تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران
4 فبراير,2018
القرآن الكريم
987 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
154
((ثُمَّ أَنزَلَ)) الله ((عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ)) الذي غشيكم لهزيمتكم ((أَمَنَةً))، أي أمناً ((نُّعَاسًا))، أي نوماً، وهو بدل إشتمال لـ “أمَنة” فإنهم ناموا من شدة التعب والنصب بعدما ذهب خوفهم وذهب الكفار، و”أمَنة” مصدر كالعظمة والغلبة لكن هذا النعاس كان ((يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ)) فقط الذين كانوا يعلمون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق وأن الله لا يتركه وأن ما أصابهم يوجب الثواب والفائدة لهم ((وَ)) هناك ((طَآئِفَةٌ)) ثانية كانوا مع النبي منافقين ((قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ)) يفكرون في هزيمتهم لا ينامون من الحزن والخوف حين إنتشر بينهم أن الكفار عازمون على الرجوع وكانوا يشكّون في نصرة الله، ولذا لم يتمكنوا من الخوف أن يناموا ((يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ)) وأنه لا ينصر نبيّه ((ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)) من الكفار المكذبون بوعد الله سبحانه ((يَقُولُونَ)) ما في نفوسهم من الظنون الجاهلية ((هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ)) أمر الغلبة والنصرة ((مِن شَيْءٍ)) في مقام الإستنكار والتعجب أن ينتصروا على الكفار إذا رجعوا ((قُلْ)) لهم يارسول الله (( إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) ينصر من يشاء فللمسلمين النصر والغلبة بإعطاء الله لهم إياها ((يُخْفُونَ)) هؤلاء المنافقون ((فِي أَنفُسِهِم)) النفاق والكفر ((مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ))، أي لا يتجرئون على إظهاره ((يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ))، أي من النصرة والغلبة ((شَيْءٌ)) وكنا حقيقة منصورين ((مَّا قُتِلْنَا))، أي ما قُتل أصحابنا ((هَاهُنَا)) في غزوة أُحُد ((قُل)) يارسول الله في جوابهم أن كون الأمر لنا لا يلازم أن لا يُقتل منا أحد فإن الإنسان يموت إذا جاء أجله ولو كان في داره ومنزله ((لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ))، أي خرج الذين كُتب عليهم القتل بأن رقم موتهم في اللوح المحفوظ الى مصارعهم، ومضاجع جمع مضجع بمعنى محل المنام ((وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ)) يختبر الله ما في صدوركم، فإن ما في الصدور من الإخلاص والنفاق، والثبات والوهن إنما يظهر لدى الشدائد والمحن، وهذا عطف على قوله “ليبتليكم” أو مستأنفة، أي فعل الله سبحانه ما فعل ليبتلي ((وَلِيُمَحَّصَ))، أي يخلص ((مَا فِي قُلُوبِكُمْ)) بأن يكشفه للناس ولكم حيث أن الإنسان يظن أشياء فإذا حدث الحادث يظهر له خلاف ما كان يظن بنفسه ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) فليس الإمتحان لأن يعلم هو تعالى، بل لأن يظهر ما يعلمه.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
155
((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ)) أدبروا وانهزموا ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)) يوم أُحُد الذي إلتقى جمع المسلمين بقيادة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بجمع المشركين بقيادة أبي سفيان ((إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ)) طلب زلّتهم وعصيانهم ((بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ))، أي بسبب بعض المعاصي التي كانوا يعملونها فأخذتهم عاقبتها وشُؤمها ((وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ)) بعدما ندموا ورجعوا ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يغفر للمذنب إذا تاب ((حَلِيمٌ)) لا يعجل بالعقوبة بل يمهل الذنب كي يتوب ويئوب.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
156
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ)) إعتقاداً وهم الكفار الذين لا يدينون بما وراء الغيب، أو كفروا عملاً وهم المنافقون ومن أشبههم ((وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ)) في العقيدة، أو في الإنسانية، حتى يشتمل قول الكافرين للمؤمنين، وقوله “لإخوانهم” أي قالوا بانسبة الى الأخوان الذين سافروا فماتوا أو حاربوا فقُتلوا ((إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ))، أي ذهبوا لأجل التجارة ونحوها، يُقال ضرب فلان في الأرض إذا سافر، وتخصيص الأرض بالذكر لكون السفر غالباً من طرق البر ((أَوْ كَانُواْ غُزًّى)) جمع غازي، أي حاربوا الأعداء ((لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا)) مقيمين في أوطانهم ((مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ)) فقد حسبوا أن الموت والقتل لا يكونان إلا بتقدير وقضاء وليس يفيد في ذلك البقاء، وفي هذا ردّ لإرجاف المنافقين الذين كانوا يلقون تبعة قتل المؤمنين في أُحُد على النبي وأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخرجهم فقُتلوا، ومعنى القضاء والقدر في الأمور في الأمور التكوينية التخطيط وتهيئة الأسباب، فكما أن المهندس الذي يريد بناء دار يخطط شكل الدار المراد بنائها ثم يحضّر مواد البناء من آجر وجص وحديد وخشب، كذلك ما في العالَم من الأمور التكوينية خطّطت وعلّمها الله سبحانه وأحضرت موادها لكن ليس معنى ذلك أن الأمور خارجة عن أيدي البشر وإنما جُعل الدعاء والصدقة والأسباب الظاهرة مستثنيات للتخطيط والآلات والأسباب وكل ذلك أيضاً بعلمه سبحانه، وعلى كلٍّ فليس الموت والقتل مما يكون سببهما السفر والغزو كما زعمه الكفار بل هناك أسباب خفيّة تدير هذين الأمرين الى جنب الأسباب الظاهرة، فليس كل سفر وغزو موجباً للموت كما ليس كل إقامة موجباً للبقاء، والكفار إنما قالوا ذلك يريد تثبيط الناس عن الجهاد ((لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ)) الإعتقاد – المفهوم من الكلام- ((حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)) لما حصلت لهم من الخيبة حيث رأوا رجوع إخوانهم من السفر والجهاد بالربح والظفر ومن الطبيعي أن يحزن ويخسر الشخص الجامد لما ناله الشخص المتحرك المتحتم من الخير والتقدم، واللام في “ليجعل” أما لام الأمر لبيان التأكيد، أو لام العاقبة، أي كانت عاقبة هذا الإعتقاد الحسرة والحزن ((وَاللّهُ يُحْيِي)) الأرض والجماد إنساناً ((وَيُمِيتُ)) فليس السفر والغزو تمام سبب الموت ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فارغبوا في الطاعة والجهاد، واحذروا من المخالفة والفرار، فإن الله سبحانه يعلم أعمالكم يبصر صُنعكم.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
157
ثم لنفرض أن السفر والغزو سبب الموت فهل الموت مع المغفرة خير أم الحياة لجمع الأموال التي يحياها الكافر الذي يبقى في بلده ((وَلَئِن قُتِلْتُمْ)) أيها المؤمنون ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) وجهاد أعدائه ((أَوْ مُتُّمْ)) في سبيل إكتساب الرزق والتجارة والضرب في الأرض ((لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ)) حيث يغفر لكم ويرحمكم حيث كنتم مطيعين له ممتثلين أمره ((خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))، أي يجمع هؤلاء الكفار الباقون في بلدهم خوفاً من الخروج فإنّ مَن يبقى يكتسب ويجمع مالاً.
2018-02-04