الرئيسية / بحوث اسلامية / البدعة وآثارها الموبقة (لـ جعفر السبحاني)

البدعة وآثارها الموبقة (لـ جعفر السبحاني)

5 ـ التسليم لغير المعصوم

إنّ من أسباب نشوء البدع التسليم لغير المعصوم، فلا شكّ أنّه يخطأ وربّما يكذب، فالتسليم لقوله سبب للفرية على الله سبحانه والتدخّل في دينه عقيدة وشريعة.

____________

1- ابن هشام، السيرة النبوية 2: 537 ـ 543.


الصفحة 70


فإذا كان النبيّ الأكرم خاتم النبيين وكتابه خاتم الكتب وشريعته خاتم الشرائع فلا حكم إلاّ ما حكم به، ولا سنّة إلاّ ما سنّه، والخروج عن هذا الإطار تمهيد لطريق المبتدعين. وفي ضوء ذلك فلا معنى معقول لتقسيم السنّة إلى سنّة النبيّ وسنّة الصحابة، وتلقّي الأخيرة حجّة شرعية وإن لم تُسند إلى المصدرين الرئيسيين. وهذه كتب الحديث والفقه تطفح بسنّة الصحابة، فهناك سنن تُنسب إلى الخليفة الأوّل والثاني والثالث، فما معنى هذه السنن إذا لم تستند إلى الكتاب والسنّة، ولو أُسندت فلا معنى لإضافتها إليهم. كما أنّ الإفتاء بمضمون تلك السنن بدعة في الشريعة.

وهناك كلام للدكتور عزّت علي عطية، جعل فيه الاقتداء بأئمة أهل البيت تسليماً لغير المعصوم ثمّ قال: نتساءل عن الصلة بين هذا الإمام وبين الله جلّ جلاله، هل هي وحي، أم إلهام أم حلول؟ إن كانت وحياً فقد نفوه، وإن كانت حلولا فهو الكفر بعينه، وإن كانت إلهاماً فما الذي يفرق بينه وبين وساوس الشيطان وخطرات النفوس(1).

إنّ الدكتور عطية لم يدرس عقائد الإمامية حقّها وإنّما اكتفى بكتاب صغير كتب في بيان العقائد لا في البرهنة عليها، ولو أنّه رجع إلى علمائهم ومؤلفاتهم لوقف على أدلّة عصمة الأئمة، فإنّ أحد تلك الأدلّة هو حديث الثقلين الذي أطبق المحدّثون على نقله، وهو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: “إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما”. فإن كانت العترة عدلا للكتاب وقريناً له

____________

1- الدكتور عزت علي عطية، البدعة: 245.


الصفحة 71


فتوصف بوصفه، فالكتاب معصوم عن الخطأ “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه” فتكون العترة مثله.

وأمّا مصدر علومهم; فغالب علومهم مأخوذ من الكتاب والسنّة إذ أخذ عليّ (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخذ الحسن (عليه السلام) عن أبيه، وهكذا كل إمام يأخذ عن أبيه، علم يتناقل ضمن هذه السلسلة الطاهرة المعروفة، ولم يأخذ أحد منهم (عليهم السلام) عن صحابي ولا تابعي أبداً، بل أخذ الجميع عنهم، ومنهم انتقلت العلوم إلى الآخرين كما تلقّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لدن حكيم خبير.

قال الإمام الباقر (عليه السلام): “لو كنّا نحدّث الناس برأينا وهوانا لهلكنا، ولكن نحدّثهم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم”.

وهناك مصدر آخر لعلومهم وهو أنّهم محدّثون كما أنّ مريم كانت محدّثة، وكما كان عمر بن الخطاب محدّثاً حسب ما رواه البخاري، روى أبو هريرة قال: قال النبي: “لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن كان من أُمّتي أحد فعمر”(1). لكن الدكتور خلط بين التحديث والوحي.

وأمّا أنّهم بماذا يميّزون الإلهام من وساوس الشيطان، فليس بأمر عسير فإنّ الوساوس تدخل القلب بتردّد والإلهام يرد النفس بصورة علم قاطع ولأجل ذلك تلقّت مريم وأُمّ موسى ما أُلهما به، كلاماً إلهياً، لا وسوسة شيطانية.

____________

1- البخاري، الصحيح 2: 194 باب مناقب عمر بن الخطاب.

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...