قال الخبير في الشؤون العسكرية الاستراتيجية، عمر معربوني، لوكالة “سبوتنيك” إن الجيش السوري على مشارف الدخول في معركة الرقة المرتقبة.
وعلل معربوني قوله بأن “هناك مسالة أساسية رغم تفصيليتها وهي أن الجيش السوري بعد استكمال العمليات باتجاه مسكنة بريف حلب الشمالي الشرقي إذا ما اندفع باتجاه الطبقة، سيؤمن ثلاث قواعد جوية له وهي مطارات كويرس وكشيش والطبقة، لاستخدامها بالأكيد في عمليات الدعم الناري القريب عبر الطوافات الهجومية بشكل أساسي، وهو الأسلوب الذي يتم استخدامه الآن في الاندفاعات التي تمت في ريف حلب الشرقي وفي تدمر…أي مواكبة الطوافات الهجومية للقوات المتقدمة لتامين الدعم الناري القريب بالطبع مع الاستخدام الجيد للكثافة النارية عبر المدفعية والصواريخ…هذا في المشهد الميداني نستطيع القول إننا على مشارف الدخول في معركة الرقة المرتقبة”.
وأعطى معربوني شرحا تفصيليا عن مسار عمليات الجيش السوري الأخيرة، والتي حقق من خلالها انتصارات كبيرة على تنظيم “داعش”، واستعاد خلالها مئات الكيلومترات من تدمر إلى ريف حلب الشمالي الشرقي والشرقي، حيث قال إن “تقدم الجيش السوري في ريف حلب الشمالي الشرقي هو نتيجة عمليات متواترة ومتواصلة…انطلقت بشكل بطيء بالتزامن مع عملية تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب، عندما اندفع الجيش السوري باتجاه مدرسة المشاة، وبعد ذلك في منطقة الشيخ سعيد، لتتوقف حينها العمليات على هذا المحور بالتحديد، وكان الهدف من ذلك وقتئذ تأمين نطاق أمان أوسع للمنطقة شمال شرق المدينة الصناعية مع اندفاعة بسيطة كانت من منطقة الطعانة باتجاه الشرق أيضا…لكن هذه العمليات بعد تحرير الأحياء الشرقية بدأت تأخذ طابعا كبيرا خاصة أن القوات التركية وما يسمى بقوات درع الفرات بدأت بالتقدم باتجاه مدينة الباب، هذه العمليات الآن حققت الأهداف المرسومة لها، حيث كان الهدف الأول هو تثبيت جبهة صد بعمق كبير جدا يبدأ من مشارف مدينة الباب وينتهي حاليا جنوبا عند حدود مطار كشيش الذي حرره الجيش منذ ساعات…”
وقال إن “هدف هذه الجبهة هو قطع الطريق أمام القوات التركية بالتقدم نحو منطقة الجنوب، وهذا الهدف حصل مبدئيا وتم تأمين القطع بعمق كبير بمواجهة القوات التركية… أما الهدف الثاني فكان في الوصول إلى منطقة الخفسة ومحطات ضخ المياه الموجودة بالقرب من رسم العبود، وهذا حقق التماسا مع قوات سوريا الديمقراطية ايضا عند ضفاف بحيرة الأسد، وبالتالي أمن الجبهة وتم استعادة محطة المياه الكبيرة التي ستساهم بعد عملية تأهيلها في حل مشكلة المياه المستعصية في حلب منذ فترة طويلة، إضافة الى ذلك فإن وصول الجيش الى الخفسة سهل عليه الاندفاع أكثر باتجاه الجنوب، وهو ما تمت ترجمته بالوصول الى مطار كشيش، أي ان الطريق الرئيسي بين دير حافر ومسكنة انقطع أمام “داعش” لأن الطرق الفرعية الى دير حافر لا تؤمن له هامش المناورة الكبير وبالتالي فإن مسلحي “داعش” في دير حافر سيعمدون الى الانسحاب لتجنب وقوعهم في الطوق…”
