الرئيسية / شخصيات اسلامية / حياة علي الأكبر (عليه السلام) (من أبطال الهاشمين)

حياة علي الأكبر (عليه السلام) (من أبطال الهاشمين)

 

وليست هذه الكلمات مما يُستدل بها على عظمة شهيد الطف ، فهو أجلّ وأرفع من ذلك ، لكن هذه الكلمات تعطي القارئ الكريم صورة على إجماع السلف والخلف، والمؤالف والمخالف على عظمة شهيد الإباء.
كما أنّ هذه الكلمات تكشف عن جوانب مختلفة من حياة الشهيد العظيم رضوان الله عليه وصلواته، فهي حرية أن يطّلع عليها القرّاء ، لهذا وذاك سجّلنا منها :
1 – قال معاوية : من أحق الناس بهذا الأمر؟
قالوا : أنت.
قال : لا ، أولى الناس بهذا الأمر عليُّ بن الحسين بن علي، جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أُمية ، وزهو ثقيف(1).
2 – قال الشيخ الدربندي :
 إنّه كان أفضل من جميع حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم : سلمان وأبو ذر ومقداد ، ومن جميع حواري أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهم : عمرو بن الحمق الخزاعي ، وميثم التمّار، وأويس القرني، ومحمد بن أبي بكر(2).
3 – وقال الشيخ حسين البلادي:
وكنيته أبو الحسن ، ولقبه الأكبر ، لأنّه الأكبر على الأصح، والسقا لأنه (عليه السلام) سقى عيالات أبيه، وكان سلام الله عليه عالي الشأن ، فارس الفرسان ، ومن المودة والمواساة لأبيه في أعلى مكان(3).
4 – وقال السيد هبة الدين الشهرستاني:
سمي شبيه النبي، فترعرع الصبي وترعرع معه جمال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونما فيه الكمال، وأزهرت حوله الآمال ، وبلغ تصابي آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  فيه مبلغ الوله والعشق، فكان إذا تلا آية ، أو روى رواية مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه ومقامه ، وأضاف على شبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  في الجسم شبهاً بجدّه علي (عليه السلام) في الاسم، كما شابهه في الشجاعة ، وفي تعصّبه للحق(4).
5 – وقال الشيخ حبيب آل إبراهيم في شجاعته (عليه السلام) :
فدعا ابن سعد بطارق بن كثير ، وكان فارساً منّاعاً ، فخرج إلى علي فاقتتلا ، فضربه علي فقتله، فخرج إليه أخوه، فقتله، وطلب البراز فلم يبرز إليه أحد(5).
6 – وقال الشيخ محمد علي الزهيري:
فإنّه كان في منتهى الشرف والفضيلة ، وكبر النفس ، ولقد جمع العلم والحلم والتقى والورع والهيبة والنباهة والسخاء والشجاعة، إلى غير ذلك من الصفات الحميدة ، والنعوت الكريمة(6).
7 – وقال الشيخ عبد الواحد المظفّري:
إنّ الكاتب القدير، والخطيب المتضلّع ، إذا همّ بتحديد ناحية من نواحي فضائله الجمّة ، ومكارمه العديدة ، ورام أن يبرزها للمجتمع بصفتها الحقيقية ، جاذبته الناحية الأخرى… فالشجاعة ، فالعلم ، فالكرم، فالسؤدد، فالفصاحة ، فالبصيرة، فالقتوى ، فاليقين ، فالإخلاص ، فالتفاني في الدين.. الخ(7).
8 – وقال إسماعيل اليوسف:
خرج علي بن الحسين الأكبر (عليه السلام) ، وكان من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، وكان في الخامسة والعشرين من عمره، وهو أوّل شهيد يوم كربلاء من آل أبي طالب(8).
9 – وقال خير الدين الزركلي:
علي الأكبر بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، القرشي الهاشمي ، من سادات الطالبيين وشجعانهم قتل مع أبيه الحسين السبط الشهيد في وقعة الطف (كربلاء) وكان أوّل من قتل بها من أهل الحسين(9).
10 – وقال خالد محمد خالد:
وكان أوّلهم انطلاقاً علي بن الحسين ، فتى لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ؛ أنظروا ها هوذا في نضرة شبابه ، وريعان إهابه، في روعة بأسه، وشرف نفسه،
يتوسّط حراب الأعداء وسيوفهم وهو ينشد:
أنا علي بن الحسين بن علي         نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
 تماماً كما كان يصنع من قبل جدّه الإمام علي (عليه السلام) حين كان يقتحم المعارك في عنفوانه اللجب ، وهو يزأر:     
أنا الذي سمّتني أُمي حيدرة         كليــث غابات كريـــه المنظره
أكيلهم بالصاع كيل السندره
ها هو ذا ابن التاسعة عشرة يعيد إلى الحياة مرّة أخرى بطولات جدّه العظيم، ذرّية بعضها من بعض (10).
11- وقال أميل حبش الأشقر:
وهذا علي الأكبر بن الحسين ، وأُمّه ليلى بنت أبي مرّة ، يحمل على القوم وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي           نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
فعل ذلك مراراً لا يبالي بالعاصفة الهوجاء تضيع فيها نفوس الرجال، حتّى طعنه مرّة بن منقذ العبدي طعنة لفظ بعدها  الروح (11).
_____________
1- مقاتل الطالبيين : 52 .
2- أسرار الشهادة : 369 .
3- كتاب (مقتل علي الأكبر) : 3 .
4- نهضة الحسين(ع) : 119 .
5- ذكرى الحسين (عليه السلام): 2 / 116.
6- المعارف الإسلامية : 1 / 25 .
7- الأمالي المنتخبة : 152 .
8- شهيد كربلاء الحسين بن علي(عليه السلام) : 80
9- الأعلام : 5 / 86 .
10- أبناء الرسول في كربلاء : 172 .
11- فاجعة كربلاء : 26 .

