ليالي بيشاور – 76 لسلطان الواعظين
1 مارس,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
915 زيارة
شبهات وردود:
الحافظ : ذكر العلامة المجلسي وهو واحد من أكبر علمائكم ومحدثيكم ، في كتابه ” بحار الأنوار ” راويا عن رسول الله (ص) أنه قال : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة .
وروى عنه (ص) : من بكى على الحسين وجبت له الجنة .
هذه الأخبار ونظائرها كثيرة في كتبكم ، وهي تسبب فساد الأمة وانتشار الذنوب والمعاصي .
قلت : لو كان الأمر كذلك للزم أن نرى أهل السنة والجماعة مبرئين من الذنوب ، وبعيدين عن الحوب ، بينما نرى البلاد التي يسكنها أهل السنة قد انتشرت فيها الذنوب الكبيرة ، وشاعت فيها معاصي كثيرة ، وكثير منهم يتجاهرون بالفسوق والفجيرة ! فهذه عواصمكم مثل بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت وعمان والجزيرة وغيرها ، تتسابق في تأسيس مراكز المعاصي والفجور ، ومحلات القمار ، وحانات الخمور .
فهل ترضون أن ننسب هذه المخازي والفسوق إلى مذهبكم وضعف مبادئكم ؟!
هل تقبلون منا لو قلنا : إن السبب في انتشار الفحشاء والفجور ، وعدم التحرج في شرب النبيذ والخمور ، هو فتاوى علمائكم ؟!!
لأن بعضهم أفتى بطهارة الكلب وأحل أكله .
وبعضهم أفتى بطهارة المني والخمر وعرق الجنب من الحرام .
وبعضهم أفتى بجواز اللواط في السفر !
وبعضهم أفتى بنكاح المحارم ، الأم ومن دونها ، بشرط أن يلف القضيب بالحرير !!
هذه الفتاوى وأمثالها تسبب تجرؤ العوام والجاهلين على ارتكاب المعاصي وعمل الفسق والفجور .
ولذلك فإن علماءنا يحرمون تلك الأعمال القبيحة ولا يجيزونها بأي حال من الأحوال .
الحافظ : هذه المسائل التي ذكرتها ، كلها أكاذيب ، وللأسطورة أقرب منها إلى الحقيقة ، وهي من مفتريات الشيعة !
أبيات شعر للعلامة الزمخشري:
قلت : أنت أعرف بحقيقة مقالي والعلماء الحاضرون أيضا يعلمون بصدقي ، ولكن يصعب عليكم الإقرار ، والخجل يدعوكم إلى الإنكار ، وإلا كيف يمكن لعالم ديني ـ مثلكم ـ يجهل هذه المسائل التي ذكرها وأفتى بها بعض علمائكم ثم نقلها عنهم بعض أعلامكم وانتقدوها ؟!
وأذكر لك نموذجا من كتبكم ليكون دليلا على كلامنا ، راجع تفسير الكشاف 3/301 للعلامة الكبير جار الله الزمخشري ، فإنه يقول :
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح بــه * وأكتمــه ، كــتمانــه لــي أسـلــــم
فإن حنفيا قلــت ، قالــوا بأننـــي * أبيح الطلا وهو الشراب المحـــرم
وإن مالكيا قلــت ، قالــوا بأننــي * أبيــح لهـم أكـل الكلاب وهــم هــم
وإن شافعيا قلـت ، قالــوا بأننــي * أبيح نكاح البنــت والبـنت تحـــرم
وإن حنبليا قلــت ، قالــوا بأننــي * ثقــــيل حلــولـي بغيـــض مجســم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون : تيس ليس يدري ويفهم
تعجبت مـن هذا الزمــان وأهلـــه * فمـا أحـد مـن ألسن الناس يسلــم
وأخرني دهــري وقــدم معشــــرا * علــى أنهـم لا يعــلمــون وأعلــــم
فنرى هذا العالم والمفسر يخجل أن ينسب نفسه إلى أحد المذاهب الأربعة ! لوجود تلك الآراء الفاسدة والفتاوى الباطلة فيها ، ثم إنكم تريدون منا أن نتبع تلك المذاهب ونترك مذهب أهل بيت النبوة والعترة والصفوة الطاهرة !
فلنخرج من هذا الإطار ونتابع موضوع الحوار .
فأقول : أما الخبر الذي ذكرته من ” بحار الأنوار ” لم تنفرد الشيعة بنقله ، فإن علمائكم وأعلامكم نقلوه أيضا ونقلوا أمثاله في كتبهم المعتبرة .
إسناد حديث حب علي حسنة:
لقد ذكر هذا الحديث كثير من أعلامكم وأيدوه ، منهم :
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في آخر الفصل السادس من كتابه ” المناقب ” والشيخ القندوزي الحنفي في الباب 43 من كتابه ” ينابيع المودة ” وأيضا في الباب 56 نقله عن الديلمي ، قال : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، حب علي براءة من النار ، حب علي يأكل الذنب كما يأكل النار الحطب ، حب علي براءة من النفاق .
وفي المناقب السبعين (48) خرجه عن ابن عباس في الحديث رقم 33 ، قال : قال رسول الله (ص) : حب علي بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب .
وفي الحديث رقم 59 ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله (ص) : حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة ، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة .
رواهما صاحب ” الفردوس ” .
ورواه المحدث والفقيه الشافعي المير السيد علي الهمداني في كتابه ” مودة القربى ” في المودة السادسة عن ابن عباس ، قال : حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب .
وعنه أيضا : حب علي براءة من النار .
ورواه محب الدين الطبري في ” ذخائر العقبي ” الحديث رقم 59 من الأحاديث السبعين التي رواها في فضائل أهل البيت (ع) .
ورواه محمد بن طلحة في مطالب السؤول .
والعلامة الكنجي والشافعي في كتاب ” كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب ” .
ثم إن كان عقلكم وعلمكم لا يصل إلى معنى حل الحديث كهذا وأمثاله ، فأنصحكم ألا تطعنوا فيه ولا تردوه ، بل يجب أن تسألوا عن حله ومعناه وتفسيره ممن هو أعلم ، قال تعالى : ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(49).
وطالما أن هذا الحديث وأمثاله لا يعارض كتاب الله سبحانه فليس لأحد من المسلمين إنكاره .
الحافظ : كيف لا يعارض كتاب الله وهو سبب تجرؤ الناس على المعاصي !
قلت : لا تعجل حتى أبين لك كيف لا يعارض الكتاب الكريم ، فإن الله تعالى يقسم الذنوب في القرآن إلى قسمين ، صغائر وكبائر .
وهو يعبر في بعض الآيات عن الصغائر بالسيئة ، في حين يعبر عن الكبائر بالذنوب ، كما في سورة النساء ، الآية 31 ، قال تعالى :
( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) .
فالآية تصرح بأن عبدا لو اجتنب الكبائر وارتكب الصغائر ، فإن الله عز وجل يعفو عنه ، ويدخله الجنة ، والحديث الذي تنكروه لا يصرح بأكثر من هذا .
فإن حب علي (ع) حسنة عظيمة عند الله سبحانه بحيث لا تضر معها السيئات ، يعني الصغائر .
الحافظ : إن هذا التفسير والتقسيم لا يكون على أساس علمي (50).
لأن الله تعالى يقول : ( إن الله يغفر الذنوب جميعا )(51) فالعبد العاصي إذا تاب واستغفر الله سبحانه فإنه يغفر كل ذنوبه سواء أكانت من الكبائر أم الصغائر .
قلت : أظنك ما دققت النظر في الآية الكريمة التي تلوتها عليك ، وإلا ما كنت تورد إشكالا على كلامي ، لأن الذي قسم المعاصي إلى كبائر وصغائر وفرق بينهما هو الله تعالى ، لا أنا .
ثم اعلم بأننا نعتقد ـ مثلكم ـ بأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، فكل عبد عاص إذا تاب وندم وعمل بشرائط التوبة ، فإن الله سبحانه يغفر ذنوبه ويعفو عنه ، ولكن إذا لم يتب فيعاقبه الله تعالى بعد الموت في عالم البرزخ ، فإذا لاقى عقاب ذنوبه قبل يوم الحساب ، يساق إلى الجنة في يوم المعاد ، وإلا فيقضى عليه فيلقى في جهنم ليرى جزاء عمله هناك .
والعبد المؤمن إذا ارتكب الصغائر ومات من غير توبة فإنه كان يحب الإمام عليا (ع) يغفر الله تعالى له ويعفو عنه ويدخله الجنة ، قال سبحانه : ( وندخلكم مدخلا كريما )(52).
فلا أدري لماذا تعتقد بأن هذا الحديث الشريف ” حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ” يسبب تجرؤ الشيعة على المعاصي !! .
هل الحديث يأمر بارتكاب الذنوب ؟! لا ..
فأثر هذا الحديث في المسلمين كأثر آيات القرآن الحكيم التي تعد العباد المذنبين بقبول التوبة وغفران ذنوبهم .
فكما إن آيات التوبة والمغفرة تبعث الرجاء برحمة الله تعالى في قلوب العباد وتزيل اليأس عن نفوس العصاة ، كذلك هذا الحديث الشريف وأمثاله ، فإنه يوقف المحب عند السيئات ويصده عن الكبائر الموبقات ، لأن إطاعة الحبيب من لوازم الحب .
قال الإمام الصادق ، وهو إمامنا جعفر بن محمد (ع) : إن المحب لمن يحب مطيع ، فالشيعي يعرف هذا فلذلك لا يرتكب الذنوب والمعاصي اتكالا على حبه للإمام علي (ع) بل يجتهد في الطاعة إمامه ومتابعته ، لإثبات صدقه في الحب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .
نعم ، هناك بعض المحبين الذين يحسبون أنفسهم من الشيعة يرتكبون بعض الذنوب مثل كثير من أهل السنة والجماعة فلا يكون عملهم السيئ بسبب حبهم أو بسبب حديث النبي (ص) فإن الإنسان بطبعه يكون مطيعا لهواه ومجيبا لنفسه الأمارة كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف الصديق : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ) (53).
وأما الشيعي هو الذي يعزم على أن يخطو ويسير في الطريق الذي سار فيه الأئمة الهداة من أهل البيت (ع) ويلتزم بنهجهم ويعمل برأيهم .
وقد ذكرنا في الليالي السالفة بعض الأحاديث النبوية في حقهم ، حيث بشرهم رسول الله (ص) بالجنة ، فقال (ص) : ” يا علي ! أنت وشيعتك الفائزون في الجنة ” وذكرنا مصادر هذا الحديث الشريف وأمثاله من كتبكم المعتبرة وطرقكم المتواترة ، وبشارة النبي (ص) لشيعة علي (ع) بالجنة أمر ثابت لا ينكره إلا الجاهل المعاند المتعصب الجاحد .
وإن إشكالك على حديث ” حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ” يرد على تبشير النبي (ص) شيعة علي (ع) بالجنة أيضا .
لأن الشيعي إذا عرف أنه من أهل الجنة يرتكب الذنوب ولا يبالي ، فإشكالك على رسول الله (ص) موجب للكفر ، وهو مردود بالأدلة التي أقمناها .
ولب الكلام : إن الشيعي هو الذي يسير على أثر مسير أهل البيت (ع) ، فيعمل بما عملوا ، ويجتنب عما اجتنبوا ، ولما لم يكن معصوما ، ربما ارتكب ذنبا وعمل إثما ولم يوفق للتوبة فمات ، فإن الله عز وجل يعفو عن ذنبه ويغفر له كرامة لعلي بن أبي طالب (ع) وحبه إياه ، والله غفور رحيم .
البكاء على الحسين (ع) سنة نبوية:
وأما الحديث الشريف ” من بكى على الحسين وجبت له الجنة ” … كلنا نعلم أن رسول الله (ص) بكى على مصائب ولده الحسين (ع) قبل أن تقع ، فأخبر بها أصحابه وهو يبكي ، وقد تواترت بذلك الأخبار المروية عن طرقكم والتي نقرأها في كتبكم (54).
فالبكاء على الإمام الحسين (ع) سنة رسول الله (ص) والالتزام بسنة رسول الله (ص) يوجب دخول الجنة ، بشرطها وشروطها .
فكما إن الله تعالى وعد التائبين بالعفو والمغفرة والجنة ولكن مع شرائط ، فلا تقبل توبة كل من قال : أستغفر الله وأتوب إليه إلا أن يرد حقوق الناس إليهم ، ويقضي ما فاته من الفرائض ومن حقوق الله سبحانه ، ويندم على ما ارتكب من المعاصي ، ويعزم على أن لا يعصي .. إلى آخر الشرائط اللازمة المذكورة في الأخبار والروايات .
كذلك : من بكى على الحسين (ع) ـ مع الشرائط ـ وجبت له الجنة ، ومن الشرائط السعي لتحقيق أهداف الحسين (ع) وتطبيقها في نفسه وفي المجتمع ، وإلا فإن المؤرخين ذكروا أن سكينة بنت الحسين (ع) حينما جلست عند نعش أبيها ، تكلمت بكلمات أبكت والله كل عدو وصديق.
وقالوا : إن الحوراء زينب لما خاطبت عمر بن سعد و قالت له : يا بن سعد ! أيقتل أبا عبدالله وأنت تنظر إليه ؟!! ترقرقت دموعه وسالت على لحيته .
فهل ابن سعد والأعداء الذين بكوا يوم عاشوراء ، وجبت لهم الجنة ؟!
لا ، لأن الشرائط ما كانت متوفرة فيهم(55).
الحافظ : إذا كان المسلم ملتزما بأصول الإسلام وعاملا بأحكام الدين فهو من أهل الجنة ، سواء أبكى على الحسين أم لم يبك ، فلا أرى فائدة للمجالس التي تنعقد في بلاد الشيعة وهم يصرفون أموالا طائلة ليجتمعوا ويبكوا على الحسين ! إنه عمل مخالف للعقل !!
فوائد المجالس الحسينية:
قلت :
أولا : الإنسان مهما كان ملتزما بأصول الإسلام ، وعاملا بالأحكام ، فلا يكون معصوما من الذنوب والآثام ، فربما زلت به الأقدام ، وسقط في مهاوي النفس والشيطان ، وخالف أمر الله العزيز المنان .
فلكي لا ييأس من الله الكريم الرحمن ،ويرجو منه اللطف والإحسان ، ويسأل منه العفو والغفران ، فتح له باب التوبة والإنابة ليشعر بالأمان .
وأمر الله عز وجل عباده أن يتوسلوا إليه في التوبة والاستغفار وقضاء حوائجهم ، بقوله تعالى : ( وابتغوا إليه الوسيلة )(56) ويصف أنبياءه فيقول : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا )(57).
ثم بين النبي (ص) الوسائل التي يتوسل بها إلى الله سبحانه ، منها حب علي بن أبي طالب (ع) ومنها البكاء على الحسين ومنها خدمة الوالدين ، ومنها الجهاد في سبيل الله ، ومنها العطف على الأيتام ، وغير ذلك .
فالمؤمن إن كان بريئا من الذنب ، فهذه الوسائل تسبب رفع درجاته في الجنة ، وإن كان مرتكبا بعض السيئات والذنوب فهذه الوسائل تسبب له المغفرة وتجلب له رضا ربه عز وجل .
ثانيا : وأما فوائد المجالس الحسينية فهي كثيرة جدا ، ولكنك حيث لم تحضرها ولم تكن من المباشرين والعاقدين لها ، فلا ترى فوائدها ولا تدرك بركاتها .
ولما كنت بعيدا عنها وجاهلا بفلسفتها ، فليس لك أن تقول : إنه عمل مخالف للعقل ! بل العقل السليم يخالف كلامك ، والوجدان القويم ينقض بيانك ، فقد تسرعت في الحكم على شيء ما عرفت مغزاه ، ولما أدركت منتاه .
فلو كنت تحضر هذه المجالس مع الشيعة ، وتستمع إلى كلام خطبائها الكرام ، لعرفت فوائدها الجمة التي منها :
1ـ هذه المجالس تكون كالمدارس ، فإن الخطيب يلقي على الحاضرين فيها أحكام الدين ، والتاريخ الإسلامي ، وتاريخ الأنبياء وأممهم ، ويتناول تفسير القرآن الحكيم ، ويتكلم حول التوحيد والعدل الإلهي والنبوة والإمامة والمعاد ، وأخلاق المسلم وما يجب أن يتصف به المؤمن ، ويبين للمستمعين فلسفة الأحكام وعلل الشرائع ومضار الذنوب ، ويقايس الإسلام بسائر الأديان ويثبت بالدليل والبرهان تفوقه وامتيازه على المذاهب والأديان .
2ـ يشرح الخطيب سيرة رسول الله (ص) وتاريخ حياته وسيرة أهل بيته والعترة الهادية والصحابة والصالحين ، فيلفت الخطيب أنظار مستمعيه إلى النقاط المشرقة الهامة من ذلك التاريخ ، فيأخذ الحاضرون دروسا وعبرا منه يطبقونها في حياتهم الشخصية وسيرتهم الاجتماعية .
3ـ يتناول الخطيب تاريخ النهضة الحسينية ، ويبين أسبابها وأهدافها . ويشرح آثارها والدروس التي يجب على المسلم أن يأخذها من تلك النهضة المقدسة ، ويدعو الخطيب المستمعين إلى تطبيق أهداف الحسين (ع) وإحياء ثورته وتكرارها ضد الظلم والظالمين في كل زمان ومكان .
4ـ في كل عام يهتدي كثير من الضالين والعاصين ، فيتوبون إلى الله تعالى ، ويسلكون الصراط المستقيم ، ويصبحون من الصالحين المهتدين ، حتى إن في بعض البلاد التي تسكنها الشيعة والكفار مثل بلاد الهند والبلاد الأفريقية ، أسلم كثير منهم بعدما حضروا في المجالس الحسينية وعرفوا تاريخ الإسلام وأحكامه وسيرة رسول الله (ص) وأخلاقه الحميدة .
وهذا جانب من معنى الحديث النبوي الذي نقله علماؤكم أيضا في الكتب المعتبرة ، قال رسول الله (ص) : حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط (58).
فمعنى : ” وأنا من حسين ” لعله يكون : إن الحسين والمجالس التي تنعقد باسمه ولأجله هو السبب في إحياء ديني وإبقائه ، فالحسين (ع) بنهضته المباركة فضح بني أمية وكشف واقعهم الإلحادي ، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم العدوانية ونياتهم الشيطانية التي كانت ستقضي على الدين الحنيف ورسالة خاتم الأنبياء (ص) .
واليوم يمر أكثر من ألف عام على إقامة مجالس عظيمة ومحافل كريمة باسم الحسين (ع) علانية وسرا ، والناس يحضرون على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم ، فيقتبسون النور ويتعرفون على الإسلام الحقيقي الذي ضحى الإمام الحسين (ع) من أجله ، ويعرفون أهدافه المقدسة وأسباب نهضته المباركة ، فيهتدون بهداه وهو على هدى جده المصطفى (ع) وأبيه المرتضى (ع) .
فالمجالس الحسينية ، ما هي إلا مدارس أهل البيت والعترة الهادية (ع) .
الذين يحبون عليا والحسين (ع) إنما يحبونهما من أجل الدين ، لأنهما استشهدا وقتلا ليبقى الإسلام والقرآن ، و لتحيا رسالة محمد السماوية ، على صاحبها ألف صلاة وسلام وتحية .
نحن نحب الإمام عليا (ع) ونقدسه ، لأنه كان عبدا مخلصا لله ، متفانيا في ذات الله سبحانه ، شهيدا في سبيل الله تعالى .
ولما نقف عند مرقده الشريف نخاطبه ، نقول : أشهد أنك عبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين ـ أي الموت ـ .
وكذلك إذا حضرنا عند مرقد سيد الشهداء الحسين (ع) ، نشهد له ونقول : أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين .
ثم اعلم أيها الحافظ ، وليعلم كل الحاضرين ، أن زيارة الحسين (ع) والبكاء عليه إنما يفيدان ويوجبان الأجر والكثير والثواب العظيم ، إذا كانا ممن يعرف حق الحسين (ع) ، كما صرحت رواياتنا بذلك عن رسول الله (ص) وعن أئمتنا أبناء رسول الله وعترته (ع) ، قالوا : من زار الحسين بكربلاء عارفا بحقه وجبت له الجنة .
من بكى على الحسين عارفا بحقه وجبت له الجنة .
فكما إن قبول العبادات كلها ـ فرضها ونفلها ـ تتوقف على معرفة الله سبحانه ، لأن العبد إذا لم يعرف ربه كما ينبغي فلا تتحقق نية القربة إليه ، وهي تجب في العبادات .
كذلك البكاء والزيارة للنبي والأئمة (ع) ، لا تفيد ولا تقبل إذا كان الباكي والزائر لا يعرفهم حق المعرفة ، وإذا عرفهم حق المعرفة وعرف حقهم ، علم أنه يجب أن يطيعهم ، ويتمسك بأقوالهم ، ويسير على نهجهم ، ويلتزم بطريقتهم المثلى .
النواب : سيدنا الجليل ! نحن نعتقد بأن الحسين الشهيد إنما نهض للحق وقتل في سبيل الله عز وجل ، ولكن بعض أهل مذهبنا ـ وأغلبهم من الشباب الذين درسوا في المدارس العصرية ـ يقولون : إن الحسين نهض وقاتل لأجل الحصول على الحكومة والرئاسة الدنيوية ، وعارض يزيد بن معاوية على ملكه ، ولكنه خذل من قبل أنصاره ، وتغلب عليه يزيد وجنوده فقتلوه !! ما هو جوابكم عن هذا الكلام ؟
قلت : الجواب حاضر ، لكن الوقت لا يسمح أن نخوض في هذا الموضوع ، لأنه قد طال بنا الجلوس ، والحاضرون قد تعبوا .
النواب : أنا أتكلم نيابة عن أكثر الحاضرين ، نحن ما تعبنا من مجالستكم والاستماع لحديثكم ، بل نحب أن نسمع جوابكم بكل لهفة واشتياق .
نهضة حسينية .. لا حكومة دنيوية:
قلت : الذين يقولون : بأن الحسين (ع) نهض وقاتل للحصول على الحكم وقتل في طلب الرئاسة الدنيوية !! إن كانوا مسلمين فالقرآن يرد كلامهم ، فإن مقالهم يعارض قول الله تعالى :
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(59).
وقد اتفق أعلامكم من المفسرين والمحدثين ، مثل الترمذي ومسلم والثعلبي والسجستاني وأبي نعيم وأبي بكر الشيرازي والسيوطي والحمويني والإمام أحمد والزمخشري والبيضاوي وابن الأثير والبيهقي والطبراني وابن حجر والفخر الرازي والنيسابوري والعسقلاني وابن عساكر ، وغيرهم ، اتفقوا على أن هذه الآية ، وهي آية التطهير ، نزلت في شأن النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) .
فنقول :
أولا : القرآن يشهد بأن الله تعالى طهر الإمام الحسين (ع) من الرجس، ولا شك أن حب الدنيا وطلب الرئاسة للهوى ، رجس من عمل الشيطان ، قال النبي (ص) : ” حب الدنيا رأس كل خطيئة ” فنقول : حاشا الحسين (ع) أن يقاتل للدنيا والرئاسة ، وإنما نهض لإنقاذ الدين وتحرير رقاب المسلمين من براثن يزيد الكفر والإلحاد وقومه الأوغاد .
ثانيا : إذا كانت نهضة الإمام الحسين (ع) لأجل الدنيا لا الدين ، لما كان رسول الله (ص) يأمر المسلمين بنصرة ولده الحسين (ع) إذا نهض وقاتل !
فالنبي (ص) أخبر بنهضة ولده الحسين ، وأمر المسلمين بنصرته ، وقد نقله كثير من علمائكم في كتبهم ، ولكني أكتفي بذكر واحد منهم لضيق الوقت .
قال الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة 2/1 :
وفي الإصابة ، أنس بن الحرث بن البيعة ، قال البخاري في تاريخه والبغوي وابن السكين وغيرهما عن أشعث بن سحيم ، عن أبيه ، عن أنس بن الحارث ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : إن ابني هذا [ يعني الحسين ] يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره .
فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين ، رضي الله عنه وعمن معه .
أما إذا كان القائلون لذلك الكلام يرفضون القرآن الحكيم وحديث النبي الكريم (ص) ويريدون جوابا يوافق المقاييس المادية والسياسة الدنيوية .
فأقول أولا : إذا كان الحسين عليه السلام نهض لطلب الحكم ولأجل الوصول إلى الرئاسة ، فما معنى حمله العيال والأطفال معه ؟ فإن الذي يطلب الدنيا يدع أهله وعياله في مأمن ثم يخرج ، فإن نال المقصود ينضم أهله إليه ، وإذا قتل فأهله يكونون في أمان من شر الأعداء .
ثانيا : الثائر الذي يطلب الدنيا يسعى لجمع الأنصار ، ويكثر من المقاتلين والأعوان ، ويعدهم النصر والوصول إلى الحكومة والرئاسة ، ولكن أبا عبد الله الحسين عليه السلام من حين خروجه من المدينة إلى مكة ، وبعده من مكة إلى العراق ، كان يعلن بأنه مقتول لا محالة ، وأن أنصاره وأعوانه يقتلون أيضا ، وأن أهله وعياله وأطفاله يسبون من بعده ، فقد كتب من مكة إلى أخيه محمد بن الحنفية وهو في المدينة .
بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قِبَلَه من بني هاشم ، أما بعد ، فإن من لحق بي استشهد ! ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح ، والسلام .
[ أعلن عليه السلام أن الفتح الذي يطلبه لا يكون إلا في شهادته وشهادة أنصاره وأهل بيته !! ] .
خطبة الحسين عليه السلام عند الخروج من مكة
لقد ذكر مؤرخو الفريقين أنه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال :
” الحمد لله و ما شاء الله و لا حول و لا قوة إلا بالله و صلى الله على رسوله و سلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته و هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و تنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى ” .
وفي طريقه إلى كربلاء ، لما وصل إليه خبر مقتل سفيره مسلم بن عقيل أعلن الخبر في أصحابه ولم يكتمه عنهم ، بل وقف يخطب فيهم وينبئهم قائلا : ” بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فإنه قد أتاني خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج ليس عليه ذمام ” .
فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي من أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، فلو كان عليه السلام يطلب الحومة والرئاسة ، لما فرق أصحابه ، بل كان يشد عزائمهم ويطمئنهم بالنصر ويغريهم بالمال والولايات ، كما هو شأن كل قائد سياسي ومادي مع جنوده .
وكذلك لما التقى عليه السلام بالحر بن يزيد الرياحي وجنوده ، وقد أخذ العطش منهم كل مأخذ وقد أشرفوا على الموت ، فسقاهم الحسين عليه السلام وروّاهم حتى أنقذهم من الهلاك ، وهو عليه السلام يعلم أنهم ضده وليسوا من أنصاره .
فلو كان الحسين عليه السلام يطلب الدنيا والحكم لاغتنم الفرصة في الحر وأصحابه وتركهم يموتون عطشا ، ثم يمضي هو عليه السلام إلى ما يرده ، وربما لو كان ذلك لكانت المقاييس تنقلب ، وكان التاريخ غير ما نقرأه اليوم !
وكذلك خطبته عليه السلام ليلة العاشر من المحرم ، حينما جمع أصحابه وأذن لهم أن يذهبوا ويتفرقوا عنه ويتركوه مع الأعداء ، لأنهم لا يردون غيره ، ولكنهم قالوا : إنهم يحبون أن يقتلوا دونه ، ولا يريدون العيش بعده ، وقد صدقوا .
وفي ظلام الليلة العاشرة من المحرم التحق به عليه السلام ثلاثون رجلا من معسكر ابن زياد ، لأنهم سمعوا صوت القرآن والدعاء يعلو في معسكر الحسين فانضموا إليه وكانوا من المستشهدين بين يديه .
وفي صبيحة اليوم العاشر ، لما سمع الحر الرياحي ، ذلك القائد ، كلام الحسين عليه السلام واحتجاجه على عساكر الكوفة ، عرف أن الحق مع الحسين عليه السلام فترك جيشه ـ وهم ألف فارس تحت رايته ـ وجاء نحو الحسين عليه السلام وتاب على يديه وكان من المستشهدين .
ما هو سبب نهضة الحسين عليه السلام ؟
لا ينكر أحدا أن يزيد بن معاوية كان رجلا فاسقا ، متجاهرا بالفجور ، مولعا بشرب الخمور ، وكانت آمال بني أمية معلقة عليه على أنه المعد واللائق للأخذ بثأر قتلاهم ، من آل محمد وعلي عليه السلام .
ويزيد بن ميسون النصرانية ، الذي ربي في حجرها وعند قومها النصارى لاعبا مع الكلاب والفهود والقرود ، شاربا للخمور ، مولعا بالفسق والفجور ، مع هذه الخصائص وغيرها من الرذائل التي اجتمعت فيه ، كان قادرا على أن يجرد سيف الكفر والإلحاد الذي صنعه أبو سفيان وقومه في عهد خلافة عثمان .