وأضاف معربوني” بالتالي استكمال السيطرة على دير حافر يعني أن الجيش بات على مشارف مسكنة التي أهميتها تكمن في أنها تشكل غطاء لمدينة الطبقة بشكل أساسي…وسيقوم الجيش باعتقادي بدفع تعزيزات اخرى من منطقة خناصر باتجاه سبخة الجبول للضغط على تنظيم “داعش” الموجود في دير حافر وسهل دير حافر وأجزاء من سبخة الجبول، وهذا سيؤدي في البعد الميداني الى تشكيل قاعدة ارتكاز اساسية وسيتم استكمال تثبيتها وتوسيع نطاقها من خلال اتجاهي هجوم محتملين، أحدهما من اثريا باتجاه الجنوب نحو السخنة والاتجاه الآخر من تدمر باتجاه السخنة… لكن هذين الاتجاهين بالتوازي معهما تتم عمليا توسيع نطاق السيطرة في محيط مدينة تدمر باتجاه الشمال بشكل أساسي خاصة بعد استعادة الجيش السوري لمنطقة جزل بما فيها الآبار ومنطقة جبال العامرية التي ستسقط حكما منطقة الصوامع شرق مدينة تدمر، أي أننا أمام مرحلة الهدف الأساسي منها على المستوى الميداني هو تثبيت مثلث ارتكاز كبير يبدأ من مسكنة باتجاه السخنة ومن السخنة باتجاه تدمر ومن تدمر باتجاه اثريا ومن ثم باتجاه خناصر…”
وأضاف “إن حصل ذلك فإنه سيجبر القوات الكبيرة لمسلحي “داعش” المتواجدين شمال تدمر وفي منطقة شرق حماه على الانسحاب او الدخول في الطوق، اي أننا أمام عمليات بهامش كبير من المناورة من الواضح جدا ان الجيش السوري بات قادرا جدا على استخدام هذا الحجم الكبير من المناورة من القوات والنار وبالتالي هذا سيؤدي الى انهيارات كبيرة في صفوف “داعش” والى تثبيت السيطرة على مناطق جغرافية اوسع ستكون مقدمة لخوض معركة الرقة…”
عمليات العميد “النمر”
وقال معربوني “نحن كنا امام عمل فيه الكثير من المناورة والتي وصفتها سابقا بمناورات النمر خاصة ان العمليات يقودها العميد سهيل الحسن الملقب بالنمر..والتي تعتمد على الكثير من المناورات لإلهاء العدو، ومن ثم الاندفاع بقوة نارية وهذه المرة تتم على النمط الجبهي وليس على نمط الممرات، الأمر الذي امن للقوات هذه الاندفاعة السريعة كون طبيعة الارض في ريف حلب الشرقي وفي تدمر تسمح للقوات بالتقدم الجبهي كون المناطق مفتوحة…وبالتالي استخدام القوات للنمط الجبهي أدى الى هذه النتائج السريعة…وهذا سببه ان احتياطيا لا بأس به من العديد البشري لوحدات الجيش والقوات الرديفة والحليفة التي كانت تشارك في معارك تحرير الاحياء الشرقية لحلب تم زجها في هذه المعارك، وبالتالي نحن الآن امام وضع مريح الى حد ما ومبشر في عملية الحسم السريع… ففي المناطق المفتوحة عندما يستطيع الجيش النظامي ان يزج بأعداد كبيرة من القوات مدعومة بكثافة نارية مقبولة سواء من المدفعية او من الجو نحصل على هذه النتائج بالتأكيد”.
واضاف “الآن يمكننا القول ان مزجا بين حرب العصابات والتكتيكات النظامية التقليدية والذي تم استخدامه في معركتي ريف حلب الشرقي وتدمر يندرج ضمن مفهوم جديد للعلوم العسمرية سيكون بكل تأكيد منضويا تحت عنوان المدرسة العسكرية السورية التي استفادت من دروس وعبر هذه الحرب…على هذا الأساس هذه مسالة هامة واساسية ستدرس في الكليات العسكرية لاحقا بعد انتهاء هذه الحرب”.
