الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / 153الشهيدعبد الزهرة رحيم بورجلي الربيعي – أبوسر‌مد العماري

153الشهيدعبد الزهرة رحيم بورجلي الربيعي – أبوسر‌مد العماري

في مدينة العمارة وفي أحد أحيائها الشعبية، أبصرت عيناه النور عام 1964م، فكان الوليد الخامس لأسرة من خمسة ذكور وثلاث إناث، نشأ في جوّ من المحبة والألفة تشد أفراد الأسرة بعضهم الى بعض، فكانت علاقته الحميمة بإخوته وأخواته أبرز سمة في حياته. التحق بمدرسة التضامن الابتدائية التي ضمّت جميع إخوته حتى عاد يعرفه الصغير والكبير، وسرعان ما شدّ إليه الأنظار بذكائه المتميز ومواهبه المتعددة، فقد كانت لديه رغبة جامحة في حفظ الشعر وإلقائه في مختلف المناسبات، إضافة إلى المشاركة في الأعمال التمثيلية، مع محاولات ناجحة في فن الخط والرسم، ورثها من أخيه الاكبر الذي كان يحترفهما.

علاوة على ذلك كان لاعبًا ماهرًا في لعبة كرة القدم، يزاولها مع فريق المدرسة وخارجها في إطار نادي الحرية المشهور، وكان يطمح ان ينضم إلى صفوف المنتخب الوطني في سيرته الرياضية.
واصل دراسته في المرحلة المتوسطة بتفوق ملحوظ، فكان يعفى من الامتحانات النهائية على مدى سنوات المتوسطة الثلاثة، ولم تكن السياسة واوضاع البلد لتشغل باله حتى أفاق على انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، ثم اعتقال جيل من الشباب بتهم مختلفة على رأسها انتسابهم إلى حزب الدعوة الاسلامي، الأمر الذي أثار في ذهنه العديد من الأسئلة، أسئلة غيرت مجرى حياته، وتركت طابعًا جديدًا على سلوكه وعلاقاته ونمط تفكيره.

لم يكد يصحو من غلواء الأوضاع المستجدة حتى تلقى صدمة كبيرة عندما رأى قوى الأمن تقتحم منزلهم في منتصف إحدى الليالي عام 1980 م، لتقتاد الأسرة إلى الحجز بتهمة التبعية الإيرانية، رغم امتلاكها لشهادة الجنسية العراقية، ونقل أخويه الكبيرين إلى سجن ابي غريب في بغداد، ومن ثم تم تصفيتهما جسديًّا مع سائر أبناء المهجرين الأبرياء.
قضى مع اسرته ثمانية أشهر في مخيم جهرم للمهجرين في شيراز، كانت حافلة بالتغيرات الكبيرة في شخصيته، تمخضت عن نضوج مبكر في تفكيره وسلوكه الشخصي والاجتماعي.
انتقلت أسرته إلى مدينة انديمشك في محافظة خوزستان، فتعرف هناك الى مجموعة من الأصدقاء من شتى المحافظات العراقية، تربطهم الغربة والمصير المشترك ورابطة الإخوة والإيمان. وكان المركز الثقافي لحزب الدعوة الاسلامي ملتقى يوميًّا لتلك الثلة من الشباب، يستمعون إلى المحاضرات الإسلامية ويطالعون الكتب ويشاركون في برامجه الثقافية والاجتماعية والرياضية بنهم شديد، وكانت هذه الفترة منعطفا لتفجر طاقاته ومواهبه، فراح ينظم الشعر القريض والشعبي ويلقيه في المناسبات الدينية، وأسس مع مجموعة من أصدقائه فرقه تمثيلية، فأخذ يكتب لها المسرحيات ويقوم بإخراجها وتمثيلها معهم، فاستطاع على مدى ثلاث سنوات من إقامته في انديمشك من عرض العديد من المسرحيات، كان الهدف منها فضح النظام البعثي وتسليط الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي…

عندما بدأت صواريخ أرض أرض الصدامية تسقط على انديمشك وتقتل الابرياء وتنشر الرعب في قلوب النساء والاطفال، اضطرت أسرته الى الانتقال إلى مدينة قم المقدسة، واضطر هو لان يمكث في المدينة المنكوبة عامًا ونصف بعد رحيل أسرته، وذلك لتصديه إدارة المركز الثقافي، فقضى تلك الفترة في مزاولة النشاطات الثقافية، وإحياء المناسبات الدينية ولاسيما عشرة محرم الحرام، حتى ظلت قصائده الحسينية تتردد على منابر المدينة حتى بعد شهادته.
التحق أبوسرمد باسرته في قم المقدسة وسارع في الانضمام إلى حوزتها العلمية، فوجد فيها النهل الذي يروّي ظمأه إلى العلم والمعرفة، فأقبل على الدراسة بجد، فما كان يعود إلى المنزل إلا وبيده كتاب، ولم تمر عليه ليلة دون أن حييها بالمطالعة حتى وقت متأخر.
تضاعفت مسؤوليته بعد زواجه ووفاة والده إثر مرض عضال، فلم تكن الأيام تأخذ منه بقدر ما تعطيه من الصبر والنضوج، فقد رافقته رغبة واعية في الجهاد، وكان يتحين الفرص للالتحاق بإخوته المجاهدين، فوجدها بعد استقرار الأسرة في مدينة قم المقدسة.
التحق بقوات بدر في 29/03/1985م مع أخيه الأصغر، وبعد دورة تدريبية في معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز، نسب إلى الفوج الثاني لتلك القوات، لتكون أولى مشاركاته في هور الحويزة، حيث استقر فوجه في منطقة النهروان غربي مخفر الترابة.

