المحاضرة الثانية: المهدي (عليه السلام) عشق هادف – السيد منير الخباز
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم:
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ) (النمل: 62).
الآية المباركة دلَّت على أنَّ المضطرّ إذا دعا ربّه استحقَّ الإجابة، ولكن البحث يقع في ما هو المقصود بالمضطرّ في الآية المباركة؟
فهنا رأيان:
الرأي الأوّل: ما ذكره السيّد الطباطبائي (رحمه الله) في (تفسير الميزان)(1) أنَّ المضطرّ هو الإنسان المنقطع إلى الله بدلالة آيتين في القرآن تفسّر إحداهما الأخرى:
الآية الأولى: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60)، وظاهر هذه الآية أنَّ الدعاء الحقيقي يستلزم الإجابة، مع السكوت عن ماهية وجوهر الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة.
بينما جاءت آية أخرى فسَّرت معنى الدعاء الحقيقي وهي قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل: 62)، يعني أنَّ الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة هو دعاء المضطرّ، لأنَّه هو الذي يوقن بفشل جميع الأسباب المادية، فالإنسان مثلاً إذا أصابه مرض خطير وأيقن أنَّ جميع الأسباب المادية فشلت في علاجه، أو أصابه خطر وأيقن أنَّ جميع الأسباب المادية فاشلة في تخليصه ونجاته من الخطر، فمثل هذا الإنسان ينقطع إلى الله لأنَّه يدرك أن لا سبيل أمامه إلاَّ الله فيلجأ إلى ربّه، إذن المراد بالمضطرّ هو الإنسان الذي ينقطع إلى ربّه في حالات شدّة البلاء وشدّة الخطر وهو الذي وُعد باستجابة دعائه.
الرأي الثاني: أنَّ المراد بالمضطرّ في الآية الكريمة هو الإمام المنتظر (عليه السلام)، لوجهين:
الوجه الأوّل: الروايات:
فعندنا معتبرة محمّد بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام) في قوله الله عز وجل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)، قال: (هذه نزلت في القائم (عليه السلام)، إذا خرج تعمَّم وصلّى عند المقام وتضرَّع إلى ربّه فلا ترد له راية أبداً)(2).
وعندنا أيضاً رواية صالح بن عقبة، عن الصادق (عليه السلام)، قال: (نزلت في القائم من آل محمّد (عليهم السلام)، هو والله المضطرّ إذا صلّى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض)(3).
الوجه الثاني: القرينة السياقية في الآية:
في الآية قرينة على أنَّ المراد بالمضطرّ هو الإمام، لأنَّ في ذيلها: (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ)، فعبَّرت الآية بتعبير: (خليفة الأرض) ولم تعبّر (خليفة في الأرض)، وهناك فرق بين التعبيرين، فعندما نقول: (الإنسان خليفة في الأرض) فهو قابل للصدق على الجميع فإنَّ كلّ إنسان بمقدوره القيام بهذا الدور، دور الخلافة في الأرض، إذ كلّ إنسان يستثمر الأرض، يستثمر الطبيعة طبقاً لقوانين السماء يكون خليفة في الأرض؛ لأنَّه استثمر الأرض على ضوء قوانين السماء.
أمَّا (خليفة الأرض) فهو أعظم من هذا، فإنَّ خليفة الأرض الذي يسيطر على الأرض كلّها وهو الذي تخضع له الأرض كلّها بكنوزها ومعادنها وبركاتها، والقرآن استخدم التعبيرين. فعندما خاطب آدم قال: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: 30)، وعندما خاطب النبيّ داود (عليه السلام) قال: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ) (ص: 26)، ولكن عندما جاء يخاطب أمّة النبيّ محمّد لم يقل: خليفة في الأرض أو خلفاء في الأرض، بل قال: (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ) (النمل: 62)، إذن أمّة النبيّ وُعدت من قِبل الله عز وجل بخلافة الأرض كلّها وليس خلافة في الأرض، فإنَّ الخلافة في الأرض قام بها داود وآدم وغيره، أمَّا أمّة النبيّ وُعدت بشيء أكبر من هذا، وهو أن تكون لها الأرض كلّها ببركاتها ومعادنها وكنوزها.
