الرئيسية / من / طرائف الحكم / الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها18

الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها18

2ـ قراءة المصائب والمراثي في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

من المصاديق البارزة للشعائر الحسينيّة – والتي لا بدّ للإنسان أن يسأل التوفيق لإقامتها – إنشاد المراثي وذكر المصائب في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام والمراد منها ذكر قصص عاشوراء ومظلوميّة سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه الأوفياء لعموم الناس ليعرفوا ما جرى من ظلمٍ على أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فتحترق قلوبهم وتذرف دموعهم.

 

ويمكن القول بشكل قطعيّ إنّ ذكر هذه المصائب يُعتبر من الأمور المؤثّرة جدّاً في بقاء عاشوراء.

 

وقد ورد في بعض الروايات أنّ الله تبارك وتعالى قد أخبر الأنبياء بمصائب سيّد الشهداء عليه السلام.

 

وفي روايات أخرى أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر الأنبياء عليهم السلام بتلك المصائب.

 

وورد في بعض الروايات أيضاً أنّ الخمسة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام وكذلك الأئمّة المعصومين عليهم السلام أخبروا بتلك المصائب وتحدّثوا عنها، وسوف نشير في هذا المختصر إلى بعض مواردها:

 

الله تعالى يخبـر النبيّ إبراهيم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

في مقطع من رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال فيها: “قال

الله تعالى: يا إبراهيم, فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي. فجزع إبراهيم لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي[1].

 

والنبيّ موسى عليه السلام

 ونقل أنّ نبيّ الله موسى عليه السلامناجى ربّه فقال في مناجاته: “يا ربّ, إنّ فلاناً عبدك الإسرائيليّ أذنب ذنباً ويسألك العفو. قال: يا موسى أعفو عمّن استغفرني إلّا قاتل الحسين. قال موسى: يا ربّ ومن الحسين؟ قال له: الذي مرّ ذكره عليك بجانب الطور. قال: يا ربّ ومن يقتله؟ قال: يقتله أمّة جدّه الباغية الطاغية في أرض كربلاء وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل وتقول في صهيلها الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على وجه الرمال من غير غسلٍ ولا كفن وينهب رحله ويسبى نساؤه في البلدان، ويُقتل ناصره وتُشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح. يا موسى, صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر. قال: فبكى موسى عليه السلاموقال: يا ربّ, وما لقاتليه من العذاب. قال يا موسى: عذابٌ

يستغيث منه أهل النّار بالنّار, لا تنالهم رحمتي ولا شفاعة جدّه ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض”[2].

 

النبيّ زكريا عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام

في رواية عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يشير فيها سلام الله عليه إلى قصّة زكريا عليه السلام فيقول: “… وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل عليه السلام فعلّمه إيّاها فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً وفاطمة والحسن عليهم السلام سُرِّيَ عنه همّه وانجلى كربُه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟

 

فأنبأه الله تبارك وتعالى من قصّته فقال: ﴿كهيعص[3]، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطش، والصاد صبره…”[4].

 

جبرائيل يخبر النبيّ آدم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

ورد في الرواية أنّ النبيّ آدم عليه السلام بعد أن أقسم على الله تبارك وتعالى بأسماء الخمسة عليهم السلام قال لجبرائيل الذي

لقّنه إيّاها: “يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي، قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب. فقال: يا أخي وما هي (مصيبته)؟ قال: يُقتل عطشانَ غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان, فلم يجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحلَه أعداؤه وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان, كذلك سبق في علم الواحد المنّان. فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى[5].

 

جبرائيل يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمصيبة الحسين عليه السلام في ليلة المعراج

في رواية مفصّلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقلها الإمام الحسن عليه السلام، قال: “أخبرني جدّي، قال: لمّا دخلت ليلة المعراج روضات الجنّات ومررت على منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلّا أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر. فقلت: يا جبرائيل, لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن عليه السلام والآخر


للحسين عليه السلام، فقلت يا جبرائيل: فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يردّ جواباً، فقلت: لم لا تتكلّم؟ قال: حياءً منك، فقلت له سألتك بالله إلّا ما أخبرتني، فقال: أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ ويخضرّ لونه عند موته. وأمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل ويحمّر وجهه بالدم. فعند ذلك بكيا وضجّ الحاضرون بالبكاء والنحيب”[6].