(كلمات الأئمة (عليهم السلام

 

في هذا الفصل تتبيّن عظمة الشهيد، فكل مؤلف مهما كان من الورع والتقوى والضبط ربّما يجنح به القلم فيطنب مادحاً فوق الاستحقاق ، أو يقدح ذاماً بأكثر من المطلوب، ولكنَّ الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم منزّهون عن ذلك، فلا يستهويهم حبّ فيمدحون، ولا يستفزّهم بغض فيذمّون ، بل كلامهم المعيار الحقيقي لتقييم الشخص.
وبين يديك بعض كلماتهم صلوات الله عليهم في الشهيد الأكبر (عليه السلام) ، وبيان منزلته الرفيعة، ومقامه السامي عند الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
1 – قال الإمام الحسين (عليه السلام) وقد وقف على مصرعه:
((قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وانهملت عيناه بالدموع ، ثم قال : على الدنيا بعدك العفا (1).
2 – قال الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته:
((السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، السلام عليك يا ابن الحسين، والسلام عليك يا ابن خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء، صلّى الله عليك- ثلاثاً – لعن الله من قتلك -ثلاثاً – أنا إلى الله منهم بريء))(2).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة له أخرى:
((سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعترة آبائك الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ))(3).
وقال (عليه السلام) في زيارة أخرى:
(( السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، وابن خليفة رسول الله، وابن بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته، مضاعفة كلما طلعت شمس أو غربت، السلام عليك وعلى روحك وبدنك،
بأبي أنت وأمّي من مذبوح ومقتول من غير جرم، بأبي أنت وأمّي دمك المرتقى به الى حبيب الله، بأبي أنت وأُمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك، محترقاً عليك قلبه ، ويرفع دمك بكفه إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة ، ولا تسكن من أبيك عليك زفرة ، ودّعك للفراق، فكأنكما عند الله مع آبائك الماضين ومع أمهاتك في الجنان منعّمين ؛ أبرأ إلى الله ممن قتلك وذبحك.
ثمّ انكب على القبر وضع يديك عليه وقل : سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ؛ صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأًمهاتك الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن الحسين بن علي ورحمة الله وبركاته ، لعن الله قاتلك ، ولعن الله من استخفّ بحقّكم وقتلكم، لعن الله من بقي منهم ومن مضى ، نفسي فداؤكم ولمضجعكم ، صلّى الله عليك وسلّم تسليماً كثيراً.
ثمّ ضع خدّك على القبر وقل : صلّى الله عليك يا أبا الحسن، ثلاثاً، بأبي أنت وأمّي أتيتك زائراً وافداً عائذاً مما جنيت على نفسي واحتطبت على ظهري، أسأل الله وليّك وليّي أن يجعل حظّي من زيارتك عتق رقبتي من النار))(4).
وقال أيضاً في زيارة أخرى:
((السلام عليك يا وليّ الله  وابن وليّه ، السلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه، السلام عليك يا خليل الله وابن خليله، عشت سعيداً ، ومتَّ فقداً، وقتلت مظلوماً ، يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السلام))(5).
وقال الإمام المهدي (عليه السلام) في زيارة الناحية:
((السلام عليك يا أول قتيل ، من نسل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل، صلّى الله عليك وعلى أبيك))(6).
_____________
1- الإرشاد : 239 .
2- كامل الزيارات : 200 .
3- كامل الزيارات : 204 .
4- كامل الزيارات : 240 .
5- المزار الكبير (مخطوط).
6- الإقبال : 44 .

