تمكن عصابات “داعش” الإرهابية مؤخرا من السيطرة على مركز مدينة الرمادي لا يعني بالحسابات الستراتيجية نجاحا لها وهزيمة للعراق، باعتبار ان الظروف التي رافقت عملية التراجع عن الرمادي هي وحدها من سمحت لها بالوصول الى مركز المدينة، فضلا عن امتلاك العراق لقدرات الرد واستعادة زمام المبادرة عبر تحشيد قوات الصد وإقامة خط دفاعي لإيقاف هجمات تلك العصابات والمبادرة الى اشراك الحشد الشعبي الذي جاء تصحيحا متأخرا لخطأ سابق، حيث أدى الخطأ الكارثي باستبعاد الحشد الشعبي – لأسباب لا مبرر لها وعلى حساب الوضع الأمني للمحافظة رغم أهميتها للعاصمة بغداد ولأمن العراق ككل – الى تمكن عصابات داعش من السيطرة على مدينة الرمادي.
كانت محافظة الانبار تمثل المرحلة الثانية بعد انجاز عملية تحرير تكريت، حيث كانت هناك خطة موضوعة من قبل قيادات الحشد الشعبي والقوات المسلحة لانجاز عملية تحرير الانبار وايقاف الضغط الذي كانت تتعرض له لاكثر من عام ونصف والذي ادى الى فقدان مناطق ومساحات مهمة منها خصوصا القريبة من الحدود السورية.
الانشغال بترتيبات عمليات تحرير مناطق جرف النصر وتكريت وشمال سامراء لم يتح الوقت الكافي لتحرير المدن المحتلة في الانبار التي كانت تحتاج الى عملية تحرير كبيرة تحتاج الى جهود واسلحة نوعية، فضلا عن العدد الكبير من القطعات لتغطية مناطقها وصد التعرضات المقابلة التي تقوم بها “داعش”.
كانت الممانعة السياسية المدعومة من قبل اطراف اقليمية وخارجية لبعض الزعامات في الانبار حول دخول الحشد الى الانبار والاعتماد فقط على عشائرها عبر تسليحها من الخارج واحدة من اهم الاسباب التي اضاعت نصرا مؤكدا كان من المكن ان تحرزه الانبار في معركتها ضد عصابات “داعش” وتجنبها للسيناريو السيء بسقوط الرمادي ونزوح عشرات الآلاف من سكانها خشية عمليات الانتقام منهم.
تطويق تداعيات ما حدث في الانبار مؤخرا يمثل مطلب العراقيين جميعا من خلال اشراك العشائر الانبارية في المعركة الى جانب قوات الحشد الشعبي، واستخدام فرق عسكرية غير منهكة ومدربة على عمليات قتال الشوارع، اذ افتقدت الفترة السابقة الى وجود مثل هذا النوع من القوات، بالاضافة الى الفيتو السياسي المبطن بدوافع طائفية وسياسية لمنع الحشد الشعبي من دخول الانبار وتطهير مناطقها وتفضيل خيار السقوط والنزوح عليه.
ان تداعيات معركة الانبار تفتح امامنا حقيقة مهمة وهي الاستمرار بسياسة الانجرار وراء هجمات “داعش” وعدم وضع خطة ستراتيجية كبرى لقصم ظهر التنظيم عبر خنقه في داخل المناطق التي يسيطر عليها ومن ثم الإجهاز عليه بداخلها عبر قطع شرايين وممرات الإمدادات التي تربط هذه المناطق بالعمق السوري الذي يعتمد عليه التنظيم كثيرا في شن هجماته وتعويض خسائره، فضلا عن انه يمنحه زخما كبيرا للمناورة وتهديد المدن والمناطق المختلفة.
