أطيلوا الفكر والتأمل في المعاد
نحن الآن وفي كل آن من حياتنا نعيّن ونحدّد كيفية حياتنا الأخروية وذلك من خلال آمالنا وأهوائنا وأدعيتنا وسلوكنا وأفكارنا وأقوالنا وبكل فعل نقوم به.
نحن ـ أيّها الإخوة ـ بأمسّ الحاجة إلى تغيير رؤيتنا عن المعاد. فقد استوقفني بحث المعاد في هذه الليلة ولا أدري كيف أمرّ من موضوع المعاد وأدخل في بحثنا؟ إن إدراك المعاد يمثّل إحدى مشاكلنا فلابدّ من إطالة الفكر والتأمل فيه. فلا ينفع الإيمان بالله وبأنبيائه ورسله ما لم يؤمن الإنسان بالمعاد.
فإن لم نأخذ المعاد وحياة الآخرة بعين الاعتبار، يصبح كل شيء عبثا بلا معنى. والمعاد، هو أصل الحياة. على أي حال لا مجال لنا للوقوف عند موضوع المعاد فلابد من مغادرته. اللهم! أنر أبصارنا برؤية المعاد. فمن أجل أن أشرح لك يا إلهي كيف تنر أبصارنا، دعني أقرأ هذه الرواية.
وبالتأكيد إنك عالم بكل الحقائق وتعلم كيف تنير أبصارنا إن شئت ذلك، ولكن لعلّ بعض الإخوة لم يدركوا المقصود من هذا الدعاء ولم ينتبهوا إلى مستواه الرفيع فلا بأس أن أقرأ لهم هذه الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين(ع) حيث يصف المتقين: «فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ النَّارُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُعَذَّبُونَ»(نهج البلاغة/الخطبة193).
فلنشاهد الآخرة هكذا. ويا حبذا لو استطعنا أن نرى الجنة أيضا ولا نار جهنم فحسب. إذ غاية ما يناله بعض ضعاف النفوس هو أن ينتبه إلى نار جهنّم، فيصبّ كل اهتمامه بالخلاص منها بلا أن يهتمّ بالجنّة. فيقول: حسبي أن أخلص من نار جهنّم ولا يهمّني بعد أين ما حُشِرت وسكنت. أما أنتم فحاولوا أن تتألموا من نار جهنم بدافع شوقكم إلى الجنّة. فانظروا إلى نار جهنّم كمانع مزعج حال بينكم وبين الجنّة. فلابد أن يصحب الخوفَ من النار شوقُ الجنة.