وتحقّق هذا الوعد _ وهو أن تكون أمّة النبيّ خليفة الأرض _ إنَّما يتمّ في يوم الظهور، فإلى الآن لم يتحقَّق لأمّة النبيّ هذا الوعد، إذن ذيل الآية قرينة على أنَّ المراد بالمضطرّ ليس هو كلّ إنسان يضطرّ وكلّ إنسان ينقطع، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ).
فالمضطرّ هو الإنسان الذي بيده وعلى عاتقه تحقّق الأمّة الإسلاميّة خلافة الأرض، وذلك الإنسان إنَّما ينطبق على الإمام المنتظر (عليه السلام)، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5).
لذلك عندما تدعو أنت بهذه الآية: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) لا بدَّ أن تلتفت إلى أنَّك تقصد الإمام المنتظر، أي كأنَّك تتوسَّل إلى الله ببركة الإمام المنتظر أن يكشف عنك الضرّ والبلاء فهو المضطرّ، كما نقرأ في دعاء الندبة: (أيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي يُجَابُ إِذَا دَعَا)(4)، فمن هنا ننطلق في الحديث عن علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر وبأهل البيت (عليهم السلام).
وعندنا ثلاثة محاور مختصرة:
المحور الأوّل: في تحليل علاقتنا بأهل البيت (عليهم السلام):
هناك فريقان من المسلمين، الفريق الأوّل يقول: حبّ النبيّ وأهل بيته ليس له قيمة ولا موضوعية، وفريق آخر من المسلمين يقول: حبّ النبيّ وأهل بيته له قيمة وله موضوعية، فعندنا اتّجاهان، اتّجاه حرفي لا يعترف بقيمة الحبّ، واتّجاه موضوعي يعترف بقيمة الحبّ، ونحن نشرح الاتّجاهين:
الاتّجاه الأوّل: الاتّجاه الحرفي:
وهو ما يقول به بعض السلفيين _ وليس كلّهم _، وهو يعتمد على عنصرين:
العنصر الأوّل: إنَّ المطلوب حبّ الله لا حبّ النبيّ وآله، وحبّ النبيّ لأجل أنَّه داعية إلى الله وإلاَّ فحبّه في حدّ ذاته ليس مطلوباً، وذلك لأنَّ النبيّ مكوَّن من جانبين: جانب شخصي وجانب دعوي.
الجانب الشخصي: علاقة النبيّ بزوجته، وعلاقة النبيّ بابنته فاطمة، وعلاقة النبيّ بصهره أمير المؤمنين، فهذه قضايا شخصية.
الجانب الدعوي: وهو كون النبيّ داعياً إلى الله، قال تعالى في الآية المباركة: (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللَّهِ) (الأحزاب: 45 و46)، ونحن نحبّ النبيّ ليس في الجانب الشخصي، بل في الجانب الدعوي، وبعبارةٍ أخرى فإنَّ هذا الاتّجاه يقول: الحبّ المطلوب هو حبّ الله، فالنبيّ بما هو داع إلى الله نحبّه لا بما هو شخص له زوجة، له بنت، له صهر، وعنده علاقات.
العنصر الثاني: أنَّ الحبّ لا قيمة له والمدار على العمل لا على الحبّ، فهذا القرآن ينادي أنَّ القيمة للعمل وليست للحبّ، لاحظ القرآن الكريم يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31)، أي المهمّ هو الاتّباع وليس الحبّ، وقال القرآن الكريم: (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة: 108)، ولم يقل: يحبّ من يحبّه وإنَّما قال: يحبّ العمل، أمَّا الحبّ فلا موضوعية له ولا قيمة له في حدّ ذاته، والاحتفال كلّ عام بأهل البيت مولداً ووفاةً ليس له قيمة والقيمة للعمل والحبّ لا موضوعية له.