إذ يروي ابن أبي الحديد عن الشعبي قال : فلما دخل عثمان رحله ـ بعدما بويع بالخلافة ـ دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان أعندكم أحد من غيركم ؟
قالوا : لا .
قال : يا بني أمية ، تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة !(60) .
فيزيد هو الذي يقرّ عيون قومه بانتقامه من آل رسول الله (ص) ويقبض على مقابض السيف الذي صقله أبو سفيان وحده معاوية وأعده ليزيد ، حتى يقضي به على رسالة محمد (ص) والدين الذي جاء به من عند الله سبحانه وتعالى (61).
ولكن يزيد لا يتمكن من تنفيذ ما خططه أسلافه وقومه ، ما دام الحسين بن رسول الله (ص) يحظى بالحياة .
والحسين عليه السلام تربى في حجر جده رسول الله (ص) وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام وهو المعد لإحياء الدين وإنقاذ شريعة سيد المرسلين من التحريف والتغيير ، فنهض ليصد طغاة بني أمية عن التلاعب بالدين والاستخفاف بالشريعة المقدسة .. فروّى شجرة الإسلام بدمه الزاكي ودماء أهل بيته وأنصاره الطيبين ، فاخضرت وأورقت وترعرعت ، بعدما كانت ذابلة وكأنها خشبة يابسة تنتظر نيران بني أمية وأحقادها الجاهلية لتحولها إلى رماد تذروه الرياح (62) .
وبعض الغافلين يقولون : بأن بقاء الحسين عليه السلام في المدينة المنورة كان أسلم له وأحفظ لعياله ! لماذا خرج إلى العراق حتى يرى تلك المصيبة الفادحة والنكبة القادحة ؟!
ولكن كل من له أدنى معرفة بهكذا قضايا يعلم أن الحسين عليه السلام لو كان يقتل في المدينة المنورة ، ما كان لقتله ذلك الصدى والأثر الذي كان لقتله في كربلاء ، فخروجه من المدينة إلى مكة وإقامته فيها من شهر شعبان حتى موسم الحج ، واجتماع المسلمين الوافدين من كل صوب وبلد عند الكعبة المكرمة ، والتفافهم حول الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام واستماعهم لحديثه وهو يشرح لهم ويوضح أنه لماذا لا يبايع يزيد ، لأن يزيد رجل فاسق شارب الخمور ، وراكب الفجور ، واللاعب بالكلاب والقردة ، وقاتل النفوس المحترمة البريئة ، فإذا لا يليق للخلافة والإمامة .
فكان عليه السلام يبعث الوعي في النفوس وفي المجتمع بهذا الإعلام الصريح وأخيرا أعلن أنه خارج إلى العراق ، وهو لا يخضع لحكم يزيد حتى إذا آل الأمر إلى قتله وقتل أهل بيته وأنصاره ـ فخطب تلك الخطبة التي ذكرناها لكم قبل دقائق ـ وأعلن في الناس أنه مقتول مسلوب ، وأن عياله وأطفاله يسبون بعده ويؤخذون أسارى إلى الشام !
بهذا الإعلان ، غدا المسلمون يترصدون أخباره ، والأمة كانت لابثة في سبات ونوم عميق ، لا يستيقظ منه إلا بحركة عنيفة واعية ، ونهضة مقدسة دامية تهزها ، وهذه الحركة والنهضة ما كانت تتحقق إلا بواسطة آل رسول الله (ص) وأهل بيت الوحي ، وكان الإمام الحسين عليه السلام ذلك اليوم زعيم أهل البيت والإمام المسؤول من عند الله سبحانه وتعالى لحفظ دينه وكتابه ، وقد أدى ما عليه بأحسن وجه ، وسار بخطوات حكيمة نحو الهدف المقدس ، وانتصر على يزيد وبني أمية بشهادته وسفك دمه .
فإن النصر تارة يتحقق بقتل العدو وهزيمته ، وتارة يتحقق بأن يكون المنتصر مظلوما قتيلا شهيدا ، فالحسين عليه السلام ما كان طالبا للحكم والرئاسة في نهضته ، حتى يكون خاسرا بعدم وصوله إليها ، وإنما كان يريد يقظة الأمة وتحركها ضد الظالمين ، وكان يريد أن يفضح بني أمية ويكشف واقعهم للمسلمين ، وقد تحقق كل ما أراده ، فهو قد انتصر في كربلاء وعدوه خسر وانكسر(63).
وقدم الحسين عليه السلام إلى كربلاء وسار إلى ميدان الجهاد على بصيرة كاملة فقد روى المؤرخون أنه لما عارضه بعض أقربائه ـ ليمنعوه من الخروج إلى العراق واقترحوا عليه أن يخرج إلى اليمن لأن أهلها شيعة مخلصون له ولأبيه وليسوا كأهل الكوفة مذبذبين وانتهازيين ـ أجابهم قائلا :
إن جدي رسول الله (ص) أتاني فقال : يا حسين أخرج إلى العراق ، فإن الله شاء أن يراك قتيلا !
