الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / 192 الشهيد جلال آقا مراد آداوخان – أبو ليلى

192 الشهيد جلال آقا مراد آداوخان – أبو ليلى

ولد جلال في محافظة البصرة الفيحاء، أم المجاهدين والشهداء، عام 1964، وسط أسرة مؤمنة ربته على حب النبي وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم.
أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة ثم دخل الاعدادية ولم يكملها لشمول أسرته بقرار الابعاد القسري الذي أصدره صدام وقيادة حزبه المشؤوم والذي طال عشرات الآلآف من أبناء العراق.
فوجئت تلك الاسرة المؤمنة بالأبواب تطرق ليلًا، واذا بأزلام الأمن البعثي وكلابه المسعورة تقتحم منزلهم وتجبرهم على تركه وكل مايملكون، دون رحمة فأنى لخريجوا مدرسة عفلق وصدام الرحمة؟!
نقل جلال وأسرته إلى أحد مراكز التسفير، ثم من هناك إلى قضاء علي الغربي شمال محافظة ميسان، ومنه إلى الحدود الايرانية فوصلوا الجمهورية الإسلامية بتاريخ 06/04/1980م، في حالة مأساوية بعد مسير ليلة كاملة.
سكنوا في مدينة دهلران، وبعد نشوب الحرب التي شنها صدام على الجمهورية الاسلامية انتقلوا إلى مدينة إيلام، ومنها التحق جلال بالمجاميع الجهادية العاملة ضد الزمرة البعثية المجرمة، مشاركًا في العديد من العمليات.
كانت مدينة إيلام تتعرض لقصف جوي باستمرار فقد دمرت معظم مبانيها، مما اضطر الأسر للأنتقال إلى مناطق آمنة، وبين تلك الأسر أسرة جلال التي اتخذت من مدينة قائمشهر مسكنًا لها.
لم يهدأ لجلال بال حيث كان أخوه الأصغر جليل الذي التحق بقوات بدر يقص له ولأصدقائه قصص المجاهدين وبطولاتهم فعن ذلك يقول صديقه المجاهد أبوفلاح الثوري «كان جليل يتحدث لنا عن لواء بدر وعن بطولات المجاهدين، فقررنا أنا وابن عمي سمير( ) وجلال الذهاب إلى مدينة طهران للتطوع في صفوف المجاهدين، ثم انطلقنا ووصلنا الى مقر تعبئة المجاهدين، فطلبت صور شخصية لكل واحد منا، ولم يكن بحوزتنا نقود كافية، فاتصلت بأحد أقربائي لاقتراض مبلغ من المال، لكننا عندما التقينا به قال لي،وجدت لك عملًا في أحد المعامل، فقلت له نحن عازمون للذهاب إلى معسكر المجاهدين، ولا يغرينا العمل أو البقاء في المدينة، واحسست في حينها ان ذلك إبتلاء واختبار لنا فلم أبح له عن احتياجنا.
ويستمر الأخ أبوفلاح في تلك القصة فيقول «عرف أحد أفراد التعبئة بأننا محتاجون لمبلغ من المال فأعطانا مبلغًا وقال هذا ليس قرضا، بل هو لكم لأنكم تريدون به الذهاب إلى ميادين الجهاد، وما أستطيع ان أصف الفرحة التي غمرتنا، فقد أكتمل تطوعنا وملأنا الاستمارات، ثم أرسلنا إلى معسكر مالك الأشتر، وهناك اختبرنا بالاجابة عن بعض الأسئلة، وأخبرنا بعد ساعة بأننا مقبولون، ففرحنا فرحا شديدا، وسالت منا دموع الفرح، ثم ناولونا بطاقات قائلين تستطيعون بواسطتها السفر بالقطار… .
ويستمر المجاهد أبوفلاح الثوري في وصفه لذلك السفر الإلهي والمشاعر التي كانوا يعيشوها فيقول «سلّمنا أحد الاشخاص تذاكر السفر وأعطانا مبلغا من المال، فشكرناه وانطلقنا إلى محطة القطار للسفر إلى مدينة الأهواز. نسينا من فرحتنا حتى الجوع، وتذكرنا أننا لم نتناول طعام الغذاء، فقمنا بشراء بعض الطعام وكلنا أمل وشوق لوقت حركة القطار، ثم ركبنا وبعد مسير ليلة كاملة، لاحت لنا شعلة النار المنبعثة من احتراق الغاز من ابراج النفط في مدينة الأهواز. تعانقنا لشدة فرحنا…