الاتّجاه الثاني: الاتّجاه الموضوعي:
هو الذي تراه الشيعة الإماميّة وبعض المذاهب الإسلاميّة الأخرى، حيث يُقرِّر أنَّ الحبّ له قيمة وله موضوعية، ويمكن توضيح هذا الاتّجاه بدعائم ثلاث:
الدعامة الأولى: نحن في التراث الإمامي ليس عندنا تفكيك وتفصيل فلا نقول: إنَّ الرسول له جانب شخصي وجانب دعوي، بل إنَّ ذات النبيّ بتمام حركاته، بتمام سكناته، بتمام جهاته، مظهرٌ لله فليس فيها جانبان، وكلّ نبيّ، كلّ حجّة ليس فيه جانبان شخصي ودعوي، ونستدلُّ عليه بالقرآن الكريم. فعندما تحدَّث عن الأنبياء والأوصياء والحجج لم يفصّل، فلم يقل: أحبّوهم في الجانب الدعوي لا في الجانب الشخصي، فهو قد تناول شخصياتهم بعبارات تعبّر عن أنَّ ذواتهم مصفَّاة خالصة وكلّها مظهر لله، مثلاً قوله: (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَْيْدِي وَالأَْبْصارِ * إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) أي جعلنا ذواتهم خالصة صافية لله، (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَْخْيارِ) (ص: 45 _ 47)، وعندما تكلَّم عن موسى (عليه السلام) قال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) أي إنَّه كان مصفَّى (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (مريم: 51)، يعني أنَّه بالإضافة إلى الجانب الدعوي رسولاً ونبيّاً أيضاً هو في الجانب الشخصي مُخلَص.
وعندما يتحدَّث القرآن عن يوسف (عليه السلام): (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف: 24)، إذن هذا التعبير يؤكّد لنا أنَّ الأنبياء والأوصياء ليس لديهم جانب شخصي وجانب دعوي، بل هم ذات صافية لله.
ونأتي إلى تعبير آخر، تعبير الاصطناع، فعندما يتحدَّث القرآن عن موسى (عليه السلام): (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي أنا صنعتك صناعة كاملة، (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طه: 39 _ و41).
إذن هناك اصطناع، هناك اصطفاء، هناك تخليص، هناك تعبيرٌ رائع عبّر به القرآن الكريم بخصوص أهل البيت (عليهم السلام): (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33)، أي نقاكم من جميع الشوائب والأدران وجعل ذواتكم ذواتاً صافية طاهرة خالصة لله تبارك وتعالى.
فذات النبيّ وأهل بيته ذوات خالصة، لذلك يذهب التراث الإمامي إلى أنَّ تقسيم ذواتهم إلى شخصي ودعوي ليس له معنى، فالنبيّ كلّه مظهر لله، والإمام كلّه مظهر لله، كلّه حجّة لله بتمام حركاته وسكناته (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) (النجم: 3 و4).
الدعامة الثانية: إنَّ حبّ النبيّ وأهل بيته حبّ فطري، لا يمكن القول بأنَّه حبّ لا قيمة له، لأنَّ علماء العرفان يقسّمون الحبّ إلى ثلاثة أقسام:
1 _ الحبّ الشهوي: وهو الذي يدور مدار اللذّة والشهوة، مثل قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَْنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران: 14)، وحبّ المرأة، حبّ الأولاد، حبّ الدنيا، كلّه داخل في إطار الحبّ الشهوي.
2 _ الحبّ الإنساني: وهو حبّ الإنسان لأبيه، وحبّ الإنسان لاُمّه، فإنَّ هذا الحبّ إنساني يدور مدار الألفة.
