الوقت – حظي الهجوم الصاروخي الذي شنته قوات حرس الثورة الإسلامية في إيران على مواقع ومقرات تنظيم “داعش” الإرهابي في مدينة دير الزور السورية الأسبوع الماضي والذي تميز بالدقة المتناهية والسرعة الفائقة وتحقيق الأهداف المرجوة باهتمام كافة المراقبين ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية لما له من أبعاد وتداعيات على كافة المستويات الميدانية والسياسية والأمنية.
وجاء هذا الهجوم الصاروخي ردّاً على الهجمات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الإيرانية طهران قبل نحو ثلاثة أسابيع وأدت إلى استشهاد وجرح العشرات من المواطنين العزل. ويعتقد جميع المراقبين بأن هذا الهجوم لعب دوراً مهماً في تغيير موازين القوى لصالح الجمهورية الإسلامية إيران خاصة بعد صفقات الأسلحة الضخمة التي وقعتها السعودية مع واشنطن خلال زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الرياض قبل نحو شهر والتي بلغت مئات مليارات الدولارات.
وفي هذا السياق أوضح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري أن الهجوم الصاروخي الإيراني على مواقع ومقرات داعش في دير الزور أثبت حقائق عدّة لايمكن إنكارها يمكن إجمالها بما يلي:
أولاً: إن النظام السلطوي في العالم الذي تقوده أمريكا لايمكنه شنّ الحرب على إيران والتي لاترغب بها هي أيضاً، وثانياً باتت إيران منافسة قوية للقوى العالمية في المجال الصاروخي الباليستي.
ويمكن بيان مغزى تصريحات اللواء محمد باقري في إطار قوة الردع المتعارفة حيث يتم الاستفادة من هذا المفهوم في تحليل قوة الأسلحة التقليدية والقادرة في نفس الوقت على تحقيق الأهداف التي لا يمكن تحقيقها من غير اللجوء لاستخدام أسلحة متطورة وغير تقليدية كالأسلحة النووية.
وتجدر الإشارة إلى أن قوة الردع بشقّيها التقليدي وغير التقليدي تحمل في طياتها مفهوماً على أن هذه القوة بإمكانها إدخال الرعب في قلب العدو وثنيه عن التفكير بشنّ الحرب أو ارتكاب أي حماقة ضد من يمتلك هذه القوة خصوصاً الجمهورية الإسلامية في إيران التي تتمسك بمبادئها للذود عن أمنها واستقرارها أمام أي تهديد مهما كان حجمه أو شكله.
ومن المؤكد أن الهجوم الصاروخي الإيراني ضد مواقع ومقرات “داعش” في دير الزور قد أوصل هذه الرسالة إلى العالم أجمع وهي أن إيران قادرة على الرد السريع والمؤثر جداً على أي تهديد أمني يستهدفها وفي أي لحظة ومهما كانت الظروف والتحديات.
كما ينبغي التنوية إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني تم في إطار القوانين الدولية التي تسمح للدولة التي تتعرض لأي اعتداء باستخدام قوتها للردع والدفاع المشروع عن النفس حتى وإن كان المعتدي في أراضي دولة أخرى، لاسيّما وإن الهجوم تم بالتنسيق الكامل مع الحكومة السورية التي تحارب الإرهاب بدعم من إيران وروسيا وقوى المقاومة في المنطقة.
ولا يخفى أن الهجوم الصاروخي الإيراني قد حقق أهدافه الاستراتيجية والبعيدة المدى التي هي أكبر بكثير من مسألة ردع “داعش”، وهذا ما أوضحه اللواء محمد باقري عندما استخدم مصطلح “النظام السلطوي” في تعقبيه على الهجوم الصاروخي الذي استهدف داعش، مما يؤكد أن الهدف من الهجوم اكبر وأبعد تأثيراً في نتائجه المستقبلية في المديين القريب والبعيد.
من الأهداف التي حققها الهجوم الصاروخي الإيراني على “داعش” هو ردع التحالف الذي شكّلته السعودية مع دول أخرى للوقوف بوجه قدرة إيران الإقليمية متصورة أنها تتمكن من القيام بدور المنفذ لسياسات أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة مقابل الحفاظ على كرسي الحكم الذي أخذ يتهاوى بفعل السياسة الرعناء لحكام الرياض والحرب العبيثة التي شنتها على اليمن ودعمها للجماعات الإرهابية في عموم المنطقة والعالم.
ويرى الكثير من المحللين والمتابعين أن قوة الردع الإيرانية والدبلوماسية الإيرانية الناجحة هي التي أرغمت أمريكا والدول الحليفة لها على الدخول في مفاوضات لتسوية أزمة الملف النووي الإيراني والتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. والهجوم الصاروخي الأخير قد عزّز لدى المراقبين هذه القناعة، حيث يعتقدون بأن دقة هذه الضربة وتنفيذها من نقطة انطلاق بعيدة نسبياً تمكن طهران من استهداف أي نقطة في أي دولة تتحالف ضد إيران.