عملية الهجوم المضاد لتحرير الانبار التي قامت بها قوات الجيش والحشد الشعبي مؤخرا والتي تم تحقيق نتائج متقدمة فيها يجب ان تكون عملية غير تقليدية من خلال حشد قوات كبيرة لتنفيذها عبر اكثر من محور وصولا الى الموصل من جهة والمناطق الحدودية المحاذية لسوريا، فالاكتفاء بتطهير مركز الرمادي لا يعد كافيا، حيث انه سيشجع التنظيم على استقدام تعزيزات من الرقة السورية ومن ثم شن هجمات مضادة واعادة الامور الى وضعها السابق عندما تكتفي القوات بالدفاع عن مركز المدينة تاركة اطرافها بيد “داعش”
وهو نفس السيناريو الذي حصل في بيجي مؤخرا رغم المرات العديدة التي وصلت فيها القوات الامنية الى المصفى، حيث سرعان ما كانت هذه العصابات تعود اليه بعد استقدامها لتعزيزات من المناطق المجاورة ما جعل الوضع في بيجي غير محسوم حتى الايام الماضية قبل ان تعيد القوات المسلحة العراقية بالتعاون مع الحشد الشعبي البطل وضع خطة جديدة تزيل تهديد عصابات “داعش” الارهابية من خلال اسقاط المعاقل القريبة من مصفى بيجي وقطع طرق الامداد لها وتشكيل طوق حول المصفى تمهيدا لاقتحامه من الداخل، اضافة الى تأمين اجنحة القوات من اية عمليات تطويق او مباغتة تقوم بها هذه العصابات.
خيار اللجوء الى فتح اكثر من جبهة ضد “داعش” عبر شن عمليات تحرير للمناطق القريبة من الرمادي وجنوب كركوك وتكوين قوس يعزل الموصل واطراف بغداد عنها يمثل خيارا سليما يحتاج الى قوات كفوءة لتنفيذه، فضلا عن عمليات إنزال لقوات مظلية خاصة في مناطق الحدود العراقية السورية ونصب كمائن متحركة لضرب تلك الامدادات بالتعاون مع سلاح الجو العراقي والتحالف الدولي لقطع تلك الإمدادات والتأثير على الحالة المعنوية لافراد تلك العصابات.
ان الوضع الامني يفرض على القيادة العسكرية العليا في البلاد وضع خطة ستراتيجية شاملة لتدمير هذه العصابات وإضعاف قدراتها وعدم السماح لها باستنزاف الجيش والقوات الامنية عبر وضع خطة تعبئة شاملة تقوم على تشكيل فرق عسكرية اضافية يتم تدريب افرادها المتطوعين على اساليب حرب الشوارع في معسكرات تدريب يتم فتحها في المناطق الآمنة من قبل خبراء عسكريين محليين واجانب، فضلا عن شراء طائرات مروحية ومدفعية ثقيلة بأعداد كبيرة لاستخدامها في عمليات الاسناد الناري التي تحتاجها القوات الامنية والحشد الشعبي في عملياتها، اضافة الى تقسيم مسارح العمليات الى قواطع توكل الى كل قوة مشتركة فيه انجاز مهمة تحرير منطقة فيه بدلا من تركيز القوات جميعها في مكان واحد وترك باقي المناطق مكشوفة وعرضة لعمليات “داعش” الاجرامية.
لقد تمكنت عصابات “داعش” خلال العمليات السابقة من الفرار في بعض المعارك التي شهدت هزائمها وهذا يعني من الناحية السوقية والستراتيجية عدم تضررها مما يعني احتفاظها بقدراتها وهو امر ينبغي على قيادات الجيش والشرطة والحشد الشعبي الاهتمام به عبر تدمير القوة البشرية لـ”داعش” وعدم السماح لتلك العصابات بالهروب والافلات من خلال تنفيذ عمليات تطويق والتفاف وانزال جوي على المناطق التي تسيطر عليها وتدمير مراكز قياداتها واتصالاتها واصطياد قادتها الذين يديرون تلك العمليات.
تحرير الانبار بحسب المتطلبات الميدانية يمر بالسيطرة على المناطق الحدودية المجاورة لسوريا والاردن وهي تحتاج الى عمليات خاصة تقوم بها القوات المشتركة لعزل العمق العراقي عن السوري الذي تراهن عليه عصابات “داعش”، خصوصا بعد سيطرتها على مدينة تدمر الاثرية المهمة التي تفتح لها خط امداد خطير يربط البادية السورية بالانبار