الحكمة الرابعة: “وأخلِصِ العَمَلَ فَإِنَّ الناقِدَ بَصيرٌ”
الدُّنيا مزرعة الآخرة، فالمرء يعمل في هذه الدُّنيا ليدرك ثمار عمله في الآخرة، ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾25.
في هذه الحكمة لم يقل لقمان: (وأكثر العمل), بل كان أمره بفعلٍ يدلُّ على نوعية العمل، ألا وهو الإخلاص, ليشير إِلَى أنَّ المعيار في الحسابات الرَّبانية ليس كثرة العمل، بل الإخلاص في أصل العمل.
والإخلاص عبارة عن تصفية السرّ عن ملاحظة ما سوى الله تبارك وتعالى، فإذا كان العمل خالصاً لله، فلا تُنْقِص القلّة من قيمته، وإنْ كان العمل لغير الله فلن ترفع الكثرة من شأنِه.
والقرآن الكريم يحدّثنا عن عملٍ قام به أصحاب الكساء عليهم السلام في قصّة مَرَضِ الحسنين عليهما السلام، وتصدّقهم بأقراصٍ معدودةٍ من شعير، تلك المادة التي تعتبر من أردأ الموادّ المتعارفة في تهيئة الخبز وما يشابهه، تصدّقوا بها أيضاً على أشخاصٍ معدودين: (مسكينٍ ويتيمٍ وأسير)، ومع ذلك نزلت في حقّهم سورةٌ من القرآن
23- الزمر، 30.
24-نهج البلاغة، الخطبة 3.
25-الكهف، 49.
الكريم، وليس ذلك إِلَّا لقولهم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾26، فكانت النتيجة أنْ: (وقاهم، ولقّاهم، وجزاهم)، كما ورد في قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا *وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾27.
وفي مقابل ذلك نجد هناك مَنْ تصدّق بكلِّ ماله ـ وقد كان غنياً ـ لمرّاتٍ متعدِّدة، ولم ينزل فيه إِلَّا قوله تعالى: ﴿كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾28.
في هذه الحياة الدُّنيا قد نستطيع أنْ نخدع النّاس، لكنّ النّاقد البصير وهو الله تبارك وتعالى لا يمكن لأحدٍ أنْ يخدعه، كيف ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾29.
فسبحان القائل: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾30.
26-الإنسان، 10.
27- الإنسان، الآيتان، 11 – 12.
28-البقرة، 264.
29- التغابن، 4.
30- النمل، 25.
الولاية الاخبارية