ليالي بيشاور – 67 لسلطان الواعظين
22 ديسمبر,2018
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
786 زيارة
سيرة عثمان على خلاف الشيخين:
لقد أجمع المؤرخون والأعلام ، مثل : ابن خلدون ، وابن خلكان ، وابن أعثم الكوفي ، وأصحاب الصحاح كلهم ، والمسعودي في مروج الذهب 1/435 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبري في تاريخه ، وغيرهم من علمائكم ، قالوا: إن عثمان بن عفان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنة الرسول( ص ) وسيرة الشيخين ، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنة الرسول( ص ) وسيرة الشيخين ، وأن لا يسلط بني أمية على رقاب المسلمين .
ولكن حينما استتب له الأمر خالف العهد ، وتعلمون بأن نقض العهد من كبائر الذنوب ، والقرآن الحكيم يصرح بذلك .
قال تعالى : ( …. وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا )(35).
وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )(36).
الحافظ : نحن لا نعلم لذي النورين خلافا ، وإنما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ولا دليل عليه !
قلت: راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ 1/198 ط دار إحياء التراث العربي ، فإنه قال: وثالث القوم هو عثمان بن عفان …. بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له ، وصحت فيه فراسة عمر ، فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس ، وولاهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت أفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان.
وأعطى عبدالله بن خالد أربعمائة ألف درهم .
وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، بعد أن كان رسول الله( ص ) قد سيره ـ أي: نفاه من المدينة ـ ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم .
وتصدق رسول الله ( ص ) بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان .
وأقطع مروان فدك ، وقد كانت فاطمة بنت رسول الله( ص ) طلبتها بعد وفاة أبيها( ص ) تارة بالميراث ، وتارة بالنحل ، فدفعت عنها.
وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية .
وأعطى عبدالله بن أبي السرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين .
وأعطى أبا سفيان بن حرب*(37) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوجه ابنته أم أبان . فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال: … والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!
فقال: ألق المفاتيح يابن أرقم ، فإنا سنجد غيرك!
وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسمها كلها في بني أمية.
وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال ، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته .
وانضم إلى هذه الأمور ، أمور أخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة ، وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسر أضلاعه ، وما أظهر من الحجاب، والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود ورد المظالم وكف الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!
وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين …. إلى آخره .
هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفان .
وذكر المسعودي في مروج الذهب 2/ 341 ـ 343 :
فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية ، وكانت غلة طلحة بن عبيدالله(38) من العراق كل يوم ألف دينار ، وقيل أكثر .
وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاه ، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.
وحين مات زيد بن ثابت خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.
ومات يعلي بن منية وخلف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار .
أما عثمان نفسه… فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون ألف دينار وألف ألف[أي: مليون] درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف خيلا كثيرا وإبلا .
ثم قال المسعودي بعد ذلك : وهذا باب يتسع ذكره ، ويكثر وصفه فيمن تملك الأموال في أيامه .
انتهى كلام المسعودي.
هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة ، وجمع الخيل والإبل والمواشي ، وامتلاك الأراضي والعقار ، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.
أكان هذا السلوك يليق بمن يدعي خلافة رسول الله( ص ) وهل كان النبي( ص ) كذلك؟!
كلا وحاشا ، ولاشك أن عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا ، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما .
ذكر المسعودي في مروج الذهب ، ج1 ، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة : إن الخليفة عمر مع ولده عبدالله ذهبا إلى حج بيت الله الحرام ، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستة عشر دينارا ، فقال لابنه: ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا .
فقايسوا بين تبذير عثمان لأموال المسلمين وكلام عمر بن الخطاب ، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!
توليته بني أمية:
إن عثمان مكن فساق بني أمية وفجارهم من بلاد المسلمين ، وسلطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(39) ، فاتخذوا أموال الله دولا ، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا ، منهم : عمه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول الله (ص) وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف .
الحافظ : ما هو دليلكم على نفي هذين بالخصوص ؟
قلت : دليلنا على لعنهما من جهتين ، جهة عامة ، وجهة خاصة .
أما الجهة العامة : فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن ، بقوله تعالى: ( …. وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن …)(40).
وقد فسرها أعلام المفسرين وكبار المحدثين ، ببني أمية ، منهم : الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي ، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم ، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عباس أنه قال الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية ، فإن رسول الله (ص) رأى فيما يراه النائم أن عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه ، فلما استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره : أن القردة التي رأيتها في رؤياك إنما هي بنو أمية ، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة(41).
وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس : أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن أبي العاص ويخصه باللعن .
وأما الجهة الخاصة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :
أما روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487 ، وابن حجر الهيتمي المكي في ” الصواعق ” قال : وصححه الحاكم ، قال رسول الله (ص) : إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم .
قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبي (ص) : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون .
وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس : أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن ابي العاص ويخصه باللعن .
وأما الجهة الخاصة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :
أما روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487 ، وابن حجر الهيتمي المكي في “الصواعق” قال : وصححه الحاكم ، قال رسول الله (ص) : إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم .
قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبي (ص) : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون .
وروى ابن حجر أيضا ، والحلبي في السيرة الحلبية 1/337 ، والبلاذري في أنساب الأشراف 5/126 ، والحافظ سليمان الحنفي في “ينابيع المودة” والحاكم في المستدرك 4/481 ، والدميري في حياة الحيوان 2/299 ، وابن عساكر في تاريخه ، ومحب الدين الطبري في ” ذخائر العقبى” وغير هؤلاء ، كلهم رووا عن عمر بن مرة الجهني : أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (ص) فعرف صوته ، فقال : ائذنوا له ، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمن منهم وقليل ما هم .
ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، في ذيل الآية : ( والشجرة الملعونة ) أن عائشة كانت تقول لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه . فأنت بعض من لعنه الله !
والمسعودي في مروج الذهب 1/435 يقول : مروان بن الحكم طريد رسول الله (ص) الذي أخرجه النبي (ص) ونفاه من المدينة .
إن أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة ، ولكن عثمان خالف النبي والشيخين ، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة ، وزوجه ابنته أم أبان ، ومنحه الأموال ، وفسح له المجال حتى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(42).
وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ عن عثمان سلم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم .
النواب : من كان الحكم بن أبي العاص ؟ ولماذا لعنه النبي (ص) ونفاه من المدينة ؟
قلت : هو عم الخليفة عثمان ، وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف 5/17 : ان الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول الله (ص) وكان كثيرا ما يؤذي النبي (ص) في مكة ، ثم جاء إلى المدينة بعد عام الفتح ، وأسلم في الظاهر ، ولكنه كان يسعى لأن يحقر النبي (ص) ويحاول أن يحط من شأنه بين الناس . وكان يمشي خلف النبي (ص) ويبدي من نفسه حركات وإشارات يستهزئ بها برسول الله (ص) ويجرئ على السخرية منه (ص) .
فدعا عليه رسول الله (ص) أن يبقى على الحالة التي كان عليها ، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون ، وصار الناس يستهزئون به ويسخرون منه .
فذهب يوما إلى بيت النبي (ص) ، ولا أعلم ما صدر منه ، إلا أن النبي (ص) خرج وقال : لا يشفع أحدكم للحكم !
ثم أمر (ص) بنفيه مع أولاده وعياله ، فأخرجه المسلمون من المدينة ، فأقام في الطائف .
ولما ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنه رفض ، وبعده شفع له عثمان عند عمر ، فرفض ، وقتلا : هو طريد رسول الله (ص) فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة .
فلما أمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر ، أعاد الحكم مع أولاده إلى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين ، بل منحهم أموال بيت المال ، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا ، فجمع حوله أشرار بني أمية وأسند إليهم الأمور والولايات.
فجور واليه في الكوفة:
فولى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمه ، وأسمها أروى ، وقد صرح النبي (ص) أنه من أهل النار ! كما في رواية المسعودي في مروج الذهب ، ج1 ، في أخبار عثمان ، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور ، ومتظاهرا بالفجور :
وذكر أبو الفداء في تاريخه ، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني 4/178 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : 104 ، الإمام أحمد في المسند 1/144 ، والطبري في تاريخه 5/60 ، والبيهقي في سننه 8/318 ، وابن الأثير في أسد الغابة 5/91 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/18 ط. دار احياء التراث العربي .
هؤلاء وغيرهم من أعلام السنة ذكروا : أن الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم : إن شئتم أزيدكم !!
وبعضهم ذكر بأنه تقيأ في المحراب ، فشم الناس منه رائحة الخمر ، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك ، فشكوه إلى عثمان ، فهدد الشهود وأبى أن يجري الحد عليه ، فضغط عليه الإمام علي (ع) والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة ، حتى اضطر إلى ذلك ، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه ، وهو لا يقل عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور .
وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة ، وكان معاوية عاملا لعمر على دمشق والأردن ، فضم إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة (43).
هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنما كانوا متهمين في دينهم ، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدثنا المفسرون في ذيل الآية الكريمة : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون )(44).
فالمؤمن علي (ع) والفاسق الوليد .
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )(45)، وقال المفسرون في شأن نزولها : إن الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول الله (ص) وادعى أنهم منعوه الصدقة ، ولو قصصنا مخازيه ومساوئه لطال بها الشرح.
وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم شكاية كارها ، وربما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!
#ليالي_ بيشاور 2018-12-22