الرئيسية / من / طرائف الحكم / أهمّية تهذيب النفس وضرورته – الجامعة المهذّبة أساس سعادة البلد

أهمّية تهذيب النفس وضرورته – الجامعة المهذّبة أساس سعادة البلد

الجامعة وتهذيب النفس

 

الجامعة المهذّبة أساس سعادة البلد

إذا كانت الجامعة جامعة حقّاً، جامعة إسلامية بالفعل، أي إنّها إلى جانب التحصيل الدراسي كانت تزوّد طلّابها بالتهذيب والالتزام، فإنّ بإمكان الجامعات حينئذ أن توصل بلداً إلى السعادة. وكذلك الأمر لو كانت الحوزات العلمية صروحاً مهذّبة وملتزمة فإنّ بمقدورها إنقاذ بلد بأكمله. العلم وحده إن لم يكن ضارّاً فهو غير ذي فائدة. إنّنا حين نُلقي نظرة على العالَم وما فيه من جامعات نجد أنّ جذور كلّ المصائب التي عانت منها البشرية جمعاء إنّما هي من الجامعات ومن هذه الاختصاصات الجامعية. إنّ كلّ أدوات القمع والدمار هذه وكلّ هذا الذي يعدّونه تطوّراً في مجال الآلات الحربية إنّما هو نتاج علماء خرّجتهم الجامعة، الجامعة التي أغفلت الأخلاق وأهملت التهذيب. كما أنّ كلّ المفاسد التي استشرت في الأمم، كانت جرّاء عدم التزام الحوزات العلمية بالتعاليم الإسلامية، كلّ هذه الأديان التي شيّدها العلماء والمفكّرون هي أصل الشقاء.

لقد جرّت الجامعة العالَم إلى الفساد بالعلم الذي لم يكن التهذيب ولا الأخلاق ولا الالتزام الإسلامي إلى جانبه، وبإمكان الجامعة أن تسوق العالم إلى الصلاح. فلو قُدّر لجامعات العالَم أن تُعنى إلى جانب التعليم والتعلُّم بالموازين الإنسانية وبالأخلاق الإنسانية وبما تُمليه الفطرة لاستحال العالَم إلى عالَم نور. ولكن إذا ما أهملت التخصّصات والعلوم هذه الجوانب وابتعدت عنها فإنّها ستكون وبالاً على البشرية والعالَم.

ولهذا فإنّ هذين المركزين العلميين – الحوزة والجامعة – يُمكنهما أن يكونا مركزي كافة المصائب والبلاءات على البشرية ويُمكنهما أن يكونا مركزي كامل التطوّرات والترقيات المعنوية والمادّية. فالعلم والعمل، العلم والالتزام بمثابة جناحين يُمكن الوصول بهما إلى أعلى درجات السمو والرقي.

في هذه الخمسين سنة الماضية من حكم الطاغوت، كانت هناك جامعات وكان هناك أساتذة جامعيون، ولكن هؤلاء الأساتذة أنفسهم وهذه الجامعات عينها جرّت البلاد لتقع فريسة القوى الكبرى. لقد كانت السيطرة على وسائل العلم والعمل من قِبَل أشخاص غير ملتزمين لا يعرفون مصالحهم كارثية ومدمّرة للأمة والبلاد. العلم لو كان قرين الالتزام والتهذيب فلا فرق بين الجامعة والحوزات العلمية فبجناحي العلم والأخلاق والعمل هذين يُحلِّقان بالأمة إلى ذرى المجد، ويُنقذانها من أن تقع فريسة لأولئك الطامعين بنهب خيراتها وثرواتها. وأمّا إذا اكتفت الجامعات والمدارس والحوزات العلمية بتقديم العلم مجرّداً عمّا ذكرنا، فإنّ هكذا علم سيجر الإنسان إلى الفناء وإلى الهاوية.

