ليالي بيشاور – 68 لسلطان الواعظين
1 يناير,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
773 زيارة
أسباب الثورة على عثمان:
إن من أهم أسباب الثورة على عثمان ، سيرته المخالفة لسير النبي (ص) وسيرة الشيخين ، فلو كان يسعى ليغير سيرته الخاطئة ويصلح الأمور ويعمل بنصيحة الناصحين ، أمثال الامام علي (ع) وابن عباس ، لكان الناس يهدؤون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية (46)، ولكنه اغتر بكلام حاشيته وحزبه من بني أمية حتى قتل ، وقد كان عمر بن الخطاب تنبأ بذلك ، لأنه عثمان مدة طويلة ، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/186 ط. دار احياء التراث العربي قال :
في قصة الشورى … فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم ؟! ..
ثم أقبل على علي (ع) فقال : لله أنت ! لولا دعابة فيك ! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح ، والمحجة البيضاء .
ثم أقبل على عثمان ، فقال : هيها إليك ! كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا …. إلى آخره .
وقال في ج2/129 : وأصح ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة 33 ـ 35 ، وخلاصة ذلك : أن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني أمية ، ولا سيما الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم ، وما جرى في أمر عمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود ، وغير من الأمور التي جرت في أواخر خلافته .
وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه ، وهو من زعماء بني أمية ، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه ، فقد قال : إن رسول الله (ص) رأى أبو سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار ، فقال (ص) : ” لعن الله الراكب والقائد والسائق ” .
وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أن عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة ، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا ، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان ، فارتد عن الإسلام ، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله ، لأن المرتد جزاؤه القتل ، ولكنه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه !
فأنصفوا وفكروا ! لماذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتد ، ويؤوي طريد رسول الله (ص) الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ويقربهم ويمنحهم الأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين ، ويسند إليهم وإلى أبنائهم الولايات والامارات ، وهم الذين لعنهم رسول الله (ص) في الملأ العام ، وقد سمعه المسلمون وهو يفسر الشجرة الملعونة في القرآن ببني أمية ؟!
لماذا كان عثمان يتخذ مروان وأمثاله ونظراءه أولياء من دون الله تعالى ويركن إليهم ويعمل برأيهم ، بل أسند إليهم إدارة الدولة حتى تكون آلة لهم ومطية لأغراضهم الالحادية وأهدافهم الجاهلية ؟!
فلقائل أن يقول : إنما كان عثمان يقصد من وراء أعماله التي ذكرنا طرفا منها تمهيد السبيل للانقلاب الذي أخبر الله سبحانه في كتابه بقوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم … )(47).
موقف علي عليه السلام من عثمان:
لقد كان موقف الإمام علي (ع) في الفتنة موقف الناصح المصلح ، والتاريخ يشكر له مواقفه السليمة ، وأنا أنقل لكم الآن بعض كلامه في هذا الشأن من ” نهج البلاغة ” حتى تعرفوا نياته الطيبة ومساعيه الخيرة .
قالوا : لما اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان ، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم ، فدخل (ع) على عثمان فقال :
إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم ، والله ما أدري ما أقول لك ! ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه !
إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، و قد رأيت كما رأينا، و سمعت كما سمعنا، و صحبت رسول اللّه (ص) كما صحبنا، و ما ابن أبي قحافة و لا ابن الخطّاب بأولى بعمل الحقّ منك، و أنت أقرب إلى رسول اللّه (ص) وشيجة رحم منهما، و قد نلت من صهره ما لم ينالا، فاللّه.. اللّه في نفسك فإنّك و اللّه ما تبصّر من عمي و لا تعلّم من جهل، و إنّ الطّرق لواضحة و إنّ أعلام الدّين لقائمة .
فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى، فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السّنن لنيّرة لها أعلام، و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، و إنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به، فأمات سنّة مأخوذة و أحيا بدعة متروكة، و إنّي سمعت رسول اللّه (ص) يقول يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى، ثمّ يرتبط في قعرها .
و إنّي أنشدك اللّه أن تكون إمام هذه الأمّة المقتول!
فإنّه كان يقال يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة، و تلبس أمورها عليها و يبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا .
فلا تكونن ّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السّنّ و تقضي العمر(48) .
فقال له عثمان كلّم النّاس في أن يؤجّلوني حتّى أخرج إليهم من مظالمهم .
فقال (ع) : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه .
ولكن عثمان شاور مروان في ما طلبه علي (ع) من قبل الناس ، فأشار عليه بالمخالفة ، فخرج عثمان وخطب الناس وقال في ما قال :
… فاجترأتم علي ، أما والله لأنا أقرب ناصرا ، وأعز نفرا ، وأكثر عودا ، وأحرى إن قلت :
” هلم ” أن يجاب صوتي .
ولقد أعددت لكم أقرانا ، وكشرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ، ومنطقا لم أكن أنطق به …. إلى آخره .
فهاج الناس ولم يرضوا من كلامه ، فاشتد البلاء حتى وقع ما وقع .
#ليالي_ بيشاور 2019-01-01