مرقده

 

وفي اليوم الحادي عشر من المحرّم دفن عمر بن سعد قتلاه وترك الحسين (عليه السلام)  وأهل بيته وأنصاره تصهرهم الشمس، وفي اليوم الثالث عشر جاء بنو أسد لدفن الأجساد الطاهرة، وقبل أن يباشروا مهمّتهم جاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الكوفة للمهمّة نفسها، وأخذ يعاونهم في عملهم ، فدفن أباه الحسين (عليه السلام)  في قبر مستقل، كما دفن جميع الشهداء في قبر واحد – عدا حبيب بن مظاهر – كما  دفن عمه العباس (عليه السلام) على العلقمي حيث مصرعه، ودفن أخاه علياً عند رجلي أبيه (عليه السلام) . وسبق لنا القول أنّ الإمام يعمل وفقاً لتعاليم السماء ، ويتصرّف حسبما يؤمر به.
وتكشف الأيام بعض هذا السر، فإذا بضريحه الطاهر يطوف به المسلمون من جميع أقطار  المعمورة ، متوسّلين به إلى الله سبحانه في قضاء حوائجهم ، وكشف  كربهم، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى بشفاعته؛ كما بقي هذا الأثر الرفيع شاهد عدل على ظلم الأولين وعتوّهم.
ويقول الشيخ  جعفر الشوشتري رحمه الله: وملاحظة انكسار القلب عند النظر إلى قبره وقبر والده عند رجليه كما في الرواية (1).
______________
1- الخصائص الحسينية: 7 . والرواية التي أشار الشيخ إليها عن الصادق (عليه السلام).

الشهادة

 

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرم فصلّى الحسين (عليه السلام) بأصحابه صلاة الصبح ثم خطبهم قائلاً : إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(1).
ثم عبّأهم للحرب ، فجعل على الميمنة زهير بن القين البجلي ، وعلى المسيرة حبيب بن مظاهر الأسدي ، وثبت (عليه السلام) وأهل بيته في القلب ، وأعطى رايته أخاه العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ثمّ تقدم خطيباً في أهل الكوفة ، فعن الضحاك المشرقي : فو الله ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه (2).
كما خطب بعض أصحابه رضوان الله عليهم ، والتحق الحرّ الرياحي وآخرون بالحسين (عليه السلام) بعد أن وضحت لهم معالم الحق والرشاد ؛ وخاف ابن سعد أن يفلت من يده الزمام، فتقدّم نحو عسكر الحسين (عليه السلام) ورمى بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير أنّي أول من رمى، ثم رمى الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين (عليه السلام) أحد إلاّ أصابه من سهامهم ، فقال (عليه السلام) لأصحابه : قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ، فحمل أصحابه حملة واحدة ، واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً (3).
ثم أخذوا يحملون فرادى ومجموعات صغيرة حتى استشهدوا عن آخرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وتقدّم الهاشميون يودّع بعضهم البعض، وأوّل من تقدّم منهم للحرب أبو الحسن علي الأكبر (عليه السلام) ، فلما رآه الحسين (عليه السلام) رفع شيبته نحو السماء وقال : اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإن متّعتهم ففرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً ، فأنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا؛ ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد: ما لك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك (4)، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم رفع صوته وقرأ :
(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(5).
ثمّ حمل علي بن الحسين (عليه السلام) وهو يقول:
نحن وبيت الله أولى بالنبي
أطعنكم بالرمح حتى ينثني
ضرب غلام هاشمي علوي
أنا عليّ بن الحسين بن علي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي
أضربكم بالسيف حتى يلتوي
فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ؛ حتى روي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال:  يا أبه العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل، أتقوّى بها على الأعداء؟
فبكى الحسين (عليه السلام) وقال : يابني عزّ على محمد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يابنيّ هات لسانك ،فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوّك فإني أرجو أن لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.
فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول:
وظهرت من بعدها مصادقُ
جموعكم أو تغمد البوارق
الحرب قد بانت لها حقائقُ
والله ربّ العرش لا نفارق
وجعل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثم ضربه منقذ بن مرّة العبدي علي مفرق رأسه ضربة صرعه فيها،وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله إلى عسكر عدوه ، فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً ؛ فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول لك : العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة.
فصاح الحسين (عليه السلام) : قتل الله قوماً قتلوك يابني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العفا(6).
___________
1- كامل الزيارات : 73 .
2- تاريخ الطبري : 6 / 242 .
3- مقتل الحسين (ع) للمقرم : 292 .
4- وقد استجاب الله جلّ جلاله دعاء سيد الشهداء(ع) ، فقد أرسل إليه المختار رضوان الله عليه من قتله على فراشه.
5- سورة آل عمران : 33 – 34 .
6- مقتل الحسين(ع) للخوارزمي : 2/31 .

