم، وعليكم ان تكونوا قدوة لغيركم لأنكم عرفتم طريق الحق فسلكتموه وهو طريق الإمام الحسين عليهالسلام وان تتبعوا خط الإمام الخميني دام ظله، وان لاتقولوا ولا تفعلوا شيئًا غير لائق بكم لأن هناك بعض المبغضين يحاولون ان يسيئوا إليكم، وعلى الأخوة الروحانيين ان يكونوا على اتصال مع المقاتلين لأن ذلك هو زكاة لعلمهم.
إلى والدتي الحنونة، أرجو منك ان لاتحزني فإن هذا الطريق الذي سلكته أعلم ان فيه مرضاة الله وان الإنسان يخرج من هذه الدنيا لأنها دار مجاز وأنا مؤمن بقول أمير المؤمنين عليهالسلام «لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على فراش.
أوصي إخوتي وأقاربي ان يتمسكوا بخط الحسين عليهالسلام، ذلك الخط الذي لايسلكه إلا من عرف رحمة ربه، وأرجو ان تبرئوا ذمتي على ما قصرت به من الحقوق ولكم الموفقية والنجاح. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يوسف ـ شعبان/ 1406هـ.
سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيًّا