إن قيام السعودية بطلب وساطة العراق في علاقاتها مع طهران، يدل على أن النظام السعودي سعى إلى إيجاد جو هادئ أو على الأقل وقف مؤقت لإطلاق النار داخلياً وخارجياً.
فرغم تحول طلب السعودية من العراق التوسط في علاقاتها مع طهران خلال الأيام الأخيرة إلى العنوان أو الخبر الأبرز في أغلب وسائل الإعلام الإقليمية، إلا أن الدلائل تشير إلى أنه ما كان مفترضاً بهذا الأمر أن يظهر إلى العلن، لأن السعودية في بادئ الأمر إلتزمت الصمت إزاء ذلك، كما أن وسائل إعلامها أيضاً تجنبت الحديث عن هذا الموضوع، لكن بعد مرور يومين على إنتشاره، نفت وكالة الأنباء الرسمية السعودية الأخبار المتداولة بشأن طلب الوساطة نقلاً عن مصدر سعودي لم تكشف الوكالة عن هويته.
ومن الطرافة في الأمر هو أن المسؤولين السعوديين بذلوا جهوداً كبيرة لجعل “قاسم الأعرجي” وزير الداخلية العراقي يتراجع عن تصريحاته التي أدلها بها في زيارته الأخيرة إلى طهران، لكن هذا المسؤول العراقي عاد فأكد صحة خبر طلب السعودية وساطة العراق، ورفض التراجع عن تصريحاته السابقة، الأمر الذي أجبر المسؤولين السعودين على نفي الخبر.
لكن إلى ما تشير الدلائل:رغم أنه لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق حول عودة العلاقات بين السعودية وإيران إلى طبيعتها، لكن ما يمكن التسليم بحتميته هو أن السعودية لا تتمتع بأوضاع جيدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهذا الأمر ليس محبذاً بالنسبة لإبن سلمان الذي سيتولى قريباً العرش بدل والده، وبات ملحاً أن تتوصل السعودية إلى وقف مؤقت لإطلاق النار داخلياً وخارجياً.
إن ليونة ومرونة المسؤولين المسؤولين السعوديين إزاء إيران لا سيما فيما يخص الترحيب بالحجاج الإيرانيين ومنح ثلاث مكاتب دبلوماسية لوزارة الخارجية الإيرانية في داخل السعودية لحل ما سمي بمشاكل الحجاج الإيرانيين، وكذلك طلب السعودية لإيفاد وفد سعودي لتفقد سفارة الرياض المغلقة في طهران، كل ذلك يعتبر تغيراً في تعامل السعودية مع إيران.
من ناحية أخرى ليس من المعقول أن يصرح وزير الداخلية العراقي بهذا التصريح من عنديات نفسه، بحيث أنه رفض رغم الضغوط السياسية التي مورست عليه التراجع عن هذه التصريحات، فيما تشير الدلائل إلى صحة ما قاله الوزير عن طلب السعودية للوساطة.
خارجياً أيضاً وكما قيل آنفاً فالسعودية لم تتمكن في حرب اليمن من تحقيق أهدافها وخططها التي أعدت سلفاً، وطبقاً لما أعلنه إثنين من المسؤولين الأمريكيين فإن بن سلمان ينوي إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن.
في حرب سوريا أيضاً فإن الرياض ورغم الدعم المالي والتسليحي الكبير الذي قدمته للإرهابيين إلا أنها فشلت في تحقيق ما كانت تصبو إليه من أهداف، حيث أصبحنا نرى توالي الإنتصارات للجيش السوري على الإرهابيين، كما أن إقامة معرض دمشق الدولي الذي حضرته 12 دولة عربية، حملت رسالة دولية مفادها أن النظام في سوريا إستعاد السيطرة والإمساك بزمام المبادرة على الأرض السورية، وأن المعارضة في سوريا أصبحت مجبرة على التفاوض مع الحكومة السورية للدفع بخططها وتحقيق ولو جزء من أهدافها.
كذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً لا تتمتع بعلاقات جيدة فيما بينها، حيث أن توتر علاقات هذه الدول مع قطر يعد دليلاً على هذا القول، كذكلك فإن سلطنة عمان والكويت رفضتا الوقوف إلى جانب السعودية في هذه الأزمة، وكل هذه القرائن والشواهد تؤكد أن السعودية طلبت من العراق الوساطة التي قوبلت طبعاً بترحيب إيراني، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنذ البداية أعربت عن إستعدادها للتفاوض مع الرياض للتوصل إلى حلول للملفات الإقليمية حيث كان هذا يواجه دائماً بعقبات وعراقيل من قبل الطرف الآخر.
وبالنظر إلى كل ما تقدم فإنه ليس أمام السعودية من حل سوى الجلوس مع إيران على طاولة الحوار وحلحلة الملفات الإقليمية بينهما، كما أنه وطبقاً للتقارير الواردة فإن المناطق الشيعية في السعودية تعيش أوضاعاً غير هادئة، رغم محاولات الإعلام السعودي عبر التعتيم إلى إظهارها على أنها تعيش أوضاعاً مستقرة وهادئة، إلا أن الصور التي نشرت لبلدة العوامية وتقارير المراسلين الذين دخلوا إلى المنطقة مؤخراً كلها تتحدث عن عيش المناطق الشيعية بما فيها بلدة العوامية في حالة حرب، وهذه كلها أمور لا تخفى عن المسؤولين السعوديين.
الولاية الاخبارية