الرئيسية / القرآن الكريم / نظريّة العلاّمة العسكري في المصطلحات

نظريّة العلاّمة العسكري في المصطلحات

قد يتصوّر البعض أن المصطلح له أهميّته في مجالات محدودة من حقول المعرفة فحسب، ولا يمكن تعميم هذه الاهميّة على كل مجالات الثقافة. لكن السيِّد العلاّمة يرفض هذا الرأي بشكل قاطع، ويؤكد على أن المصطلح له أهميّته في كل الحقول المعرفية، وينطلق في ذلك من مرتكزين أساسيين:
الاوّل: انّ الاسلام عقيدة متكاملة غير قابلة للتجزئة والتفكيك، وأن لكل مدرسة فكريّة وعقائديّة مصطلحاتها وللاسلام مصطلحاته الخاصّة، وانّ هذه المصطلحات أساس ثابت من مفاهيمه وثقافته. والتراث الاسلامي لا يعاني من أي نقص في هذا المجال، فهو غني بالمصطلحات سواء المصطلحات الاسلاميّة الشرعيّة الّتي جاءت في القرآن الكريم وحديث الرّسول (ص)، أو مصطلحات المتشرّعة الّتي أطلقها علماء المسلمين في مختلف العصور.

الثاني: ان فهم الاسلام الاصيل لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال فهم الاُصول العقائديّة التي جاءت في القرآن الكريم وسنّة الرّسول (ص). وأن لهذه الاُصول مصطلحاتها الخاصّة الّتي عن طريق فهم معانيها الحقيقية يتسنى لنا فهم واستيعاب عقائد الاسلام ومفاهيمه على النحو السليم بعيدا عن التشويه والخلل. وهذا ما يمكن اكتشافه في بحوث العلاّمة العسكري في المواضيع الّتي بحثها في مجالات العقيدة والتاريخ وعلوم القرآن وغيرها من مجالات المعرفة الّتي نشأ الخلاف حولها بين المسلمين.
إنّ نظريّة العلاّمة العسكري حول المصطلحات يمكن أن نطلق عليها تسمية (وثائقيّة المصطلح)، وخلاصتها أنه جعل من المصطلح أداة للتوثيق في مجالات العقيدة والمفاهيم والاحكام الاسلامية. حيث يدرس سماحته تاريخ المصطلح من الناحية الزمنيّة وفترات استخدامه، وتطوّر دلالاته ومعانيه.
كما أنه يدرس دائرة استخدام المصطلح الجغرافيّة، ويؤكد على ضرورة التمييز بين هذه المصطلحات بحسب البلدان المتداولة فيها، ويضع سماحته ضابطة جغرافيّة لمثل هذه المصطلحات، حتى لا تكون مطلقة غير مقيّدة، فهي ليست من اصطلاح المسلمين أو عرف المتشرعة، بل هي خاصّة ببلد معيّن، مما يستدعي ذكر الاصطلاح مقرونا باسم البلد.

وفي هذا السياق أيضا يرى العلاّمة العسكري ضرورة التمييز بين الاصطلاحات المتداولة لدى مذهب من المذاهب الاسلاميّة أو لدى فرقة تنتمي إلى الاسلام، فهناك تسميات خاصّة بها، وهي ليست من اصطلاح المسلمين، بل أن لها معنى يختلف تماما عن المعنى المتعارف عليه عند غيرهم من المسلمين. الامر الّذي يتطلب التعامل مع كل لفظ من هذه الالفاظ بالمعنى المستخدم عند المذهب أو الفرقة المتداول لديها. وهنا يرى سماحة العلاّمة ضرورة تسمية مثل هذه الاصطلاحات مقرونةً باسم المذهب والفرقة، فيقال: (هذا اصطلاح مدرسة أهل البيت)، و(هذا اصطلاح مدرسة الخلفاء)، و(هذا اصطلاح الخوارج).

إن هذا المنهج الّذي أسّسه العلاّمة الكبير مرتضى العسكري في دراسة المصطلحات، منهج رائد، وإبداع كبير تفرد به في مجال التوثيق التاريخي يضاف إلى إبداعاته المشهودة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.

ولقد قدّم العلاّمة العسكري في ضوء هذا المنهج، المفاهيم الاصيلة للعقيدة الاسلاميّة، كما يجدها الباحث والقارئ في كتابه (عقائد الاسلام من القرآن الكريم) الذي صدر منه إلى الان الجزءان الاوّل والثّاني. ففي هذا الكتاب قدّم السيِّد العلاّمة دراسة موسعة، عرّف فيها المصطلحات بشكل دقيق، بحيث شكّلت مقدّمة علميّة لها أهمِّيتها الكبيرة في تعريف عقائد الاسلام كما وردت في القرآن الكريم.
والامر نفسه يجده الباحث والقارئ في كتاب سماحته (القرآن الكريم وروايات المدرستين) حيث برهن السيِّد العلاّمة من خلال دراسة المصطلحات القرآنيّة في مجلده الاوّل وبمنطق علمي لا يقبل الشك، مدى الخطأ الكبير الّذي وقع فيه قسم من المسلمين في علوم القرآن، وأثر ذلك في مجال العقيدة، نتيجة تغيير معاني بعض المصطلحات عما كانت عليه في عصر الرّسول (ص) والصحابة وأئمّة أهل البيت (ع).

فعلى سبيل المثال ناقش سماحته في المجلد الثاني من هذا الكتاب، روايات مدرسة الخلفاء الّتي أسندت إلى الرّسول (ص) أنه أجاز تبديل أسماء اللّه في القرآن الكريم بعضها ببعض. فعقد العلاّمة العسكري دراسة مقارنة بين موارد استعمال اسمي (الاله) و(الربّ) وأثبت مبلغ بُعد هذا القول عن الصواب، وعدم صحّة نسبة تلك الروايات إلى رسول اللّه (ص) وصحابته.

إنّ هذا النموذج الّذي ذكرناه عن منهج البحث عند العلاّمة العسكري في خصوص المصطلحات يكشف لنا أن قسما كبيرا منها لم يستوعب بشكلها الصحيح، ولنا أن نقدّر حجم الخلل في هذا المجال إذا ما عرفنا أن هناك الكثير من المصطلحات المتداولة بين المسلمين قد تبدّلت معانيها إلى معان أُخرى.

وفي كتاب (معالم المدرستين) بأجزائه الثلاثة، درس العلاّمة العسكري ضمن المنهج نفسه، الكثير من المصطلحات المتداولة في التراث الاسلامي، وبرهن على الخطأ الّذي وقع فيه علماء مدرسة الخلفاء في عدد من الاحكام والمفاهيم الاسلاميّة، كالخمس والغنيمة والصحبة والاجتهاد وغير ذلك من المصطلحات الّتي تتأسّس عليها الكثير من المفاهيم والعقائد والاحكام الشرعيّة.

لقد أثبت العلاّمة العسكري بما لايقبل الشّك، وبمنطق البحث العلمي الموضوعي أن دراسة المصطلحات الاسلاميّة، تمثل ضرورة من ضرورات البحث العلمي، وأنها المقدّمة الاساسيّة لفهم عقائد الاسلام ومفاهيمه فهماً أصيلاً، إضافة إلى دور المصطلح في عمليّة التوثيق التاريخي، وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصّة حول نظريّة العلاّمة العسكري في التوثيق التاريخي من خلال دراسة المصطلحات.
وانطلاقا من أهميّة فهم المصطلحات الاسلاميّة فهماً صحيحاً كما قدّمها العلاّمة الكبير حفظه اللّه، قمنا بمراجعة نتاج سماحته، حيث استخرجنا منها بحوثه حول المصطلحات الاسلاميّة، من أجل أن تكون في متناول أبناء الاُمّة الاسلاميّة، والباحثين الاسلاميين، فهي تمثل قيمة علميّة كبيرة، وحصيلة جهد علمي طويل زاد على نصف قرن من الزمن.

نسأل اللّه تعالى أن يحقق بهذا الكتاب الفائدة المرجوّة وأن يتقبّل منّا هذا المجهود الضئيل، انّه نعم المولى ونعم النصير.
سليم الحسني

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...