 

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصيبة الحسين عليه السلام

المستفاد من التاريخ والروايات أنَّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ اليوم الأوّل للميلاد المبارك لسيّد الشهداء عليه السلام وحتّى يوم شهادته وفي مناسبات مختلفة كان يذكر مصيبة ولده الحسين عليه السلام ويرثيه أحياناً فيبكي عليه.

 

ويروي الإمام الرضا عليه السلامعن آبائه عليهم السلام عن الإمام السجاد عليه السلام عن أسماء بنت عميس قولها: لمّا ولدت فاطمة الحسين عليه السلام… دفعته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خرقة بيضاء وبعد أن سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى ومن ثمّ قال: اللهمّ العن قاتله… ولمّا كان يوم سابعه جاءني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “هلمّي ابني“, فأتيته به… وعقّ عنه… وحلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ومن ثمّ وضع الحسين عليه السلام في حجره ثمّ قال: “يا أبا عبد الله عزيزٌ عليّ ثم بكى”.

فقالت أسماء: بأبي أنت وأمّي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل. فما هو؟

 

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أميّة لعنهم الله، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة…”[7].

 

وفي رواية أخرى عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: “خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى سفرٍ فوقف في بعض الطريق واسترجع ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ ودمعت عيناه فسئل عن ذلك, فقال: هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يُقتل فيها ولدي الحسين وكأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها. وكأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا، وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد- لعنه الله- فوالله ما ينظر أحدٌ إلى رأس الحسين ويفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذاباً أليماً.

 

ثمّ رجع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس, فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال: اللهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك وهذان أطايب عترتي وخيار

أرومتي وأفضل ذرّيّتي ومن أخلفهما في أمّتي وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مقتولٌ بالسمّ والآخر شهيد مضرّجٌ بالدم اللهمّ فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله وَأَصْلِهِ حرّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: “فضجّ الناس بالبكاء والعويل…”[8].

 

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “كان الحسين عليه السلام مع أمّه عليها السلام تحمله فأخذه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك. قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبت أيّ شيءٍ تقول؟ قال: يا بنتاه, ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم. قالت: يا أبة, وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كربٍ وبلاء علينا وعلى الأمّة (الأئمّة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلّدون في النّار…”[9].

أمير المؤمنين عليه السلام ومصيبة سيّد الشهداء عليه السلام

إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً وفي موارد كثيرة سواءً مع أهل بيته أو مع أصحابه كان يخبرهم عن المستقبل ويذكر لهم مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام.

 

رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناسٍ من أصحابه, فلمّا مرّ بها اغرورقت عيناه بالبكاء ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم, وهذا ملقى رحالهم, وهنا تهرق دماؤهم, طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة”[10].

 

مصيبة الإمام الحسين عليه السلام على لسان أخيه الإمام الحسن عليه السلام

روي عن الإمام الصادق عليه السلامعن أبيه عن جدّه عليهما السلام، قال: “إنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلامفلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله, يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك


وانتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار[11].

 

[1] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص209, بحار الأنوار، ج44، ص225 و226.

[2] بحار الأنوار، ج44، ص308, الخصائص الحسينيّة، ص195 و196.

[3] سورة مريم، الآية: 1.

[4] الاحتجاج، ص239, بحار الأنوار، ج14، ص178 وج44، ص223.

[5] بحار الأنوار، ج44، ص245 نقلاً عن كتاب الدرّ الثمين.

[6] بحار الأنوار، ج44، ص145.

[7] بحار الأنوار، ج44، ص250 و251 نقلاً عن أمالي الصدوق.

[8] بحار الأنوار، ج44، ص247 و248.

[9] تفسير فرات الكوفيّ, ص 55 و 56, بيحار الأنوار, ج44, ص 264.

 [10]كامل الزيارات، باب 88، رقم 12.

[11] الأمالي للصدوق، المجلس 24، رقم 3, بحار الأنوار، ج45، ص218.

 

 

شبكة المعارف الإسلامية

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...