إلى أين يذهب أولئك الشباب ولم هم فرحون؟! ألم يذهبوا إلى الحرب وإلى العمليات الجهادية؟! ألم يذهبوا إلى المتاعب والصعوبات، والجرح أو القتل؟! فماذا يفرحهم ولم هم مستبشرون؟
هكذا كان حال المجاهدين، أما في المعسكر الآخر فقد كان الجندي العراقي يهرب دائما ويعود بالاجبار بعد ان تسجن أسرته ولم يفرج عنها الا بعد تسليم نفسه، فقد يؤدي هروبه إلى الإعدام، هذا اذا سلم من فرق الإعدام التي كانت بانتظاره إذا فر من القتل أو الأسر.
إنه الايمان، إنها العقيدة، فالجندي في الجيش العراقي يعلم أنه يشارك في حرب لا ناقة له فيها ولاجمل، ويعلم أنه يقاتل في سبيل صدام وأسياده، إن قاتل فهو يدافع عن ظالم قتل خيرة أبناء شعبه، وإن هرب فمصير أسرته السجن والتعذيب والاعدام، أما المجاهد فهو يقاتل ظالمًا حكم شعبا بالحديد والنار، قتل وسجن شرد خيرة أبناء ذلك الشعب، فان قُتل فهو شهيد في سبيل الله، وان جُرح أو أصابه شيء، فجزاءه مثوبة من الله ورضوانا.
وصلوا إلى معسكر المجاهدين في مدينة الاهواز الذي ضم بين ثناياه خيرة أبناء العراق من مختلف قومياتهم ومذاهبهم فاجتمعوا لمقارعة النظام الفاسد في العراق، ففرحوا لرؤيتهم بزي الجهاد فتعانقوا مرة اخرى، وحمدوا الله الذي حقق لهم أمنيتهم، وشكروه على توفيقه.
دخلوا دورة تدريبية مكثفة على أنواع الاسلحة بتاريخ 17/05/1985 ثم دورة أخرى على استخدام الأجهزة اللاسلكلية وبعد اجتيازهما نسبوا على فوج الامام موسى الكاظم عليه السلام.
وعن كيفية ارسالهم بأول واجب جهادي يقول المجاهد أبوفلاح الثوري «جاء خبر تحرك فوج الامام موسى الكاظم ونودي بأسماء الذين شملهم الواجب الجهادي، وكنت أشاهد الذين لم تطلب أسماءهم يجهشون بالبكاء، فالجميع كانوا يتمنون ان ينادى باسمائهم لكي يذهبوا إلى خطوط المواجهة، والحمدلله نودي باسمائنا — انا وجلال وسمير — ففرحنا فرحا شديدا.
انطلقت السيارة بالمجاهدين متجهة صوب الاهوار، وبعد ساعتين وصلوا منطقة الطبر على حافة هور الحويزة من الجهة الايرانية، ومن هناك استقلوا زوارق متجهين إلى عمق الاهوار. لم يكن ابوليلى واخواه قد شاهدوا الاهوار من قبل، لكنهم كانوا فرحين لشوقهم وتلهفهم إلى سوح الجهاد ومواقع المواجهة، وكانوا يسمعون اصوات الانفجارات تزداد كلما تقدموا في العمق، إلى ان وصلوا إلى مقر الفوج في شط الدوب، ومن هناك ارسلوا إلى بحيرة ام النعاج.
كانت تلك اول تجربة لأبي‌ليلى واخويه، لكنهم عقدوا العزم على تذليل كل الصعوبات والصبر والتحمل امام قساوة الطقس في فصل الصيف، وما هي الا أشهر حتى أصبح المجاهدون أسياد الأهوار وقد سيطروا على كافة مناطقه.
اصبح أبوليلى مخابرًا في مقر فوج الإمام موسى الكاظم، اما اخواه فتفرقا في سراياه، ثم اجتمعوا مرة اخرى في مقر الفوج، بعنوان مخابرين لاسلكي في عمليات عاشوراء بتاريخ 23/10/1985. كان لمسؤولي الفوج الأثر الكبير في بناء شخصية أبي‌ليلى وبقية المجاهدين لما يحملوه من اخلاق وسلوك وتدين وتعامل مع الافراد، عن ذلك يقول المجاهد أبوفلاح «بدأت عمليات عاشورا، فكلفنا بواجبات مع كمائن استقرت في مناطق مختلفة، تحسبًا لأي تحرك للعدو في ليلة العمليات أو ما بعدها، وكنا نتابع انتصارات اخوتنا عن طريق الأجهزة اللاسلكية، فكنا نفرح بانتصاراتهم، ونحزن لعدم مشاركتنا العملية في الهجوم..