إنّ الجامعة والحوزة هما منشأ جميع المفاسد والشقاوات في أيّ بلد، وكذلك هما منشأ جميع السعادات المادّية والمعنوية. وإنّ المخطّطات الكبرى التي تُرسم لأجل اختراق الجامعات والنفوذ إليها لتُربّي شبابنا بخلاف مصلحة بلدهم ناشئة من هذا الاعتقاد، وهو أنّه لو فسدت الجامعة يفسد البلد[1].

 

سعادة الشعب على عاتق الجامعة والحوزة

اجتهدوا أنتم الجامعيين أن تصنعوا الإنسان، فإذا صنعتم الإنسان أنقذتم بلادكم.إذا صنعتم الإنسان الملتزم، الإنسان الأمين، الإنسان المعتقدِ بالعالَم الآخر، الإنسان المعتقد بالله والمؤمن به، وإذا تربَّى هذا الإنسان في جامعاتكم وجامعاتنا، أنقذ بلادكم. وعليه فهذا العمل شريف جدَّاً، والمسؤولية عظيمة جدّاً، وهذه المسؤولية الآن على عاتقنا وعاتقكم، وهذه المسؤولية الكبرى هي أنْ نؤمِّن أنتم ونحن سعادة الشعب. عليكم أنتم رجال الدين والجامعيون أن توفِّروا سعادة الشعب التي أنِيطتْ بكم، فأنتم ما اخترتم الفلاحة، ولو كنتم فلّاحين، لكنتم مسؤولين، لكن ليس هذه المسؤولية. ولو كنتم كسبة، لكنتم مسؤولين أيضاً، لكن في نطاق أنفسكم. أمّا في حالكم، فالمسؤولية هي مسؤولية شعب، وبلد، مسؤولية لأجل الإسلام، وأمام الله. كلّنا الآن مسؤول، فيجب أن نسعى جميعاً، يجب على الجامعة أن تبذل الجهد، ويجب على

الجامعات الدينية أن تبذل الجهد، ويجب على جامعاتكم العلمية أن تبذل الجهد وتسعى لصنع الإنسان[2].

 

العلم والتخصّص في خدمة البلد

…أن يشدّوا همّتهم في أن يجعلوا من الجامعات مراكز علم وتربية وتهذيب بحيث تكون جميع التخصّصات في خدمة البلد والأمة لا أن تتخصّص وتجرّنا بتلك التخصّصات إلى حضن أمريكا أو أن توجّه بتلك التخصّصات ضربة للبلاد، بحيث كلّما ازدادت التخصّصات، ازدادت سوءاً.

فالشخص الذي لم يُهذَّب، والشخص الذي لم يشعر يوماً بالانتماء إلى هذا البلد وأنه موجودٌ من أجله، وأنّه مدين له بعلمه وعليه أن يؤدّي له هذا الدين، هذا الإحساس إن لم يكن موجوداً، فعندها ستكون الجامعة أسوأ المراكز لأنّها ستجرّنا نحو الضياع والهاوية. وأمّا إذا وجد هكذا إحساس ووجد هؤلاء الأساتذة الجامعيون، الملتزمون، الذين كانوا في السابق يتحسّرون على واقع البلاد، عليهم أن يعدّوا أنفسهم من أجل تنشئة أجيال جديدة ملتزمة بدينها ومؤمنة بقضايا أمّتها وفي خدمة بلدها. فإن كانت الأمور كذلك، فسيكون للجامعات دور الريادة في إيصال البلاد إلى ذرى المجد والسعادة.

ليس أمام الجامعة إلا طريقان: إمّا طريق جهنّم وإمّا طريق السعادة، إمّا طريق الذلّ والمسكنة والعبودية وإمّا طريق العزّة والعظمة والإباء. فطالما كانت الجامعات على ما هي عليه عندنا، فلن تكون مفيدة. منذ خمسين سنة ونحن لدينا جامعات، ومن الجامعة نشأ كلّ ما في بلادنا من فساد، من هؤلاء الأشخاص الذين درسوا في الجامعة وربما حصلوا على اختصاصات أيضاً. فأحمدي ذاك الذي كان في عهد رضا خان والذي قُتل بحقنه السامة الكثير من رجال هذا البلد، كان من هذه الجامعات وصاحب اختصاص أيضاً، إلّا أنه سخر تخصّصه في طريق قتل الأبرياء من العباد، فهل أنّكم ترغبون بهكذا جامعات وبهكذا أساتذة ومتخصّصين؟!

