النموذج الثاني: إستمالة قلوب الناس بالمكر والخديعة:
السياسيون والذين يشتغلون في الشأن العام كثيراً ما يهمّهم أنَّ يَحظوا بموقعيةٍ في المجتمع الَّذِي يكون محلاً لعملهم ونشاطهم، فيسعون بشتّى الطرق لصرف عقول الناس وإمالة قلوبهم باتّجاههم.
12- البقرة، 188.
13- الكافي، ج 5، ص127.
فترى بعض هؤلاء، وهو مَنْ له موقعية حقيقية، يرتفع في قلوب الناس من دون حاجة إِلَى أنْ يتوسّل إِلَى ذلك أيّ وسيلةٍ مبتذلة، بل ربّما لا يأتي في ذهنه الرغبة في أنْ يتربّع في قلوب الناس, لأنّه همّه وغرضه ليس ذلك، بل همّه وهو الأساس دوماً القيم العليا والأهداف السامية، وفي الخبر: “مَنْ تَوَاضَعَ لِلهِ رَفَعَه”14.
بينما أصحاب الدنيا، والمقامات الواهمة، يتوسّلون في ذلك الكذب والخداع والاحتيال. ومن أبرز المصاديق على ذلك ما نشاهده من دفع الأموال الطائلة في مواسم الانتخابات التي تحصل في الكثير من الدول. ومثله استئجار الطواغيت وسلاطين الدنيا للأقلام المأجورة التي تمدحهم، وتمجّدهم، وتحسّن صورتهم أمام الجمهور والرأي العام, ولأجل ذلك يكثر الشعراء والمتملِّقون في بلاط الزعماء والملوك والأمراء.
طاعة الله أسرع السبل
بعد الالتفات إِلَى أنَّ القدرة العظمى المتصرّفة في عالم الوجود والتكوين هي الله سبحانه وتعالى، وأنّه لا توجد قدرةٌ في الوجود يمكن لها أنْ تقف في وجه قدرته تبارك وتعالى، وأنّ الإنسان مهما سعى لا يستطيع أنْ يحصل على ما يغاير المشيئة الربّانية. فالرزق بيده الله يعطيه من يشاء، ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾15.
وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يميلها حيث يشاء، ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾16.
والحاجات طيّعةٌ بأمر الخالق يقضيها لمن يشاء، ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾17. فركوب المعصية لا ينزل رزقاً، ولا يميل قلباً، ولا ينجح طَلِبةً.
14- وسائل الشيعة، ج14، ص516.
15- طه، 132.
16- آل عمران، 103.
17- البقرة، 105.
بل قد يورث حسرةً وخسارة وعداوة، كيف وقد قال إمامنا الصادق عليه السلام: “مَنْ حَاوَلَ أَمْراً بِمَعْصِيَةِ الله كَانَ أَفْوَتَ لِمَا يَرْجُو وَأَسْرَعَ لِمَجِيءِ مَا يَحْذَر”18؟
وفي الصحيح عن ْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: “إِذَا قَامَ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَخَفَّفَ صَلَاتَهُ قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ أَمَا تَرَوْنَ إِلَى عَبْدِي كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِهِ بِيَدِ غَيْرِي أَمَا يَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِهِ بِيَدِي”19.
فاعتبروا أحبّتي من الأُمور التي نشاهدها في حياتنا اليومية، فكم من متعبٍ نفسه لتحصيل المال، وليس له من جهده إِلَّا التعب، وكم ساعٍ وراء الجاه ولا يحصل إِلَّا على سوء السمعة.
وكم من رجل يسعى رزقه نحوه وإنْ لم يكن طالباً له.. وكم من إنسان يحصل له الذكر الجميل والسمعة الحسنة بين الناس وإنْ لم يكن ساعياً نحو ذلك. فاعملوا عباد الله ما يطلب منكم، والباقي على الله تعالى.
18- الكافي، ج2، ص373.
19- الكافي، ج 3، ص 269.
الولاية الاخبارية