3 _ الحبّ الفطري: وهو حبّ الكمال، فإنَّ كلّ إنسان وُلد وهو يحبّ الكمال، ويحبّ الجمال، لأنَّ حبّ الكمال وحبّ الجمال حبٌّ فطري، يقول القرآن الكريم: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات: 8)، والخير هو الجمال والكمال.
فلماذا يحبّ الإنسان الله؟ لأنَّ الله كمال والإنسان بفطرته يحبّ الكمال، ولماذا يحبّ الإنسان محمّداً وآل محمّد؟ لأنَّ محمّداً كمال والإنسان يحبّ بفطرته الكمال، فالإنسان إنَّما يحبّ الله والنبيّ وأهل البيت لا لشيء، بل لأنَّ فطرته تدعوه لحبّهم، لأنَّه بفطرته يحبّ الكمال وهم مظهر للكمال فلذلك يحبّهم، لهذا لا معنى لكلام بعض السلفية بأنَّ حبّهم لا قيمة له، مع أنَّه حبّ دعت إليه الفطرة، والحبّ الفطري قيمته بفطرته وبصفائه وبنقائه، لذلك هذا الحبّ الفطري لا يختَّص بالشيعة، فكلّ إنسان يطَّلع على سيرة أهل البيت يحبّهم بفطرته، فهذا بولس سلامة شاعر مسيحي، عندما قرأ شخصية الإمام علي (عليه السلام) قال:
جلجل الحقّ في المسيحي حتَّى *** عُدَّ من فرط حبّه علويا
أنا من يعشق الفضيلة والإلهام *** والعدل والخِلاق الرضيا
فإذا لم يكن عليٌ نبيّاً *** فلقد كان خُلُقه نبويا
يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي *** واخشعي إنَّني ذكرت عليا
جلجل الحقّ في المسيحي حتَّى
|
عُدَّ من فرط حبّه علويا
|
الدعامة الثالثة: كما ذكرنا سابقاً فقد اتَّجه بعض السلفيين إلى القول بعدم قيمة الحبّ للنبيّ وآله، وبعبارة أخرى لو أنَّ إنساناً اتَّبع النبيّ اُدخل الجنّة وإن لم يكن في قلبه عاطفة نحو النبيّ.
ولكن الحقّ كما أنَّ العمل له قيمة فإنَّ الحبّ أيضاً له قيمة، وكما أنَّ العمل سببٌ لاستحقاق الجنّة، فإنَّ الحبّ أيضاً سببٌ لاستحقاق الجنّة، وهناك أدلّة من القرآن الكريم:
قال تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى: 23)، ولو لم يكن للحبّ قيمة لقال القرآن: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ العمل والاتّباع للنبيّ)، فذكر المودَّة دليل على أنَّ لها موضوعية، ويقول تعالى على لسان النبيّ إبراهيم (عليه السلام): (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) (إبراهيم: 37)، ولو لم يكن الحبّ ذا قيمة فلماذا يدعو به إبراهيم؟ إنَّ دعوة إبراهيم دليل على أنَّ للحبّ قيمة وموضوعية عند الله، وإلاَّ لما دعا به نبيّ صالح يعرف مراد ربّه تبارك وتعالى.
وآية ثالثة يخاطب القرآن النبيّ موسى (عليه السلام) فيقول: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه: 39)، ومعناها إنَّ حبّ النبيّ موسى له قيمة، ولذلك اعتبره الله نعمة من النعم، وغيرها آيات قرآنية ترشد إلى أهمّية الحبّ.
والسُنّة أيضاً تؤكّد على أنَّ للحبّ قيمة وموضوعية، فالثعلبي في تفسيره يروي عن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشَّره ملك الموت بالجنّة، ثمّ منكراً ونكيراً، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله تعالى زوّار قبره ملائكة الرحمن، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان من الجنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة)(5).
