الرئيسية / من / طرائف الحكم / الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها13

الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها13

– التأسّي بالإمام الكاظم عليه السلام:

ينقل إبراهيم بن أبي محمود رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال فيها: “كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه”[1].

 

وممّا يُنقل في تشجيع الإمام الكاظم عليه السلام لإنشاد الشعر في جدّه الإمام الحسين عليه السلام, أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليهما السلام بالجلوس للتهنئة – في بعض الأعياد – وقبض ما يحمل إليه… فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنّونه ويحملون إليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ فقال له: يا بن بنت رسول الله إنّني رجل صعلوك لا مال لي, أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن عليّ:

عَجِبْتُ لِمَصْقُوْلٍ عَلَاكَ فِرِنْدُهُ

 وَلِأَسْهُمٍ نَفَذَتْكَ دُوْنَ حَرَائِرٍ

أَلَا تَقَضْقَضَتِ الْسِّهَامُ وَعَاقَهَا

يَوْمَ الْهَيَاجِ وَقَدْ عَلَاكَ غُبَارُ

يَدْعُوْنَ جَدَّكَ وَالْدُّمُوْعُ غِزَارُ

عَنْ جِسْمِكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِكْبَارُ

 

قال عليه السلام: “قبلت هديّتك, اجلس بارك الله فيك”, ورفع رأسه إلى الخادم وقال: “امض إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال وما يصنع به؟” فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد، فقال موسى عليه السلام للشيخ: “اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك[2].

 

– التأسّي بالإمام الرضا عليه السلام:

سار الإمام الرضا عليه السلام في مورد مصيبة سيّد الشهداء على سنّة وسيرة أسلافه من الأئمّة الصالحين المعصومين عليهم السلام فأقام مجالس العزاء على جدّه الحسين عليه السلام يذرف دموع الغمّ والحزن على مصابه ويتلو المراثي عليه ويرغّب غيره في القيام بذلك.

يروي الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه: أنّ دعبل قرأ على الإمام الرضا عليه السلام قصيدة شعريّة ولمّا وصل إلى قوله:

أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً

إذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ

وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ

أَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ في الْوَجَنَاتِ

 

لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً..[3].

 

وفي رواية أخرى يقول الإمام الرضا عليه السلام لإبراهيم بن أبي محمود: “… إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلا, أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام”[4].

 

وورد في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال لابن شبيب: “يا بن شبيب, إن كنت باكياً لشيءٍ فابك الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش وقُتل مع ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته ما لهم في الأرض من شبيه”[5].

– التأسّي بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:

إنّ إمام الزمان حضرة بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف مفجوع ومصاب بعزاء جدّه الإمام الحسين المظلوم وزيارة الناحية الواردة عنه سلام الله عليه أفضل شاهد على ما نقول.

 

ففي هذه الزيارة مضافاً إلى أنّه سلام الله عليه يزور جدّه الحسين عليه السلام فإنّه يشير إلى المصائب التي حلّت به ويقوم بسردها ويرثي جدّه الغريب وينوح عليه.

 

ففي مقطع من هذه الزيارة يقول سلام الله عليه:

“السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرّب إلى الله بمحبّتك، البريء من أعدائك، سلام من قلبه بمصابك مقروح، ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع الحزين، الواله المستكين، سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حدّ السيوف، وبذل حشاشته دونك للحتوف، وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك، وفداك بروحه وجسده وماله وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء، فلئن أخّرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب”.

ومن الممكن أن يقال إنّ هذه الزيارة كلّها بكاء وتفجّع وحرقة وذكر للمصيبة إلّا أنّنا نقرأ في مقاطع أخرى من هذه الزيارة قوله عليه السلام:

“فلمّا رأوك ثابت الجأش غير خائف ولا حاش، نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرّهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسّهام والنبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقوا فيك أثاماً في قتلهم أولياءَك ونهبهم رحالك، وأنت مقدّم في الهبوات ومحتمل للأذيّات، قد عَجِبَتْ من صبرك ملائكة السماوات، فأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذبّ عن نسوتك وأولادك، حتّى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك”[6].

 

وسنذكر هذه الزيارة بتمامها في القسم الأخير من هذا الكتاب.

وقد أمر عليه السلام في دعاء الندبة أيضاً بالعزاء على الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام حيث يقول النادبون في هذا الدعاء: “فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فَلْتُذْرَفِ الدّموع وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟ أين الحسين؟ أين أبناء الحسين؟…”[7].

 

العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام إحياءٌ لأمر أهل البيت عليهم السلام

لا شكّ في أنّ حفظ أحداث عاشوراء وذكر فضائل ومصائب الإمام الحسين عليه السلام يعدّ من المصاديق البارزة لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام . وهذا الأمر ثابتٌ بالوجدان إذ إنّ الأسباب الهامّة الباعثة على حفظ واقعة عاشوراء وبقائها حيّة على مرّ التاريخ هو هذه المجالس التي تقام للعزاء، والتي قام بها أهل بيت العصمة والطهارة مراراً وتكراراً وعملوا بترغيبنا وتشجيعنا على حفظ الأحداث والقضايا المرتبطة بعاشوراء وكما هو معروف عند العلماء فإنّ الأمر جنس الأجناس ودائرة الأمر أوسع من الشيء وعليه فكلّ ما يتصوّر من مصاديق الأمر فإنّه مشمولٌ له, ولذا فإنّ أهل البيت عليهم السلام يقولون لنا: أحيوا أمرنا أهل البيت.