ومن جهة ثانية فإنّ الجامعات تُخرّج الشرفاء كذلك، وطموحنا أن يكون جميع خرّيجيها شرفاء[3].

 

تربية الإنسان مسؤولية الجامعة والحوزة

إنّ مقدّرات كلّ بلد في يد جامعاته سواء كانت جامعات العلوم الحديثة أو جامعات العلوم القديمة، والأساس أن يتخرّج منها بنوعيها، إنساناً، وليس دابة تحمل على ظهرها بعض الكتب. لا يكون التعلّم بحيث تكونوا أنتم في طرف العلوم الطبيعية، وطائفة في طرف العلوم الفقهية والإلهية. تبحثون في دقائق العلوم، ولكنّكم تغفلون عن جهالات أنفسكم وعن طغيانه. إنّكم إن غفلتم، فكلّ خطوة تخطونها في طريق العلم ستُبعدكم عن الإنسانية أكثر فأكثر، فالإنسانية طريق مستقيم وإذا سار أحدكم من هذه الجهة أو تلك سيكون معوجاً وسيكون سيره بخلاف الإنسانية. كلّ من انحرف ولم يسر على الطريق المستقيم فسيره ما دام مستمراً فإنّه يزيده بعداً عن الإنسانية. وكما لو أنّنا فرضنا خطاً مستقيماً وخطّين عن الجهتين، فكلّما تقدّم السير في أحد الجهتين يزداد البعد عن الخط المستقيم.

ومهما درستم ودرسنا، فما لم نكن على الطريق المستقيم وما لم نصقل معلوماتنا وعلمنا ونكبح جماح أنفسنا وما لم نُمِت أنفسنا في هذا الطريق المستقيم، فكلّما ازدادت المعلومات، ازداد الإنسان بعداً عن الإنسانية، وصار إرجاع النفس إلى الاستقامة أصعب[4].

 

مسؤولية الجامعة صناعة الإنسان

يجب أن تكون الجامعة مصنع الإنسان سواء في ذلك جامعة علماء الدين أو جامعتكم، وهذا – صناعة الإنسان – ما أُمِرَ به الأنبياء عليهم السلام وجاءت به الكتب السماوية كلّها.

فإنّه إذا صُنعَ الإنسان صار كلّ شيء معنويّاً، يعني حتّى المادِّيات تصير معنويات.

وعلى العكس إذا كانت هذه الفئات شيطانية، وتَخرَّجَ من جامعتنا وجامعتكم أناس منحرفون، غَدَت المعنويّات مادِّيات وفنت فيها[5].

وظيفة الجامعة تربية الإنسان المؤمن

أنتم اعملوا على تخريج المؤمن من الجامعة، ونحن نُخرّج المؤمن من مدارسنا، ليس العالِم، فالعلم وحده لا جدوى منه. ولا شك في أنّ الإيمان وحده لا يؤثّر كثيراً. ففي الفئات الأخرى مؤمنون أيضاً. ولكن عندما يُصبح العالِم مؤمناً، وعندما يُصبح العالِم متّقياً، سيكون منشأ للخيرات والبركات، وسيُحافظ على البلاد، وإذا كان خلاف ذلك لا سمح الله فسيجعل البلاد في مهبّ الريح. ولهذا يقع على عاتقنا معاً عب‏ء ثقيل، ولا بد من قيامنا نحن وأنتم بما يقتضيه عملنا بشكل صحيح ونعمل على تقوية الإيمان إلى جانب العلم‏[6].

