الوقت – بعد تمكن القوات السورية والحليفة لها لاسيّما قوى المقاومة من تحرير معظم مدن غرب ووسط البلاد من العصابات الإرهابية توجهت هذه القوات في الوقت الحاضر إلى المناطق الشرقية من سوريا التي تحظى بأهمية اقتصادية خاصة لوجود مصادر وفيرة من النفط والغاز والمعادن الثمينة في أراضيها.
والتساؤل المطروح: ما هي الخطة العسكرية التي تنتهجها القوات السورية وقوى المقاومة للسيطرة على المناطق الشرقية من البلاد؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى أن الأجزاء الغربية والمركزية من سوريا والتي تعرف بـاسم “سوريا المفيدة” والتي تضم المدن المهمة ومن بينها العاصمة دمشق وحمص وحلب واللاذقية تمثل في الحقيقة مركز الثقل السكاني والسياسي السوري، فيما تتميز المناطق الشرقية من البلاد بكونها صحراوية وتخضع أجزاء منها إلى سيطرة العصابات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” ومن بينها مدينة “الرقّة” العاصمة المزعومة لهذا التنظيم.
وتواجه القوات السورية تحديات عديدة في هذه المناطق من بينها الوجود العسكري الأمريكي الداعم للقوات الكردية السورية المنضوية تحت قيادة ما يعرف باسم “قوات سوريا الديمقراطية” والتي تسعى للسيطرة على مدينة الرقّة، في حين تسعى الجماعات الإرهابية المنضوية تحت ما يعرف بـاسم “الجيش السوري الحر” إلى اقتطاع أجزاء أخرى من جنوب سوريا وذلك بدعم من القوات الأمريكية والبريطانية المتمركزة في الأراضي الأردنية القريبة من الحدود السورية.
ويعتقد المراقبون بأن هدف أمريكا من هذه التحركات هو فرض سياسة الأمر الواقع كمقدمة لطرح مشروع “تقسيم سوريا” خصوصاً بعد ورود أنباء عن محاولة شن هجوم عسكري ضد سوريا انطلاقاً من الأراضي الأردنية. ومن البديهي القول أن دمشق ترفض بشدة مثل هذا الأمر، لأنه يعني تقويض الدولة وتفكيك المجتمع ونشر الإرهاب في عموم المنطقة.
في مقابل ذلك تسعى القوات السورية والقوات الحليفة لها إلى إفشال هذا المشروع، وقد ساهمت وثيقة “مناطق تخفيف التوتر في سوريا”* التي تم إقرارها خلال مؤتمر “أستانة” الأخير والتي كفلتها روسيا وإيران وتركيا بإتاحة الفرصة لهذه القوات بالتوجه نحو المناطق الشرقية من البلاد. وبحسب المصادر الميدانية توزعت هذه القوات على ثلاثة محاور؛ الأول يبدأ من مدينة حمص وسط البلاد، والثاني من مدينة بالميرا “تدمر” التاريخية، وذلك بهدف تحرير مدينة “السخنة” تمهيداً لفك الحصار عن مدينة دير الزور الواقعة تحت سيطرة تنظيم “داعش” منذ نحو سنتين.
والمحور الثالث يتمركز حول معبر “التنف” الواقع بين الحدود العراقية والسورية والذي يربط الطريق الرئيسي الواصل بين دمشق والعاصمة العراقية بغداد، ولايزال هذا المعبر تحت سيطرة الجماعات الإرهابية. وتسعى أمريكا إلى منع القوات السورية من استعادة السيطرة على هذا المعبر، الأمر الذي دفع قوى المقاومة إلى التخطيط والتحرك لتحرير هذا المعبر والمناطق المجاورة له من يد الجماعات الإرهابية.
ومن هنا يمكن القول بأن وثيقة “مناطق تخفيف التوتر” أتاحت للجيش السوري والقوات الحليفة له التركيز على جبهتين، أولاهما جبهة دير الزور خصوصاً وشرق سورية عموماً، وثانيتهما جبهة الحدود السورية – الأردنية – العراقية التي تتجمع فيها القوات الأجنبية والمجموعات الإرهابية التابعة لها. وهذا يعني فرض تهدئة على جبهة “درعا – القنيطرة”، وجبهة الغوطة الشرقية، وريف حمص، ومحافظة إدلب وجوارها.
وبمقدار ما يتم الالتزام بهذه التهدئة، سيتم تسكين تلك الجبهات لمصلحة التركيز على معركة شرق سوريا ضد “داعش” وما بعدها، وكذلك مقابلة الحشود الغربية في جنوب سوريا وشرقها، أي أنه سيمنح معسكر سوريا وحلفائها ميزة استراتيجية، نازعاً من أيدي المحور المقابل الذرائع “الإنسانية” لإثارة الوضع مرة أخرى في تلك المناطق.
وما سبق يفسر أن وثيقة “مناطق تخفيف التوتر” ستؤدي، في حال نفذت بشكل صحيح، إلى تعزيز فرصة عودة المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية لسيادتها، ومنع نزعات التشظي والتقسيم التي يحلم بها الطرف الأمريكي والدول الإقليمية السائرة في فلكه وفي مقدمتها قطر والسعودية. وهذه بطبيعة الحال خطوة استراتيجية ستصب في نهاية المطاف بمصلحة سوريا وقوى المقاومة التي تتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في عموم المنطقة.
——————————————————————————————-
* تشمل وثيقة “تخفيف التوتر” أربعة مناطق: الأولى تضم ريف إدلب ومناطق شمال شرق ريف اللاذقية وغرب ريف حلب وشمال ريف حماة، والثانية تمتد شمالي ريف حمص وتشمل مدينتي الرستن وتلبيسة والمناطق المحاذية لها، والثالثة تشمل الغوطة الشرقية، والرابعة تمتد في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة. وتهدف الوثيقة إلى وضع حد للأعمال القتالية وتحسين الحالة الإنسانية وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية للأزمة السورية.
https://t.me/wilayahinfo