وفي هذا المقام سنكتفي بذكر ثلاث روايات فقط:

أـ ينقل الأزديّ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لفضيل: “تجلسون وتتحدّثون؟” قال: نعم، جُعلت فداك. قال: “إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا, يا فضيل, من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر[8].

 

ب ـ الرواية الثانية عن الإمام الباقر عليه السلام حيث يقول: “اجتمعوا وتذاكروا تَحُفَّ بكم الملائكة، رحم الله من أحيا أمرنا[9].

 

ج ـ ورد أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: “ومن جلس مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب[10].

 

إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام مظهر تبلْور المحبّة لأهل البيت عليهم السلام يقول الله تبارك وتعالى في محكم قرآنه الحكيم: ?قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[11].

اتفق علماء العامّة والخاصّة ومفسّروهم على نزول هذه الآية في حقّ وشأن الآل الأطهار للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام. ولذا لا بدّ لكلّ الأمّة من امتلاك المودّة والمحبّة لهؤلاء العظماء عليهم السلام.

 

وبالتالي فإنّ إطاعة أوامرهم عنوان للمودّة والمحبّة تجاههم وكذلك فإنّ الاقتداء بأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام عنوان لمودّتهم ومحبّتهم.

 

وأيضاً فإنّ الفرح لفرحهم عنوان آخر لمودّتهم ومحبّتهم.

 

وأخيراً فإنّ الحزن والغمّ لحزنهم وغمّهم ومصابهم عنوان للمودّة والمحبّة.

 

وفي هذا المجال رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “شيعتنا منّا وقد خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بنور ولايتنا، ورَضوا بنا أئمّة ورَضينا بهم شيعة، يصيبهم ما أصابنا، ويبكيهم مصائبنا، ويحزنهم حزننا، ويسرّهم سرورنا. ونحن أيضاً نتألّم بتألّمهم ونطّلع على أحوالهم, فهم معنا لا يفارقوننا ونحن لا نفارقهم”، ثمّ قال: “اللهمّ إنّ شيعتنا منّا, فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذّبه بالنّار”[12].

ولا يخفى أنّ أشدّ المصائب التي أوجعت قلوب أهل البيت عليهم السلام وأوردت عليهم الغمّ والحزن هو مصاب سيّد الشهداء عليه السلام . ولذا يجب علينا بأيّ نحو من الأنحاء إظهارُ الحزن والتفجّع على مصابه, وفي ذلك إظهارٌ لمودّتنا ومحبّتنا لأهل البيت عليهم السلام .

 

وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام في مورد زيارة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام نقل عنه أنّه قال: “… من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة الحسين عليه السلام فمن كان للحسين عليه السلام زَوّاراً عرفناه بالحبّ لنا أهلَ البيت وكان من أهل الجنّة[13].

 

وفي موضع آخر ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “من لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعة حتّى يموت فليس هو لنا بشيعة…”[14].

 

وسوف يأتي معنا لاحقاً أنّ أحد مصاديق الشعائر الحسينيّة هو الذهاب لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

 

حيث إنّ الأمور المرتبطة بالإمام الحسين عليه السلام بالخصوص, وكما يُستفاد من الروايتين السابقتين, أنّه مضافاً إلى إظهار المحبّة والودّ تجاهه سلام الله عليه فإنّه أيضاً إظهارٌ للمحبّة تجاه أهل البيت عليهم السلام عامّة.

ولذا لو قام أيّ إنسان بأيّ أمر مهما صغر تجاه الساحة المقدّسة للإمام الحسين عليه السلام فكأنّه أظهر علاقته ومحبّته بكلّ أهل البيت عليهم السلام أيضاً.

 

[1] بحار الأنوار، ج44، ص283 و284, من وهج العشق الحسينيّ، ص157.

[2] مناقب آل أبي طالب ج 4، ص 319.

[3] النقد النزيه، ص197، نقلاً عن عيون أخبار الرضا, معاهد التنصيص.

[4] بحار الأنوار، ج44، ص283 و284.

[5] الخصائص الحسينيّة، ص248, بحار الأنوار، ج45، ص286, أمالي الصدوق، ص112, عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج1، ص299.

[6] الدعاء والزيارة، ص682 ـ 684.

[7] إقبال الأعمال، مصباح الزائر, جمال الأسبوع, بحار الأنوار, مفاتيح الجنان.

[8] بحار الأنوار، ج44، ص282, قرب الإسناد، ص26.

[9] كنوز الحكم، ص289.

[10] بحار الأنوار، ج44، ص278, أمالي الصدوق، المجلس 17، رقم 4.

[11] سورة الشورى، الآية: 23.

[12] الخصائص الحسينيّة، ص166, منتخب الطريحيّ، ص268.

[13] كامل الزيارات، باب 78، رقم 4، ص356. 

[14] المصدر السابق، باب 78، رقم 3، ص356. 

 

شبكة المعارف الإسلامية

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...