الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 177

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 177

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

172

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)): تكرار لما تقدّم لإلحاق مسئلتي الشكر والمحرمات به، ((وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))، ولا تشكروا سائر الآلهة كالمشركين الذين يزعمون أنهم يمطرون بالأنواء، ويرزقون بالآلهة المزعومة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

173

((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)) وهي التي لم تُذبح على النحو الشرعي، ((وَالدَّمَ)) وهو وإن كان مطلقاً، إلا أنه مقيّد بالمسفوح لقوله سبحانه (ألا يكون ميتة أو دماً مسفوحاً)، ((وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ)) وخصّ اللحم بالكلام، وإن كانت جملته محرّمة، لأن اللحم هو المعظم المقصود في الغالب، ((وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ))، الإهلال في الذبيحة رفع الصوت بالتسمية، وقد كان المشركون عند ذبحهم يرفعون أصواتهم بتسمية الأوثان، فنهى الله سبحانه عن أكل ذبيحة ذكر غير إسم الله عليها، ((فَمَنِ اضْطُرَّ)) بصيغة المجهول، فإنّ “إضطرّ” متعد من باب الإفتعال، وحيث لم يكن المقصود، سبب الإضطرار، ذُكر مجهولاً ((غَيْرَ بَاغٍ))، أي لم يكن باغياً وطالباً للّذة في أكله وشربه ((وَلاَ عَادٍ))، أي معتد في الأكل والشرب، عن حد الضرورة، أي غير باغٍ على إمام المسلمين، ولا عاد بالمعصية طريق المحقّين ((فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)) في تناول هذه المحرّمات ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يستر العصيان إذا إضطر إليه، فإنّ غفر بمعنى ستر، وستر العصيان، عدم المؤاخذة به ((رَّحِيمٌ)) بكم، ولذا جاز تناول المحرّم حال الإضطرار.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

174

((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ)) وهم اليهود والنصارى الذين كانوا يكتمون العقائد الحقّة الموجودة في كتابهم، وينسبون الى الكتاب أحكاماً لم يوجد فيه، كما قال سبحانه (قل فأْتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ولعل إرتباط هذه الآية بما قبلها من جهة الأمور التي كانوا يحرّمونها، ولم يكن في كتبهم تحريم لها ((وَيَشْتَرُونَ بِهِ))، أي بهذا الكتاب ((ثَمَنًا قَلِيلاً)) من رئاسة الدنيا وأموالها، فإنها قليل بالنسبة الى الآخرة ((أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ))، أي لا يجرون الى بطونهم ولعل ذكر في بطونهم للإحتراز عن الأكل في بطن الغير، فإن العرب تقول: شبع فلان في بطنه، إذا أكله بنفسه، وتقول: شبع فلان في بطن غيره، إذا أكله من يتعلّق به ((إِلاَّ النَّارَ)) فإنّ ما أكلوه ينقلب ناراً تحرق بطونهم في جهنم ((وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فيمهلهم ليذوقوا الهوان جزاء ما فعلوا ((وَلاَ يُزَكِّيهِمْ))، أي لا يطهّرهم عن الآثام، فإن البطن إذا مُلئ حراماً يقسو، فلا يهتدي حتى يتزكّى الإنسان ويتطهّر ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

175

((أُولَئِكَ)) الذين يكتمون ما أنزل الله هم ((الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى))، أي عوض الهداية، فكان نفس الإنسان ثمن لأحد أمرين الضلالة والهداية، فهم أعطوا أنفسهم، واشتروا الضلالة عوض أن يشتروا الهداية ((وَ)) اشتروا ((الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ)) فعوض أن يشتروا المغفرة لأنفسهم اشتروا العذاب ((فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)) تعجب عن صبرهم على النار التي هي عاقبة عملهم، أي كيف أنهم يصبرون على النار حينما فعلوا ما عاقبته النار.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

176

((ذَلِكَ)) العذاب، إنما توجّه إليهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ))، أي التوراة ((بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ)) بكتمان بعضه وإظهار بعضه ((لَفِي شِقَاقٍ)) وخلاف عن الحق ((بَعِيدٍ)) فهم إنما إستحقوا العذاب، لأنهم خالفوا الحق، وكتموا ما لزم إظهاره، ومن المحتمل أن يكون المراد بالكتاب “القرآن”، أي أن عذابهم بسبب كتمانهم كون القرآن حقاً وإختلافهم فيه، بأنه سحر وكهانة أو كلام البشر.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

177

((لَّيْسَ الْبِرَّ)) كل البر أيها اليهود المجادلون حول تحويل القبلة الصارفون أوقاتكم في هذه البحوث العقيمة ((أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) فإنّ ذلك أمر فرعي مرتبط بتكليف الله سبحانه، وقد كلّفنا بأن نصرف الوجوه الى الكعبة ((وَلَكِنَّ الْبِرَّ)) فعل، أو ولكن ذل البر ((مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) فإنّ ذلك هو الأصل الذي يتفرّع عليه أحكام الصلاة وغيرها ((وَ)) آمن بـ ((الْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ)) المنزل من عند الله على أنبيائه ((وَ)) آمن بـ ((النَّبِيِّينَ)) كلهم أولهم وأوسطهم وآخرهم ((وَآتَى الْمَالَ))، أي أعطاه وأنفقه ((عَلَى حُبِّهِ))، أي مع أنه يحبه، أو على حب الله تعالى ((ذَوِي الْقُرْبَى))، أي قراباته وأرحامه ((وَالْيَتَامَى)) الذين مات أبوهم ((وَالْمَسَاكِينَ)) الذين لا يجدون النفقة لأنفسهم وأهليهم ((وَابْنَ السَّبِيلِ)) الذي إنقطع في سفره، فلا مال له يوصله الى أهله ومقصده، وسمّي إبن السبيل، لعدم معرفة أبيه وعشيرته ((وَالسَّآئِلِينَ)) من الفقراء الذين يسألون الناس ((وَ)) آتى المال ((فِي)) فك ((الرِّقَابِ))، أي إشتراء العبيد أو إعتاقهم، حتى يتحرروا عن ربق العبودية ((وَأَقَامَ الصَّلاةَ))، أي أدّاها على حدودها ((وَآتَى الزَّكَاةَ)) الواجبة والمستحبة ((وَالْمُوفُونَ)) الذين يفون ((بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)) سواءً كان عهداً مع الله كالنذر والبيعة، أو مع الناس كالعقود، وهذا عطف على قوله “من آمن” ((وَالصَّابِرِينَ)) عطف على “من آمن” على طريق القطع بتقدير القدح، كما قال إبن مالك:

واقطع أو اتّبع أن يكـن معيّناً بدونها أو بعضها إقطـع معلـنا

وارفـع أو أنصب إن قطعت مضمراً مبتدءاً أو ناصباً لمن يظهرا
فإن عادة العرب أن يتفنن بالقطع رفعاً ونصباً إذا طالت الصفات تقليلاً للكلل وتنشيطاً للذهن بالتلوّن في الكلام ((فِي الْبَأْسَاء)) البؤس الفقر ((والضَّرَّاء)) والمضر الموجع والعلّة وكلّ ضرر ((وَحِينَ الْبَأْسِ))، أي الصابرين حين القتال ((أُولَئِكَ)) الموصوفون بهذه الصفات هم ((الَّذِينَ صَدَقُوا)) في نيّاتهم وأعمالهم، لا من يجادل في أمر كتحويل القبلة ((وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) الخائفون من الله سبحانه، وفي هذه الآية الكريمة إلماح الى حال كثير من الناس حيث يتركون المهام ويناقشون في أمر غير مهم عناداً وعصبية.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...