قالوا : إذا ما معنى حملك هؤلاء النسوة معك ؟!
فقال : إن الله شاء أن يراهن سبايا !!
نعم ، كل من أمعن النظر في تاريخ النهضة الحسينية المباركة ودرس أبعادها وجوانبها ، عرف أهمية دور النساء والأطفال ، وأهمية دور السبايا من أهل البيت عليهم السلام في نشر أهداف الحسين عليه السلام وأسباب ثورته المقدسة ونقل المصائب الأليمة والفجائع العظيمة التي وقعت لأهل البيت في كربلاء .
وكان لهذا الدور أثرا بالغا في فضح بني أمية وتعريتهم وكشفهم للأمة الإسلامية .
فالخطب التي ألقتها الفاطميات في الكوفة كانت سبب ثورة التوابين ومن بعدهم ثورة المختار وانتقامه من قتلة الحسين عليه السلام .
وكذلك خطبة الحوراء زينب في مجلس يزيد ، وخطبة الإمام زين العابدين عليه السلام في الجامع الأموي بالشام ، قلبت كل المعادلات ، بحيث اضطر يزيد بن معاوية أن يلعن ابن زياد ، وتنصل هو عن مسؤولية الواقعة وألقى كل تبعاتها على عاتق ابن زياد .
وعلى أثر تلك الحادثة الأليمة ، لا نجد يومنا هذا لبني أمية وخلفائهم ، حتى في الشام التي كانت عاصمة حكمهم وسلطانهم لا نجد ذكرا حسنا ولا أثرا ظاهرا ، حتى قبورهم مجهولة مهجورة.
نتيجة البحث:
فثبت أن نهضة الإمام الحسين عليه السلام كانت نهضة دينية ، وقد استشهد في سبيل الله ولنصرة دين الله عز وجل ، فلما يحضر الشيعي والمحب في مجلس عزائه عليه السلام ويستمع إلى الخطيب وهو يشرح أسباب ثورة الحسين وأهدافها ويسمع بأن الحسين عليه السلام خالف يزيد وقاتله ، لأنه كان يعمل بالمنكرات ويرتكب المحرمات .
ويسمع الخطيب وهو ينقل كلام الحسين قائلا : إني ما خرجت أشرا ولا بطرا ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .
أو يسمع بأن الحسين عليه السلام يوم عاشوراء أقام صلاته في ساحة القتال مع أصحابه جماعة .
أو يقرأ في زيارته : أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر …
فيلتزم بأن يعمل بما عمل الحسين عليه السلام لأن المحب لمن أحب مطيع ، لذلك كل عام في محرم حين تكثر المجالس الحسينية نجد كثيرا من الناس ـ وخاصة الشباب ـ على أثر حضورهم في تلك المجالس واستماعهم لمواعظ الخطيب ونصائحه وتفسيره للنهضة الحسينية وشرحه حديث ” من بكى على الحسين وجبت له الجنة ” كما مر ، وغير ذلك ، يؤثر فيهم تأثيرا بالغا ، فنجد انهم يهتدون إلى الصراط المستقيم ، فتتحسن سيرتهم ويعتدل سلوكهم ، فيتركون السيئات ويتوبون إلى الله تعالى ببركات الحسين عليه السلام ومجالس عزائه .
وهذا جانب من معنى الحديث النبوي الشريف :
” إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ” .
ـ لما وصل كلامنا إلى هنا دمعت عيون كثير من الحاضرين ، وكانوا مطرقين برؤوسهم ، يتفكرون في عظمة الحسين وعظمة ثورته المقدسة وعزمت على أن أختم الحديث ..
النواب : سيدنا الجليل ! وإن كان قد انقضى وقت المجلس ، وطال بالحاضرين الجلوس ، ولكن أود أن أقول بأننا بفضل حديثك قد تعرفنا على عظمة الحسين وفضله ، وعرفنا شخصيتك المقدسة أكثر من ذي قبل ، فجزاك خيرا ، إذ علمتنا معنى الحب وفلسفة البكاء والزيارة .
وإني آسف جدا على ما فتني من الأجر والثواب لعدم حضوري في مجالس عزاء آل النبي (ص) التي يعقدها إخواننا الشيعة في بلدنا هذا ، لأني اتبعت بعض أهل مذهبي وأطعتهم عن جهل وتعصب ، إذ كانوا يقولون : إن الحضور في مجالس عزاء الحسين بدعة ، وزيارته بدعة ، والبكاء عليه بدعة ، ولكني عرفت أن هذه المجالس حتى إذا كانت بدعة فهي حسنة ، لأنها تكون مدارس جامعة !
لذلك نرى أن ثقافة أبناء الشيعة الدينية هي أعلى مما هي عليه عند أبنائنا ، وهم أعلم منا بأمور المذهب وأحكام الدين .
#ليالي_ بيشاور 2019-03-01