 

أهمّية تربية الإنسان في الجامعة

نحن نريد إنساناً جامعياً لا مجرّد طالب أو معلِّم، يجب على الجامعة أن تُوجِد الإنسان وتُخرّج الإنسان منها. فإذا خرّجت الجامعة الإنسان منها فإنّ الإنسان لا يرضى بتسليم بلاده للغير، والإنسان لا يرضى أن يعيش أسيراً وذليلاً. وهم (الطغاة) أيضاً يخافون من الإنسان.

سابقاً كان رضاخان يخاف من (آية الله) مدرّس لأن مدرّس كان إنساناً (بحقّ)، فقد نُقل عنه أنّه قال في أحد اجتماعات المجلس: “في مجلسنا هذا مسلم واحدٌ، وهو السيد كيخسرو” فرضا خان كان يعتبر مدرّس منافسه وخصمه الشخصي ولم يكن يولي أية أهمية للآخرين. كان يعتبره منافسه الذي إذا وقف متكلّماً زلزل الأرض تحت أقدام الجميع. كان مدرّس إنساناً، وكانت حياته ما قد سمعتم أنتم وما رأيت أنا. عندما أصبح نائباً – لأنّه في البداية عُيّن بصفته فقيهاً حيث كان لا بد من تواجد فقيه في المجلس – وحسب ما يُنقل عنه فإنّه اشترى في أصفهان عربة وحصاناً وركبهما متوجّهاً إلى طهران، وعندما وصلها باعهما واشترى لنفسه منزلاً متواضعاً فيها. كان منزلاً كبيراً إلى حدٍّ ما ولكنّه كان وضيعاً من حيث البناء، عاش فيه عيشة ما دون العاديّة، حتى أنّ لباس الخيش الذي كان يرتديه صار خبره على كلّ لسان. كان يلبس ذلك الخيش الإيراني الصنع. فأيّ لباس من ألبسة مدّعي الوطنية هؤلاء إيراني الصنع؟

على جميع محبّي هذه البلاد والمحبّين للإسلام ولهذه الأمة وهذا الشعب أن يحشدوا

طاقاتهم لإصلاح الجامعات، فإنّ الجامعة الفاسدة خطرها أعظم من خطر القنبلة العنقودية، ولأنّ خطر الحوزات العلمية الفاسدة أعظم من خطر الجامعة، فلا بدّ من إصلاحها وتهذيبها أيضاً. يجب على جميع الأشخاص الملتزمين – سواء في الحوزات العلمية أم في الجامعات – أن يُشمّروا عن ساعد الجدّ والهمّة من أجل الإصلاح والتغيير[7] .

 

انحراف أساتذة الجامعة سبب انحراف المجتمع

إذا انحرف الجامعي فإنّ انحرافه يختلف عن انحراف بائع أو مزارع. وانحراف عالِم الدين يختلف عن انحراف التاجر والعامل. إنّ العامل والتاجر والمزارع وأمثالهم فيما إذا انحرفوا فإنّ انحرافهم يبقى انحرافاً شخصياً، بينما انحراف أساتذة الجامعة لا يقتصر على أنفسهم فقط، بل يقود إلى انحراف فئة كبيرة، وأية فئة؟ الفئة التي تتطلّع إلى إدارة البلد، والذي يؤدّي انحرافها أحياناً إلى انحراف بلد بكامله. إنّ انحراف عالِم الدين ليس انحرافاً شخصياً فحسب بل هو انحراف أمة. ولهذا فإنّ هاتين الفئتين هما القادرتان على خدمة البلاد وإنقاذها، ومن الممكن أن يكون طريقهما غير طريق الحقّ فتسيران بالبلاد نحو الهلاك والضياع. ليس الأمر كما لو كانت فئة، مثلًا فئة التجّار، بحيث إذا صلحت كان صلاحها يختصّ بها دون غيرها، بل إنّهما فئتان بصلاحهما يتمّ إصلاح المجتمع.. إنّ صلاح المجتمع وفساده بيد مربّي ذلك المجتمع. وأولئك المربّون هم أنتم وعلماء الدين. علماء الدين بنحو وأنتم بنحو آخر[8].