ويقول القرآن الكريم: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف: 157)، ما معنى (عَزَّرُوهُ)؟ تعزير الشخص معناه إظهار المحبّة له، فلولا أنَّ إظهار المحبّة مطلوب لما ذكره القرآن من جملة الأمور المطلوبة تجاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالاحتفال بالنبيّ وآل بيته مولداً ووفاةً كلّه من قبيل التعزير، إذن الحبّ له موضوعية وله قيمة، وهذا ما أدركه الإمام الشافعي عندما قال:
يا راكباً قف بالمحصب من منى *** واهتف بساكن خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حبّ آل محمّد *** فليشهد الثقلان أنّي رافضي
يا راكباً قف بالمحصب من منى
|
واهتف بساكن خيفها والناهض
|
المحور الثاني: حبّ آل البيت (عليهم السلام) له قيمة وموضوعية عظيمة:
لكن هنا شبهة ركَّزت عليها بعض الأقلام، وهي أنَّ التراث الشيعي الإمامي يربّي الشيعة على عاطفة سوداء وهي عاطفة الإحساس بالمظلومية والإضطهاد، فمناسبات الحزن عند الشيعة أكثر من مناسبات الفرح، وإذا قرأت أدبياتهم، أدعيتهم، زياراتهم وجدت أنَّها تركّز على المظلومية والحزن والأسى، وهكذا علماء الشيعة، خطباء الشيعة، كتب الشيعة، دائماً يربِّون الشيعة على أنَّهم فئة مظلومة، مضطهدة، مسلوبة الحقوق، مسلوبة الحياة.
مثلاً، خذ هذا الدعاء الذي يقرأه الشيعة للإمام المنتظر (عليه السلام): (اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيَّنَا صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيَّنَا، وَكَثْرَةَ عَدُوَّنَا) يعني أنَّنا مضطهدون، (وَقِلَّةَ عَدَدِنَا، وَشِدَّةَ الْفِتَن بِنَا، وَتَظَاهُرَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا، فَصَلّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأعِنَّا عَلَى ذَلِكَ بِفَتْح مِنْكَ تُعَجَّلُهُ، وَبضُرًّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطَانِ حَقًّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلّلُنَاهَا، وَعَافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُنَاهَا، بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)(6)،
فإنَّ هذه الفقرات تُربّي الشيعة على أنَّهم فئة مظلومة مضطهدة مسلوبة الحقوق، وأنَّها هي أقلّ من غيرها، وهذه التربية تربية خطيرة جدَّاً، لأنَّ علم النفس الاجتماعي يقول: الإنسان إذا رُبّي على أنَّه مظلوم، على أنَّه مضطهد يعيش عقدة النقص، وإذا عاش عقدة النقص ترتَّب على ذلك أثران سلبيان:
الأوّل: العزلة عن المجتمع.
الثاني: روح النقمة والحقد على المجتمع.
وحيث إنَّ عموم الشيعة يُربَّون على أنَّهم مجتمع ناقص فهذا يسبّب انعزالهم عن المجتمع الإسلامي، وتخلّفهم عن بناء الحياة وبناء الحضارة وأنَّهم يحملون روحاً نَقِمة على المجتمع الإسلامي، بحيث لو اُعطوا فرصة لانتقموا من أبناء المذاهب الإسلاميّة الأخرى لأنَّهم رُبُّوا على أنَّهم فئة مظلومة مضطهدة، لأجل ذلك هم يعيشون روح الحقد والضغينة على أبناء المجتمع الإسلامي.
ونحن في الجواب عن هذه الشبهة نقول:
أوّلاً: التراث الشيعي يشتمل على الشكوى، وهذا أمر صحيح، ولكن الشكوى إلى الله تبارك وتعالى لا تُربّي الإنسان على الانتقام، وإنَّما تُربّي عنده الإرادة والصبر على مصاعب الحياة.
