وثيقة حماس التي أعلنها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في عاصمة مشيخة قطر، قبل مغادرته رئاسة الحركة.. ومن خلال قراءة متأنية لاثنين وأربعين نقطة تضمنتها الوثيقة المذكورة، تلغي ميثاق الحركة تماما، وأبقت الباب مفتوحا لتعديلات جديدة، قد يتطلبها دخول الحركة الى دائرة المفاوضات تماما كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما أعلنت وثيقة الاستقلال في العام 1988 بالجزائر، وأفضت بعدها الى توقيع اتفاقية أوسلو.
الوثيقة الحمساوية، جاءت في عهد المكتب السياسي الذي يتزعمه خالد مشعل، الذي سيحل محله قريبا مكتب سياسي جديد، لن يكون مشعل على رأسه، الذي اختار الدوحة ليطلق منها “الوثيقة”، وبالتالي، ستكون ملزمة للمكتب السياسي الجديد ومن أعضائه يحيى السنوار القيادي البارز في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس!!
ولعبت جهات عديدة دورا كبيرا في صياغة وانجاز الوثيقة الحمساوية تحت تبرير السير في طريق واقعي نظرا للظروف التي تمر بها المنطقة والتطورات التي تشهدها، ولا بد من نفي صفة الارهاب عن حماس، فكانت هذه الوثيقة التي لا تختلف عما تطرحه وتؤمن به منظمة التحرير الفلسطينية، فالطرفان المتصارعان، هما الان في دائرة التنازلات والمفاوضات، ومحور الصراع من الان فصاعدا، من الطرف الذي يمثل الشعب الفلسطيني ويتحدث باسمه، خاصة وأن كل جانب له رعاته واصدقاؤه، بل “مسيّروه”!!
ومن بين الجهات التي دفعت حركة حماس الى اعلان الوثيقة الجديدة التي شطبت ميثاقها، تركيا ومشيخة قطر وجماعة الاخوان، وهذه الجهات دعت الحركة الى استغلال الفرص والأوضاع، وحماية نفسها من “الشطب” باصدار وثيقة جديدة، وهي التي أعلنها خالد مشعل من الدوحة عاصمة المشيخة القطرية، وثيقة “انحناء الرأس حتى زوال العاصفة”.. لتخوض بها معركة السيطرة على المشهد السياسي الفلسطيني الحالي، الذي يرى في واشنطن الحامي والداعم.. لكن، ما يقلق رام الله، الان، هو الدور القطري، فالدوحة لها علاقاتها العضوية مع واشنطن، والتحالفية مع جماعة الاخوان، وتسندها تركيا، فهما على مسار واحد ومواقف وتحالفات وتدخلات مشتركة في ملفات المنطقة، لذلك، مع من سيقف حاكم المشيخة مع حماس أم مع السلطة؟!
تقول الوثيقة أن حركة حماس تؤيد اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس.. لكن، لا دولة دون اعتراف باسرائيل ويهوديتها، ويرتبط بذلك، حل لمشكلة اللاجئين تقبل به اسرائيل، مع ضرورة نبذ العنف، واذا كانت حماس معنية بفتح قنوات مع امريكا ودول الغرب، فان الاشتراط الاول، هو أن تتخلى الحركة عن السلاح وتسليمه، وعندها ستبدأ حلقات ومسلسل التنازلات على طاولة المفاوضات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل كافة أجنحة الحركة وقياداتها تؤيد الوثيقة الجديدة، وانفراط عقد الميثاق.. وبالتحديد ما هو موقف الجناح العسكري، كتائب عزالدين القسام، فالوثيقة تترتب عليها أمور كثيرة، وترسم للحركة، المواقف من ملفات المنطقة، وحتى التحالفات، وبناء العلاقات والصداقات؟!
الوثيقة الحمساوية الجديدة، يفترض أن لا تبقي خلافا مع منظمة التحرير الفلسطينية، فكلا الجانبان “في الهوى سوى” و “لا أحد يعتب على أحد).. الجانبان في دائرة المفاوضات معا، وان رفضا الالتقاء، فلا بد من أن يسقط طرفا الآخر.. فعنوان المرحلة القادمة، بالبنط العريض: “السباق الدامي.. للفوز بالرضى الامريكي الاسرائيلي”.
ومن جانب آخر، فان اسرائيل لم تتنازل رغم كل “المغريات” و “حسن النوايا” لم تتخل عن ثابت من ثوابتها، وموقف من مواقفها، في حين أن وثيقة حماس فيها الكثير من التنازلات بشأن قضايا جوهرية، وان قالت مواربة، أن هذا لن يحصل، فهذا ما قالته منظمة التحرير في العام 1988 وحدث شيء آخر، وهو الوصول الى اتفاقية أوسلو، التي جرّدت شعبنا الكثير.
المصدر: المنـار