 

أثر الجامعي غير المهذّب في فساد المجتمع

ليس الأمر كما لو كانت فئة، مثلًا فئة التجّار، بحيث إذا صلحت كان صلاحها يختصّ بها دون غيرها، بل إنهما فئتان بصلاحهما يتم إصلاح المجتمع.. فئتان ينطبق عليهما “إذا فسد العالِم فسد العالَم“. هذا “العالِم” ليس أنا، إنّما هو أنتم أيضاً، جميعنا، إنّكم جميعاً من العلماء، فإذا كنتم لا سمح الله فاسدين فسوف تجرّون العالم إلى الفساد، وإذا كنتم صالحين ستعملون

على إصلاح العالم. إن صلاح المجتمع وفساده بيد مربّي ذلك المجتمع. وأولئك المربّون هم أنتم وعلماء الدين. علماء الدين بنحو وأنتم بنحو آخر، ولكن كلتا الفئتين مربّية للمجتمع.

وإذا كان الفرض أن تكون تلك التربية العلمية فقط فتكرّس الجهود لإعداد طبيب دون الاهتمام بكيف سيكون هذا الطبيب، فإنّ هذا الطبيب سيُصبح غداً كاسباً! سوف يكون كاسباً يقوم بالمماطلة في علاج المريض ليتردّد عليه أكثر ويأخذ منه أجرة أكثر! وقد يكون طبيباً ماهراً، فهو متخصّص حاذق من الناحية الطبية ولكنّه افتقر إلى الأخلاق الفاضلة ولم يكن مهذّباً، لم يكن متّقياً، لم يعرف الله، فلذلك يقوم بالمماطلة في معالجة المريض، يُعطيه اليوم وصفة طبية ويكون متواطئاً مع صاحب الصيدلية ليؤمّن الوصفة بأغلى من قيمتها، ويتورّط هذا المريض بهذا الوضع، هذه الوصفة لم تكن مفيدة، غداً يُعطيه وصفة أخرى! وهكذا. فالطبيب طبيب جيّد من الناحية الطبّية. إنّكم تقومون بإعداد المهندسين، فيكون المهندس في مجال علمه متخصّصاً بشكل جيّد جداً، ولكنّه عندما يريد، فرضاً، أن يضع تصميماً لمشروع فإّنه وبسبب مهارته يحاول ابتزاز الجهة المسؤولة عن المشروع إلى أقصى حدٍّ ممكن. والشيء نفسه يمكن أن يكون في المجالات الأخرى. وكذلك بالنسبة لمن سار على دربنا، فإذا كان الفرض أن يكون الشخص “شيخاً” فقط، فقد يكون شيخاً مميّزاً وفهيماً بحيث يفهم الكتاب والسنَّة بشكل جيّد جدّاً، ولكن إذا لم يكن تقيّاً فإنّ هذا الفهم للكتاب والسنَّة سيكون سبباً لانحراف الناس[9].

 

ضرر التحصيل العلمي بدون التهذيب النفسي

إنّ التعليم‏ لوحده يبقى دون فائدة، يجب أن تكون التربية مقرونة بالتعليم. يعني إذا كان الشباب الذين يذهبون إلى الجامعات والمعاهد العلمية لا يتلقّون غير التعليم‏، فإنّ ذلك قد يكون مضرّاً للبلاد في بعض الأحيان، وإنّ الكثير من الأضرار التي لحقت ببلادنا كانت من قِبَل هؤلاء المتعلّمين، كما أنّ الكثير من المشاريع المتضادة مع مصالح البلاد كانت تصدر في معظم الأحيان عن هؤلاء المتعلّمين الذين حصّلوا العلم ولكنّهم لم يتلقّوا التربية، وكانوا لا يعملون شيئاً إلا لمصلحتهم.