نقل معاون آمر فوج الإمام موسى الكاظم الحاج أبوتماضر( ) إلى وحدة التدريب في معسكر الشهيد الصدر، فحزنّا كثيرًا وأحسسنا بالفراغ لكونه كان يمتلك طريقه خاصة لا أستطيع وصفها في التعامل مع الافراد، ولحسن الحظ تولى أبوطارق البصري( ) إمرة الفوج فسعدنا بشخصيته الكبيرة.
من بعد الأهوار، كلف المجاهدون بواجب في كردستان العراق فبتاريخ 01/09/1986م، شنوا هجومًا على مواقع العدو في حاج عمران، وحرروا مرتفعات گردمند وكردكوه، وكان من بين الذين استشهدوا في ذلك الهجوم جليل — أخو أبي‌ليلى.
عن ردة فعله عندما أخبر بأستشهاد أخيه جليل، يقول الأخ أبوفلاح «أخبرني أبوطارق البصري بأن جليلا قد استشهد، ولا يستطيع هو إخبار أبي‌ليلى، وطلب مني اخباره، فقلت لأبي‌ليلى بأنه قد منحنا — أنا وأنت — إجازة فدعنا نسافر إلى أهلنا في ايلام، فقال قد يحتاجونني هنا، ورفض السفر، فاضطررت لإخباره باستشهاد أخيه، فقال: هنيئًا له، قد أصبح عريسًا وتركني، وانصرف فتبعته وقلت له بأنه يجب علينا أن نشارك في مراسم تشييع جنازته، فقال: إن شاء الله، وأضاف: الشهادة باب من أبواب الجنة، وأخي أهلًا لها، أما أنا فلست مستحقا لها. عجبت لجوابه ثم أقنعته بالذهاب، ورافقنا السيد أبوايمان الحلو للمشاركة في مراسم العزاء، فشاهدنا هناك تجمعا كبيرا للعشائر من الرجال والنساء، فقال لي أبوليلى، من يشيعني مثل أخي! أرجوك اذا جاء والديّ، لا تبكي أمامهما.
بتلك الروحية وبذلك اليقين كان المجاهدون يستقبلون الشهيد والشهادة، وما موقف أبي‌ليلى الا مثالًا لتلك المواقف التي لا نجد مثيلًا لها الا في صدر الاسلام الاول واصحاب علي والحسين عليهما السلام، فقد امتاز أبوليلى بصلابة الموقف والتسليم لأمر الله وبعشقه للشهادة.
بعد أشهر من عمليات حاج عمران، قام مقاتلو فوج الامام موسى الكاظم بالتدريب ثم الاستعراض داخل معسكر الشهيد الصدر في الأهواز، استعدادًا للقيام بواجب جهادي شرقي مدينة البصرة.
وعن ساعة الإنطلاق نحو منطقة العمليات، يقول المجاهد أبوفلاح الثوري «قال أبوطارق لأبي‌ليلى ان أخاك قد استشهد قبل أربعة أشهر، فعليك البقاء في المعسكر، ورجوناه كذلك، فلم يجينا وكأن الكلام كان لا يعنيه…. وعاد إلى مكانه في المعسكر، ثم انطلقنا نحو منطقة العمليات، وعند وصولنا فوجئنا بأبي‌ليلى بين صفوفنا… .
تقدم أبوليلى نحو العدو وأخذ يطارد البعثيين من موقع إلى آخر فقتل منهم مجموعة، وكان يشد عزائم اخوته المجاهدين، ولما رأى أحد المجرمين يطلق النار من غرفة طينية كانت امامهم، سدد أحد صواريخ قاذفته الآربي‌جي7، فأصابها فتهدمت فوق رأسه، واستمر يتنقل ويتقدم كالليث الغضبان نحو مواقع العدو، واذا بقذيفة مدفع تقع بالقرب منه، فأصيب وسال الدم من بطنه، فعرجت روحه إلى ربها راضية مرضية بتاريخ 21/01/1987، وبقي جسده مفقودًا ولم يعثر على رفاته.
وبرحيله انطوت صفحة من أنصع صفحات الجهاد، لكنها ستبقى نورًا ونبراسًا للأجيال يستلهمون ويتعلمون منها الدروس والعبر.
السلام عليك يا أبا ليلى يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا
وسلام على أخيك جليل وعلى جميع شهداء الاسلام.

 

https://t.me/wilayahinfo

3

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...