تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 243
23 ديسمبر,2017
القرآن الكريم
829 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
236
وبعد بيان حكم موت الزوج، يأتي حكم الطلاق، والطلاق إن كان قبل الدخول ولم يُذكر في العقد مهر فللمرأة المتعة، وإن كان قبل الدخول وذُكر المهر فللمرأة نصف المهر ((لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها الأزواج ((إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ)) بالدخول ((أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)) “أو” بمعنى الوار، أي لم يكن شيء من الأمرين لا المس وإلا المهر، ويسمى المهر فريضة لأنه يجب إذا سمّي، والمعنى أنه يُباح الطلاق قبل المس والفرض، فلا يتوهم أحد أن النكاح لأجل الوطي فكيف يصح الطلاق قبله ((وَمَتِّعُوهُنَّ))، أي إعطوهنّ المتعة وهي ما تتمتع به المرأة ويوجب تعويضاً يجبر خاطرها الكسير ((عَلَى الْمُوسِعِ))، أي الغني يُقال أوسع الرجل إذا أكثر ماله ((قَدَرُهُ)) من دار أو خادم أو نحوهما ((وَعَلَى الْمُقْتِرِ))، أي الفقير يُقال أقتر الرجل إذا إفتقر ((قَدْرُهُ)) كخاتم أو درهم أو نحوهما ((مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ)) ليس فيه إسراف ولا تقصير ((حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون طاعة الأوامر والإنتهاء عن الزواجر.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
237
((وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)) طلاقاً قبل الدخول ((وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)) بأن عيّنتم في النكاح المهر ((فَـ)) عليكم أن تدفعوا الى المرأة ((نِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)) نصف المهر هذا هو الحكم الواجب ((إَلاَّ أَن يَعْفُونَ))، أي تعفي المرأة عن نصفها فلا تأخذ شيئاً وتهب ما لها الى الزوج ((أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)) يمكن أن يُراد به الزوج بأن يعفوا الزوج عن نصفه فيعطي للمرأة جميع مهر المرأة، وروي أن المراد عفو ولي الزوجة فيما كان لها ولي مفروض كالصغيرة أو موكّل من قِبَلها في الكبيرة ((وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) فإن من يترك حق نفسه تبرعاً أقرب الى التقوى بأن تبقى معصية الله فلا يطلب ما ليس له ((وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)) بأن يتفضّل بعضكم على بعض فيتنازل عن حقوقه لأجل صاحبه ولعل الفرق بين العفو والفضل أن العفو هبة جميع حقوقه والفضل هبة بعضها ((إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فيجازيكم على أعمالكم إن حسناً وإن سيئاً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
238
إن القرآن الحكيم دائماً يلطّف أجواء الأحكام بتلميحالى قدرة إله الكون وعظمته ورحمته وغفرانه ونحوها ليسمو بالنفس ويربط الحكم بالخالق حتى يكون أقرب الى التنفيذ، ولما طالت آيات الأحكام وبالأخص ما له جو كابت حزين من طلاق وموت ونحوهما أتت آيات الصلاة متخلّلة بينها لتشع في النفس الطمأنينة والهدوء (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) مع مناسبة لهذه الآيات مع الجو العام لما قبلها وبعدها حيث تعرضت لصلاة الخوف والمطاردة، هذا ما أحتمله أن يكون سبباً لذكر هذه الآيات هنا متوسطة أحكام الموت والطلاق ((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ)) كلها ((والصَّلاَةِ الْوُسْطَى)) خاصة وهي صلاة الظهر لأنها تتوسط بين النهار، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلّيها بالهاجرة في مسجد مكشوف فكانت أثقل صلاة عليهم ولذا لم يكن يحضرها إلا الصف والصفان فقط، كما ورد عن بعض الصحابة ((وَقُومُواْ)) أيها المسلمون ((لِلّهِ قَانِتِينَ))، أي داعين فإنّ القنوت هو الدعاء، ومنه القنوت في الصلاة والمراد أما القنوت في الصلاة أو مطلقاً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
239