بتاريخ 23/07/1985م شارك في عمليات القدس التي نفذها المجاهدون للسيطرة على النصف الجنوبي لبحيرة أم النعاج، وكان محور فوجه على الجانب الشرقي لتلك البحيرة، وكانت عمليات نوعية بوغت فيها العدو وفر مذعورا تاركا مواضعه ومعداته ومخلفا جثث قتلاه.
بعد أشهر عاد إلى مدينة قم لمواصلة دراسته العلمية، وبعد عام التحق ثانية بقوات بدر وانضم هذه المرّة إلى فوج الشهيد الصدر الذي كان يستعد للانتقال إلى منطقة كردستان، فشارك في دورة تدريبية في منطقة جبلية أطراف مدينة بهبهان تمهيدا للانتقال إلى تلك المنطقة، ثم انتقل مع إخوته المجاهدين إلى منطقة حدودية أطراف مدينة بانه، حيث تم فتح جبهة على مرتفعاتها الحدودية.
كان لأبي‌سرمد في تلك الفترة نشاطات ثقافية متميزة يتذكرها كل من عايشها، فقد عمل على تكريس الوعي وتعميق الثقافة الإسلامية لدى المجاهدين، ووظف جميع طاقاته في سبيل ذلك الهدف، فكان يؤم إخوته في صلاة الجماعة ويلقي على مسامعهم محاضرات دينية بين صلاتي المغرب والعشاء، وكان له محاضرات أخرى قبيل التدريب الصباحي، إضافة إلى الجلسات الثقافية والقرآنية والتربوية الأخرى، وقد عرض عليه التصدي لمسؤوليات عسكرية ولكنه رفض ذلك لعزمه على العودة إلى مدينة قم ومواصلة دراسته والجمع بين الدراسة والجهاد. وعن تلك الأيام يتحدث المجاهد أبوآيات البغدادي …كان من طلاب العلم ويحث على طلبه، وكان يلقب برجل العرفان وكان يؤمنا في صلاة الجماعة وبين الصلاتين يذكرنا بيوم القيامة ووجوب تقوى الله سبحانه وتعالى.

وبعد مضي ستة أشهر من الجهاد، منح إجازة قصيرة قضاها إلى جانب أسرته، ثم عاد الى منطقة بانة لتصفية الأمور لانقضاء مدّة تطوعه ورغبته في بدء عام دراسي جديد في الحوزة العلمية في قم المقدسة، لكن عند وصوله لمنطقة بانة، فوجىء بخلو المقر من القوات وتبين له أن القوات كانت على وشك تنفيذ عمليات قتالية على مرتفعات حاج عمران، وأنها قد انتقلت إلى معسكر تدريبي أطراف مدينة سنقر، استعدادا لتلك العمليات، فعدل عن قصده لتصفية الأمور، وعزم على المشاركة في تلك العمليات، واستطاع بصعوبة الالتحاق بالقوات قبيل موعد العمليات، فرافقها ليلا في منطقة التحشد، ووصل معها فجرا إلى واد يقع مسافة كيلومتر واحد عن موضع الهجوم حيث استقروا فيه حتى المساء.
وعن التحاقه ومشاركته في تلك العمليات، يذكر المجاهد محمد كاظم حسين فيقول …التحق سريعا بالمعسكر ولكن قافلة المجاهدين غادرته قبل ذلك، فما كان منه إلا أن يلتحق بها بأي وسيلة ممكنة، فاستطاع الالتحاق بها في كردستان، قبل تحركها إلى منطقة العمليات بساعتين، ولم يكن أبوسرمد ضمن المجاميع المعينة للمشاركة ولكنه أصر على ذلك، وقد لوحظ عليه في ذلك اليوم وكأنه يعيش في عالم آخر، فقضى معظم الوقت هادئا متأملا.

بعد صلاتي المغرب والعشاء حان وقت الوداع، فعلت أصوات البكاء، والتحمت الأعناق والصدور، فودّع أبو سرمد أخويه الذين كانا يرافقانه في تلك العمليات وبقية المجاهدين وداعا حارا، ولم تفارق الدموع عينيه وهو يضمهم ويقبلهم ويلقي عليهم آخر وصاياه…
كان أحد أفراد فصيل الصولة، فاقتحم مع إخوته المجاهدين الأسلاك الشائكة وحقل الألغام ببسالة لاتوصف، ولما انتهى إلى خندق العدو، أصيب بشظايا في منطقة الرأس والرقبة، فسقط على إثرها شهيدا مضرجا بدمه الطاهر بتاريخ 01/09/1986م، بعد حياة طيبة كريمة قضاها في الغربة والجهاد وطلب العلم، وهكذا احتضنته قم طالبا للعلوم الدينية، وشهيدا بزيه العسكري دون غسل وتكفين، فقد غسلته دماؤه الطاهرة، وكفّنه تراب المعركة أسوة بسيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام( ).

 153

153-1

أضغط على هذا الرابط للاشتراك ..https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...