فإنَّ الإنسان عندما يمرُّ بظروفٍ قاسية لمن يشكو؟ يشكو إلى ربّه، لأنَّها تعلّمه على أن ينطلق بحيوية جديدة ويصارع الحياة بإرادة حازمة، والشكوى إلى الله شحنة روحية تغذّي الإرادة والحزم لدى الإنسان لا أنَّها تربّي الإنسان على روح الانتقام، وخير دليل ما صنعه النبيّ يعقوب (عليه السلام) حيث قال تعالى حكاية عنه: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ * قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (يوسف: 84 _ 86)، فشكوى يعقوب لا لأجل الانتقام من أولاده، وإنَّما من أجل أن يتجدَّد عزمه وتقوى إرادته أمام مصاعب الحياة.
وهكذا بالنسبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكره ابن الأثير في (البداية والنهاية) وكذا في (السيرة الحلبية) عندما ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام أغروا سفهاءهم وعبيدهم، حتَّى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط ورفع يديه إلى السماء، قال: (اللّهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوَّتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجمهني أم إلى عدوًّ ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي…)، فجاءه جبرئيل (عليه السلام) فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فقال له ملك الجبال: يا محمّد قد بعثني الله، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربّك لتأمرني ما شئت إن شئت تطبق عليهم الأخشبين _ يعني جبل قينقاع وجبل بني قبيس _، قال: (أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً)(7)، فالشكوى إلى الله صارت سبباً للأمل وليست سبباً للانتقام، صارت سبباً للتفاؤل وليست سبباً للتشاؤم.
ونحن الشيعة الإماميّة عندما نشكو إلى الله قلّة عددنا وضعف قوَّتنا فهذا سبب للتفاؤل وليس سبباً للتشاؤم، وليس سبباً على تربية أبنائنا على روح النقمة، وإنَّما هو رصيدٌ روحي نستعين به أمام مصاعب الحياة.
ثانياً: لا يستطيع أحد أن يطلب من الشيعي أن يغمض عينيه عن التاريخ كلّه، وتاريخ المظلومية، وتاريخ الاضطهاد خصوصاً في ظلّ الحكومة الأموية والعبّاسية، فمن الطبيعي إذن أن يركّز التراث الإمامي على الحزن، بل في بعض أدبياتنا عن الإمام السجّاد (عليه السلام):
يفرح هذا الورى بعيدهم |
ونحن أعيادنا مآتمنا (8) |
وعندنا أحاديث ترسّخ الحزن في نفوسنا، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): (من تذكَّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(9).
لكن هل الهدف من هذا التراث، تراث الحزن، تراث الأسى، هو تربية الشيعة على روح الحقد والضغينة على أبناء المذاهب الإسلاميّة الأخرى؟ هل الهدف منه تربية الشيعة على الانتقام من أبناء المذاهب الإسلاميّة الأخرى؟ لا، أبداً، وإنَّما هذا التراث الحزين الذي يتَّصل بتاريخ الشيعة من زمان الإمام علي (عليه السلام) وإلى زمان ظهور الحجّة (عليه السلام)، الهدف منه تربية الشيعي على رفض الظلم والطغيان، ورفض الأوضاع الفاسدة، وأهل البيت (عليهم السلام) لم يذكروا هذه الروايات جزافاً، فهي تربّينا على الحزن والأسى والعواطف الملتهبة، وليس عندنا في تراث الشيعة نصّ واحد ولا رواية صحيحة تأمرنا بالحقد أو الضغينة والانتقام من المسلمين إطلاقاً، فالإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم، فإنَّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر…)(10).
وعنه (عليه السلام) يقول: (إنَّ كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذّنهم، وصاحب أماناتهم وودائعهم، عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وصلّوا في مساجدهم، ولا يسبقوكم إلى خير، فأنتم والله أحقّ منهم به)(11)، إنَّ هذه الروايات تأمرنا بالمعاملة الأخوية التامّة مع أبناء المذاهب الإسلاميّة الأخرى.