((فَإنْ خِفْتُمْ)) فلم تتمكنوا من المحافظة على الصلاة بشرائطها وآدابها، حيث إبتليتم بالعدو الذي لا يسمح لكم بالصلاة الكاملة ((فَـ) صلّوا ((رِجَالاً)) جمع راجل أو مشاة ((أَوْ رُكْبَانًا)) جمع راكب، أي على ظهور دوابكم ((فَإِذَا أَمِنتُمْ)) من الخوف ((فَاذْكُرُواْ اللّهَ)) صلاة كاملة ((كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)) من أمور دينكم ودنياكم.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
240
ثم رجع السياق الى تتمة الأحكام السابقة بعد ما أشعث في النفس الإطمئنان وندى الجو بذكر الصلاة ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا)) “يتوفّون” مجاز بالمشارفة، فإنه كثيراً ما يعبّر عمن شارف أمراً بالداخل فيه، كما يعكس كثيراً فيعبّر عن الداخل بالمشارف، نحو (ولا تقربوا مال اليتيم) و(لا تعزموا عقدة النكاح) فالمراد الذين يقاربون الوفاة، ولهم زوجات فمن الأفضل أن يوصوا ((وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم)) بأن يمتّعهنّ الوصي ((مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)) فيعطي النفقة والكسوة إليهنّ الى سنة كاملة ((غَيْرَ إِخْرَاجٍ))، أي في حال كونهن غير مخرجات إخراجاً عن بيوت أزواجهنّ ((فَإِنْ خَرَجْنَ)) عن رغبتهنّ ((فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أيها الأولياء ((فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ)) بالزواج والزينة بعد إنقضاء عدّة الوفاة -وهي أربعة أشهر وعشرا- فإنّ قبل ذلك لا يكون معروفاً بل منكراً ((وَاللّهُ عَزِيزٌ)) فيحكم بمقتضى عزّته وسلطته ((حَكِيمٌ)) لا يحكم إعتباطاً بل عن مصالح وعلل، وهذه الآية حسب ما ذكرنا لها من المعنى لا تكون منسوخة بآية (أربعة أشهر وعشرا).
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
241
((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ)) يمتّعهنّ الأزواج بشيء سواءً كُنّ واجبة النفقة أم لا ((بِالْمَعْرُوفِ)) فإنّ ذلك يسبب رفع الغضاضة ((حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) الذين يتّقون مخالفة أوامر الله سبحانه إيجاباً كانت أو ندباً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
242
((كَذَلِكَ)) الذي بيّن الله لكم الأحكام ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، أي لكي تعقلوا آياته وأحكامه.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
243
ومن جو الأسرة وإمتدادها وإنقطاعها ينتقل السياق الى قصة الحياة والموت التي تشبه قصة الأسرة في كونها إمتداداً للحياة العائلية وإنقطاعاً لها في قصة عجيبة هي: أن أهل مدينة من مدائن الشام كانوا سبعين ألف بيت هربوا من الطاعون فمرّ,ا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فأماتهم الله من ساعتهم جميعاً وصاروا رميماً يلوح فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يُقال له “حزقيل” فبكى وإستعبر وقال: “يارب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتّهم، فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك،” فأوحى الله إليه أن يقول الإسم الأعظم، فقاله عليهم فعادوا أحياءاً ينظر بعضهم الى بعض يسبحون الله ويكبرونه ويهللونه ((أَلَمْ تَرَ)) إستفهام تقريري، أي ألم تعلم فإنّ الروية تأتي بمعنى العلم كقوله (رأيت الله أكبر كل شيء) وقد يُستفهم بمثل هذا الإستفهام لإيجاد العلم ((إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ)) سبعون ألفاً كما تقدّم ((حَذَرَ الْمَوْتِ)) وفراراً من الطاعون ((فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ)) فأماتهم حيث ظنوا الهرب ((ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)) بدعاء النبي حزقيل ((إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ)) كلهم بخلقهم ورزقهم وتدبير أمورهم ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)) نعمه وفضله عليهم بل يقللون فضله بالعصيان.
2017-12-23