أمــان

 

 يخطب سيد الشهداء (عليه السلام) بذي حسم فيقول : ((فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما))(1).
فكان هذا شعاره حتّى آخر لحظة من حياته ، كما كان شعار الهاشميين والأنصار.
إنّ من أهم الأسباب التي تجعل أهل الحقّ أسرع استجابة لدواعي الموت من أهل الباطل ، هو علمهم بما أعدّ الله سبحانه وتعالى لهم من النعيم الدائم : (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولاً) (2)، (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) (3)، (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (4).
 (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(5).
(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًاٍ)(6). (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)(7).
(أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)(8).
(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(9). (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)(10).
 (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(11). (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(12).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)(13).
(أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)(14).(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ) (15). (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ)(16).
فالمؤمنون وان كانوا في هذه الدنيا في أرغد عيش وأهنأه لا يقاس  بالجنّة ونعيمها ، كما أنّ الكافرين وأهل الجحود والعصاة، مهما كانوا في تعاسة وشقاء في الحياة الدنيا فهو لا شيء بلحاظ ما أعدّ الله جلّ جلاله لهم من العذاب والهوان.
ومن طريف ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) : أنّه اغتسل وخرج من داره في بعض الأيام، وعليه حلّة فاخرة ، ووفرة ظاهرة، ومحاسن سافرة، بنفحات  طيّبات عاطرة، ووجهه يشرق حسناً، ووجهه قد كمل صورة ومعنى، والسعد يلوح على أعطافه ، ونضرة النعيم تعرف من أطرافه، وقد ركب بغلة فارهة، غير عسوفة ، وسار وقد اكتنفه من حاشيته صفوف، فعرض له شخص من محاويج اليهود، وعليه مسح من جلود ، وقد أنهكته العلّة والذلّة ، وشمس الظهيرة قد شواه ، وهو حامل جرّة ماء على قفاه، فاستوقف الحسن (عليه السلام) فقال : يا ابن رسول الله سؤال!
فقال له : ما هو ؟
قال : جدّك يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، وأنت المؤمن وأنا الكافر ، فما أرى الدنيا إلاّ جنّة لك تنعم فيها وأنت مؤمن ، وتستلذّ بها ، وما أراها إلاّ سجناً قد أهلكني حرّها، وأجهدني فقرها؟
فلما سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد ، واستخرج الجواب من خزانة علمه ، وأوضح لليهودي  خطأ ظنّه ، وخطل زعمه، وقال (عليه السلام): يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في دار الآخرة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لعلمت قبل انتقالي إليه في هذه الحالة في سجن ؛ ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير جهنّم ، ونكال العذاب الأليم المقيم، لرأيت قبل مصيرك إليه في جنّة واسعة، ونعمة جامعة(17).
وظنّ أهل الكوفة يوم عاشوراء أنّ ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحفيد أمير المؤمنين (عليه السلام) مؤثراً الدنيا على ما أعدّ الله لأوليائه من الجنّة ونعيمها ، فناداه مناديهم وقد حمل عليهم : إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية.
فقال (عليه السلام) : لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق أن ترعى من قرابة يزيد بن معاوية ؛ ثم شدّ عليهم(18) .
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (19).
______________
1- تاريخ الطبري : 6 / 229 .
2- سورة الفرقان : 15- 16 .
3- سورة مريم : 63 .
4- سورة آل عمران : 133
5- سورة الحديد : 21 .
6- سورة الإنسان : 12 .
7- سورة الرحمن : 46 .
8- سورة الكهف : 31 .
9- سورة آل عمران : 15 .
10- سورة آل عمران : 195 .
11- سورة المائدة : 119 .
12- سورة الحديد : 12 .
13- سورة البروج : 11 .
14- سورة آل عمران : 136 .
15- سورة التوبة : 21 .
16- سورة الشورى : 22 .
17- الفصول المهمة : 140 ، كشف الغمة.
18- سر السلسلة العلوية: 30 والرحم التي أشاروا إليها هي من جهة أم علي الأكبر ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان.
19- سورة فصلت : 30 .