المحور الثالث: علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر (عليه السلام):
هناك مقالة تتحدَّث عن علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر (عليه السلام)، تقول: من قرأ دعاء الندبة _ وهو دعاء معروف بين الشيعة _ يتَّضح له أنَّ هذا الدعاء وأمثاله يربّي الشيعة على البكاء والاستغراق في العاطفة والانشغال عن المبادئ والقيم، والاغراق في الحزن على حساب المبادئ والقيم تربية سيّئة، تربية خاطئة، إذ يقول الدعاء خطاباً للإمام المنتظر (عليه السلام):
(إِلَى مَتَى أحَارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ، وَإِلَى مَتَى وَأيَّ خِطَابٍ أصِفُ فِيكَ وَأيَّ نَجْوَى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ اُجَابَ دُونَكَ وَاُنَاغَى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ أبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرَى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ يَجْريَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَى)، ثمّ يقول: (هَلْ مِنْ مُعِينٍ فَاُطِيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكَاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوع فَاُسَاعِدَ جَزَعَهُ إِذَا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَيْني عَلَى الْقَذَى)(12)،
وهذه تربية على البكاء، تربية على العاطفة، تربية على الدموع على حساب المبادئ، والجواب عن هذا:
أوّلاً: إنَّ ما اُمرنا به هو المودّة وليس المحبّة، يقول القرآن الكريم: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى: 23)، والمودّة تختلف عن المحبّة، فالكثير من المسلمين، بل كلّهم يحبّون أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن هذا ليس المطلوب، بل المطلوب هو المودّة، وهي إظهار الحبّ، ومن جملة مظاهر الحبّ دعاء الندبة، فهو يربّينا على الإحساس بوجود الإمام، وأنَّه يعيش معنا، أنَّه يرانا وأنَّه يراقبنا وأنَّنا نتَّصل به وإن لم نعرف عنوانه واسمه، إنَّ هذا الدعاء يربّينا على شيء طلبه القرآن منّا ألا وهو إظهار المحبّة المعبَّر عنه بالمودّة.
ثانياً: ليس من الصحيح اقتطاع جزء من الدعاء فتؤخذ بعض فقراته ويترك البعض الآخر، فالدعاء كما يربّيك على حبّ آل البيت (عليهم السلام)، يربّيك على العمل أيضاً، ففيه فقرات تأمرك بالعمل، تأمرك بالإطاعة، تأمرك باجتناب المعصية، لاحظ قوله: (وَأعِنَّا عَلَى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ، وَالاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ)، ثمّ يقول: (وَأقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيم، وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ، وَانْظُرْ إِلَيْنَا نَظْرَةً رَحِيمَةً)(13)، وهذه ميزة التراث الشيعي على التراث الآخر أنَّه يؤكّد على أمرين: حبّ وعمل، لا أنَّه يتحدَّث عن العمل وحده وكأنَّنا أدوات أتوماتيكية مبرمجة تعمل طبقًا للأوامر بدون أيّ عاطفة وبدون أيّ محبّة، فهناك عواطف وعمل، لا مجرَّد عمل بدون عواطف ولا عواطف بدون عمل.
فلنكن واقعيين ومنصفين، إذا كانت لنا مودّة حقيقية مع محمّد وآل محمّد فكما نحتفل بمرور السنة الهجرية ونهنّئ بعضنا بعضاً بمرور السنة الهجرية، كذلك نحتفل بذكرى سبط رسول الله، وإذا كان الاحتفال بذكرى سبط رسول الله بدعة كذلك الاحتفال بمرور السنة الهجرية بدعة، فهذه لم تردنا عن السُنّة ولا عن الصحابة، فهل سمعت عن الصحابة أنَّه هنَّأ بعضهم بعضاً بمرور السنة الهجرية الجديدة.
والحمد لله ربّ العالمين