حجم القوات الأمريكية غير قادر على تحرير الرقة
وحول تواجد قوات امريكية في منبج، قال معربوني “على المستوى العملاني…حجم القوات الامريكية الذي لا يزيد عن مئات الجنود والضباط لايمكننا القول انها قادرة على تحرير مدينة الرقة هذا يعني استنادا للقوانين والعلوم العسكرية…بالمقابل لا اعتقد ان امريكا مستعجلة الى هذا القدر في تحرير الرقة، خاصة ان روابط عديدة تجمع بين تنظيم “داعش” وامريكا باتت معروفة للجميع واعتقد اننا امام بروباغندا اعلامية…هذا الناهب الدولي وعلى رأسها امريكا وهدفه الاساسي سرقة الثروات والخيرات لم يتوان عن سرقة النصر…الآن الامريكي لا نستطيع القول انه انهزم بمشروعه ضد المنطقة لكن هذا المشروع يتراجع وبالتالي اعتقد ان ما حصل في انطاليا من اجتماع رؤساء اركان روسيا وتركيا وامريكا هدفه الرئيسي هو التفاهم على عدم حصول صدامات في منطقة اشتباكات متداخلة ومعقدة جدا، وبالتالي فإن معركة الرقة ستخضع الى هذا النوع من التفاهمات التي يتم من خلالها توزيع الأدوار”.
واضاف”هذا في البعد الحالي، لكن هناك مسالة اساسية في البعد القانوني والدستوري والسيادي ان الدولة السورية لا يمكن بأي شكل من الأشكال ان تتخلى ولو عن شبر واحد من اراضيها وهي الآن عبر مؤسساتها تتحرك بشكل مرن وحذر في هذا الظرف والمشهد المعقد، وبالتالي تعتمد الاجراءات الممكنة للتعاطي مع هذا المشهد والواقع”.
التركي والأمريكي لن يستمر في سيطرته الحالية
وقال..”على المستوى المستقبلي لا اعتقد ان التركي او الامريكي يستطيع الاستمرار في سيطرته الحالية واحتمالات هذه الاستمرارية مرتبطة بأكثر من مسالة وعلى راسها المقاومة التي قد تتشكل اذا ما رفضت القوات الامريكية والتركية بعد انتهاء الحرب، والمسالة الثانية ان الطموح الامريكي الكبير في تشكيل كانتون كردي يصل الى حدود البحر ويمر في عفرين هو متعذر في سوريا تحديدا نظرا لعدم وجود مقومات لاستمرار هذا الكانتون ترتبط بالديموغرافية وتوزع السكان وعددهم بشكل معين، لذلك لا نشاهد الدولة السورية بحالة خوف من هذه المسالة لادراكها استحالة تكون هذا الكانتون بشكل ثابت وراسخ…وبرأيي ان الوجود الامريكي في المنطقة بمنبج وغيرها هو وجود مؤقت ستضطر امريكا عاجلا ام اجلا الى التخلي عن وجودها هناك لأن مقومات الاستمرار ليست موجودة بأي شكل من الاشكال، هي فقط تحاول الأن ان تسرق بعضا من هذا النصر الذي يتحقق وتحاول تثبيت وضعها بعد سلسلة التراجعات التي عانت منها وهذا سبب اساسي هو الانتصارات التي تتحقق سواء في سوريا او العراق لأن المشهد القادم هو مشهد مبشر…البارحة كنا امام تصريح لرئيس وزراء العراق عن امكانية مشاركة بلده في مطاردة تنظيم “داعش” خارج الحدود العراقية وعندما يصدر هكذا تصريح يعني ان هناك تنسيقا ما يحصل في هذا الاتجاه…”
وراى الخبير العسكري ان “البعد الميداني الآن لمعركة امريكا بالمنطقة سواء في العراق او سوريا وسبب تواجدها الرئيسي ودعمها للقوات الكردية وفي الخفاء لتنظيم دعش هو منع اعادة الربط الجدية للطريق الواصل بين بغداد وسوريا و لبنان وصولا الى طهران…الاستمرار في قطع الطريق…والعمليات القادمة باعتقادي بعد الموصل في منطقة القائم والرمادي هذا المثلث الذي لاتزال “داعش” موجودة فيه والذي ستقوم القوات العراقية بمعالجة هذا الوجود عبر عمليات لاحقة…لا يمكن باعتقادي للقوات العراقية ان تقضي على “داعش” ولا تقدم الى البوكمال…وكنا امام نموذج في قيام الطائرات العراقية بتنفيذ غارات بالبوكمال بالتنسيق مع الدولة السورية، فهذا النموذج يمكن ان يتكرر على المستوى البري، وبالتالي هذه هي آفاق المعركة القادمة، لهذا قلت إن المشهد معقد ومتداخل يحتاج الى الكثير من الحذر والمرونة في التعاطي مع تفاصيله الميدانية اليومية”.