إنّ الذي لا يخضع لتربية صحيحة حتى ولو كان تعليمه صحيحاً، ولو افترضنا أنّه على مستوى عال من التعليم، فإنّ الضرر الذي يُسبّبه لبلاده سيكون أكبر من الضرر الذي يُسبّبه الناس العاديّون. عامة الناس لا يستطيعون إيذاء بالنحو الذي يُسبّبه هؤلاء المتعلّمون للبلاد، لأنّ المتعلّمين هم الذين يتسنّى لهم تقديم المشاريع ليستفيد منها الآخرون. فالذين كانوا يحيطون بهذا الأب والابن[10] كانوا من أولئك المتعلّمين الذين حصّلوا تعليمهم في أوروبا وأمريكا، لكنّه كان تعليماً فقط، ولم يكن لديهم تربية إسلامية أو تربية إنسانية، ولهذا فإنّ الأذى الذي لحق ببلادنا من قِبَل هؤلاء العلماء لا يوازيه أي أذى آخر حتى جهاز (السافاك) لم يُسبّب الأذى الذي سبّبوه، فهؤلاء دمّروا الأفكار وأفسدوا شبابنا[11].

 

ضرر التعليم بدون التربية

إذا كان همّ أساتذة الجامعة إعطاء الدروس فقط- وبالطبع في جامعاتنا السابقة لم يكن حتى إعطاء الدروس صحيحاً، ولو أنه كان صحيحاً لما كنّا متأخّرين بهذا المقدار عن (مسيرة) العلم. الآن نحن نفترض أننا بتنا بوضع جيّد إن شاء الله – وكان اعتمادهم على التعليم، ولم يكن الى جانبه التزكية والتربية المعنوية، فإنّ الذين يتخرّجون من الجامعة سيفسدون[12].

 

التهذيب في رأس البرامج التعليمية

الأخوات والإخوة في هذه المدرسة، نظّموا برنامجكم بحيث يظهر من بينكم عدد من أمثال مطهّري، أو مطهّري آخر، وليكن عزمكم حاسماً في هذا الأمر، ولتكن اهتماماتكم وأعمالكم خالصة لله تبارك وتعالى. جدّوا في أن تدرسوا في المدرسة التي أنتم فيها.

والأهم من الدراسة هو تهذيب الأخلاق. كونوا إسلاميين وكمّلوا العلوم الإسلامية بالنفوس الإسلامية. وإلى جانب الدراسة الجادّة للأحكام الإسلامية والمعارف الإسلامية ليكن لديكم تهذيب إسلامي. يجب أن يكون في الجمهورية الإسلامية في كلّ المدارس العلمية والدينية

وسواء التي تدرّس العلوم الدينية أو العلوم الأخرى، في رأس قائمة البرامج التعليمية أن يكون الطلّاب مهذّبين قبل أن يكونوا محصّلين (للعلم).

يجب أن يكون في جميع المدارس في كافة أنحاء البلاد أشخاص مهذّبون وعلماء وخطباء ساروا في طريق الحق قدر استطاعتهم، وعليهم أن يذهبوا إلى هذه المدارس ويؤسّسوا حوزات أخلاقية وحوزات تهذيب وحوزات معارف إسلامية بحيث يكون إلى جانب الدراسة العلمية تهذيب إسلامي وأخلاق إسلامية. يجب أن يكون هناك تهذيب إسلامي في المدارس سواء في المدارس الدينية أو في سائر الجامعات التي هي مدارس إسلامية ودينية. يجب أن ينتبهوا إلى المعلِّمين في هذه المدارس والأشخاص الذين يُبلّغون فيها أو يتحدّثون أن يكونوا أشخاصاً إسلاميين مائة بالمائة ومعتقدين بأحكام الإسلام والعقائد الإسلامية بحيث إنّ الأشخاص الذين يتربّون على أيديهم يتربّون تربية إسلامية مع تهذيب إسلامي[13].

