الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 219

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 219

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

216

ويأتي هنا دور أسئلة وُجّهت الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أجاب عنها القرآن الكريم يجمعها الإنقلاع عن الملذات والصبر على الطاعة وبهذا يرتبط السياق بما قبله حيث كان الكلام في معرض التضحية في سبيل العقيدة والإيمان وما يأتي نوع من التضحية ((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((مَاذَا يُنفِقُونَ)) في سبيل الله من أقسام الأموال ((قُلْ)) ليس لهم الإنفاق فإنه أي شيء كان يُقبل إذا كان المُنفَق عليه أهلاً كما أنه لا يُقبل إذا كان المنفَق عليه غير أهل، فمعيار الإنفاق ليس ماهيّة المنفِق وإنما شخص المنفَق عليه فـ ((مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَـ)) اللازم أن يكون ((لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)) أقربائكم ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) وأشباه ذلك مما يُقصد به وجه الله سبحانه ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ))إنفاق أو غيره ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) فيجازيكم بالخير خيراً، وروي أنها نزلت في “عمرو بن الجموح” وكان شيخاً كبيراً كثير المال فقال: يارسول الله بماذا أتصدّق؟ وعلى مَن أتصدّق؟ فأنزل الله هذه الآية.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

216

ثم رجع السياق الى الآية السابقة التي فيها ذكر التضحية والزلزال ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ)) مع مَن تعدّى عليكم أو على العقيدة الصحيحة أو على الناس ((وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)) تكرهونه ((وَعَسَى)) بمعنى “قد” وما بعده فاعله ((أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)) والقتال من ذلك فإنه يوجب سيادتكم وسعادتكم ((وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ)) وترك القتال كذلك لما فيه من راحة الجسم وعدم إضطراب القلب لكنه شر لما فيه من زوال السيادة والعزة وتسلط الكفار والأجانب ((وَاللّهُ يَعْلَمُ)) ما فيه خيركم وشركم ((وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)).

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

217

بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسريّة فإتُّفق إن قاتلت في شهر رجب وهي تتردد في أن اليوم الذي حاربت فيه من جمادي أو رجب، وشهر رجب من الأشهر الحرم، ولذا كثر صخب المشركين وأنه كيف يقاتل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شهر حرام وأتى وفدهم الى المدينة يسألون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فنزلت هذه الآية ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ)) بدل شهر، أي يسألونك يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من القتال في الشهر الحرام ((قُلْ قِتَالٌ فِيهِ))، أي في الشهر الحرام ((كَبِيرٌ)) في نفسه لا يجوز ((وَ)) لكن ليس كُبر ذنبه مثل عِظَم ذنب ما تفعلونه أنتم أيها المشركون فـ ((صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ))، أي المنع عنه لا يُسلم أحد ((وَكُفْرٌ بِهِ))، أي بالله سبحانه ((وَ)) صد عن ((الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) لئلا يحج المسلمون ((وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ))، أي أهل المسجد الحرام ((مِنْهُ)) كما فعل المشركون بالنبي والمسلمين ((أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ)) فكيف تؤاخذون المسلمين بذنب مهما عظم وتنسون ذنوبكم التي هي أعظم منه ((وَالْفِتْنَةُ)) التي أنتم تُقيمون عليها من تفتين المسلمين عن دينهم وإغرائهم بالكفر بعد الإسلام ((أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)) الذي صدر من المسلمين فإن القتل يفسد دنيا المقتول والفتنة تُفسد دين المفتتن وأخراه ((وَلاَ يَزَالُونَ))، أي لا يزال الكفار ((يُقَاتِلُونَكُمْ)) أيها المسلمون ((حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ)) الى الكفر ((إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) أن يردّوكم ((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((عَن دِينِهِ)) الى الكفر ((فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ)) في مقابل مَن إرتدّ ورجع حتى مات مؤمناً ((فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)) والحبط هو الإنبطال والإفناء فلا حسنة لهم ولم ينتفعوا بإيمانهم السابق على الكفر ((فِي الدُّنْيَا)) فليس لهم إحترام المسلم وحقوقه ((وَالآخِرَةِ)) فلا يجزى بالجنة والثواب ((وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

218

وهناك ظنّ أناس أن القاتل في رجب إن سَلِم من الإثم لم يكن له أجر لأنه إنتهك حُرمة الشهر الحرام فأنزل الله ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ)) بأن قطعوا ديارهم وأهليهم وخلفوا أموالهم لأجل أن يكونوا مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَجَاهَدُواْ))، أي أوقعوا أنفسهم في الجهد والتعب، وأوضح فرد له المقاتلة ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) لكسب مراضيه ((أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ)) يأملونها في الدنيا والآخرة ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) ليغفر من زلّ و ((رَّحِيمٌ)) بعباده المؤمنين فلا ينقص أجورهم وإنما قال “يرجون” لأن الإنسان لا يدري ما حاله في المستقبل وأنه هل يبقى على الإيمان والصلاح حتى يثأب أم يفتن في دينه حتى يحبط عمله.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

219

((يَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((عَنِ الْخَمْرِ)) وهي كل مُسكر وأظهر أفراده المسكر المتخذ من العنب ((وَالْمَيْسِرِ)) وهو القمار بجميع أصنافه والسؤال كان عن حكمها ((قُلْ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ))، أي وِزر عظيم لما فيهما من الفساد الكبير ((وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)) فإن الخمر تفيد اللذة والطرب وفي الإتجار بها ثمن وربح والقمار فيه لذة للاعب وربح للفائز ((وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)) إذ الفساد الذي يسببانه في البدن والعقل والمال أكبر من اللذة والربح الذي يحصل بسببهما بالإضافة الى العقوبة الأخروية التي تصيب الإنسان من جرائها، ((وَيَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((مَاذَا يُنفِقُونَ)) وهنا جاء الجواب طبق السؤال وأنه “ماذا” لا أنه “لمن” فقال ((قُلِ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((الْعَفْوَ))، أي الزائد من المال على النفقة فإنّ ما بقدر نفقة النفس والأهل لا يُنفق تقديماً لواجبي النفقة على غيره وهذا الإنفاق مستحب لما دلّ على حصر الحقوق الواجبة في أمور معدودة ((كَذَلِكَ))، أي هكذا يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإن كذا تشبيه وإشارة والكاف الملحق بها اللام للخطاب ((يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ)) الأدلة المرتبطة بالتشريعات ((لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))، أي لكي تتفكروا.

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...