أوَلَسنا على الحق

 

والموت مرّ وكريه مطعمه ، لأنه الباب المفضي لما بعده من الأهوال والمشاق ، ولكن هناك أشخاص استعذبوه من أجل الحق ، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ، ولأنه يؤدي بهم إلى رضوان الله وجنانه.
وفي طليعة هؤلاء أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته ، فقد كان سرورهم بالشهادة أعظم من سرور عدوّهم بالظفر والغلبة.
صحيح أنّ كل جندي في الجيش الإسلامي مستعدّ للموت ، بل كل جندي في ساحة الحرب، ولكن هناك فوارق ومميّزات ، فأصحاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن وطّنوا أنفسهم على الموت إيماناً بعدالة قضيّتهم وإعلاء لكلمة ربّهم ، ولكنّهم كانوا يتأرجحون بين الموت والنصر، ولكن جنود سيّد الشهداء (عليه السلام) لم يكن أمامهم سوى الموت المحتّم ، فقد خطبهم الحسين (عليه السلام) في صبيحة يوم عاشوراء قائلاً : إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(1).
وبذلك فضّلوا على غيرهم من الشهداء.
وفارق آخر بين أصحاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)  وأصحاب الحسين (عليه السلام) ، فقد كان فرار الأولين من الحرب النار العار (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) (2) بينما أصحاب الحسين (عليه السلام)  أذن لهم بالانصراف فأبوا ، فقد خطبهم (عليه السلام)  ليلة عاشوراء قائلاً : ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً(3).
ولم يكن هذا بأوّل إذن لهم بالتفرّق والانصراف ، ففي زبالة أخرج (عليه السلام) للناس كتاباً فقرأه عليهم :
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذمام(4).
كذلك الإعلام بالشهادة كان مسبقاً ، فهو (عليه السلام) من حين خرج من مكّة يلهج بذكر يحيى بن زكريا (عليه السلام) وما أصابه ، ويقول : إنّ من هوان الدنيا على الله أن يُهدى رأس يحيى بن زكريا  لبغيٍّ من بغايا بني إسرائيل.
وفي طليعة الموكب الحسيني المستميت على الحق والعدالة ابنه علي الأكبر(عليه السلام).
ذكر أهل المقاتل والسير عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين(عليه السلام) عند قصر بني مقاتل، أمرنا (عليه السلام) بالاستسقاء من الماء ، ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا ، فلما ارتحلنا عن قصر بني مقاتل خفق برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، ثمّ كرّرها مرتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين ، وكان على فرس له فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبتِ جعلت فداك ممّ استرجعت وحمدت الله؟
فقال الحسين (عليه السلام) : يا بُنيّ إنّي خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا.
فقال له : يا أبتِ لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟
قال : بلى والذي إليه مرجع العباد.
قال : يا أبتِ إذن لا نبالي نموت محقّين.
فقال له :  جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده (5).
(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (6)
____________
1- كامل الزيارات : 73 .
2- سورة آل عمران : 155 .
3- الإرشاد : 231 .
4- تاريخ الطبري : 6/ 226 .
5- أبصار العين : 25 .
6- سورة آل عمران : 33

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...