 

توصية الجامعيّين بالتهذيب

على طلّابنا الجامعيّين أن يُجسّدوا هم أنفسهم الموازين الإسلامية والأخلاقية قولاً وفعلاً وسلوكاً وعملًا، بحيث إذا دعوتم الناس إلى الإسلام، وينبغي عليكم أن تفعلوا، لا يكون فعلكم مخالفاً لقولكم. لا يكوننّ حالكم بحيث أنّكم حين تتكلّمون تتعرّضون للاستهزاء من قِبَلهم فيقولون فيكم أنّ هؤلاء يدعوننا إلى أشياء هم أنفسهم لا يلتزمون بها[14].

 

التربية وكبح جماح النفس بالتلازم مع طلب العلم

اسعوا في كلّ خطوة تخطونها في سبيل العلم، في سبيل العمل الظاهري والأعمال الباطنية أن توجِدوا في نفوسكم التقوى والاستقامة والأمانة في نفوسكم، حتى تكونوا بعد تخرّجكم من الجامعة إن شاء الله أشخاصاً لديكم ‏العلم والأمانة، وتكونوا أمينين على علمكم من جهة ومزكّين لنفوسكم ومتحكّمين بها من جهة أخرى، لأن النفس متمرّدة وتمرّدها يُسقط الإنسان أرضاً كما لو أنّه كان يمتطي حصاناً جامحاً بدون لجام فإنّ هذا الحصان يقضي على فارسه.

ونفس الإنسان هي الأكثر جموحاً، وتمرّدها يقضي على الإنسان. فلتكن كلّ خطوة تخطونها في طريق العلم مترافقة مع خطوة أخرى لكبح جماح أنفسكم ومنعها من التمرّد، لأنّه عندما يفلت عنانها تفقد السيطرة عليها آنذاك. اكبحوا جماح أنفسكم بأنفسكم‏[15].

 

ضرورة تلازم التعلّم مع التهذيب

عليكم وعلى جميع أطفالنا وشبابنا الطلّاب في جميع أنحاء البلاد وفي أيّ مركز من مراكز التعليم كانوا، أن ينتبهوا إلى أنّ التعلّم بالترافق مع التهذيب والالتزام والأخلاق الإنسانية الفاضلة يُمكنه أن يوصلنا إلى الحياة الإنسانية الحقّة ويُمكنه أن يُنقذ بلدنا من ألوان التبعية[16].

 

ضرورة تحصيل المراتب العالية من العلم والتهذيب في الجامعة

الجامعة يجب أن توصل العلم والتخصّص إلى أعلى المراتب في نفس الوقت الذي توصل فيه إلى أعلى درجات الالتزام والأخلاق والروحية الإسلامية. يجب أن تكون الجامعة مهذّبة، والحوزات العلمية كذلك[17].

[1] صحيفة الإمام، ج 13، ص 412 – 414.

[2] صحيفة الإمام، ج 8، ص 67 – 68.

[3] صحيفة الإمام، ج 13، ص 419 – 420.

[4] م.ن، ج 9، ص 3 – 4.

[5] م.ن، ج 8، ص 61.

[6] صحيفة الإمام، ج 7، ص 473.

[7] صحيفة الإمام، ج 13، ص 417 – 418.

[8] م.ن، ج 7، ص 468 – 471.

[9] صحيفة الإمام، ج 7، ص 470 – 471.

[10] يقصد الشاه الأب رضا بهلوي وابنه الشاه محمد رضا بهلوي.

[11] صحيفة الإمام، ج 9، ص 74 – 75.

[12] م.ن، ج 16، ص 500.

[13] صحيفة الإمام، ج 14، ص 168 – 169.

[14] م.ن، ج 13، ص 489.

[15] صحيفة الإمام، ج 9، ص 3.

[16] م.ن، ج 14، ص 3.

[17] م.ن، ج 13، ص 417.

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...