الرئيسية / تقاريـــر / رجل من قم – سالم الصباغ

رجل من قم – سالم الصباغ

عن الإمام الكاظم(ع) قال : ( رجل من قم ، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف ، لا يملون من الحرب ولايجبنون ، وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين)
(البحار:60/216 طبعة إيران ، وكذا ما بعدها عن قم )

ونحن على أبواب احتفال الشعب الإيراني بذكرى عشرة الفجر ، وهي العشرة أيام التي تبدأ من يوم عودة الإمام الخميني من منفاه ( نوفل لوشاتو ) في ضواحي باريس في الأول من شهر فبراير عام 1979 إلى الحادي عشر منه ، ذكرى سقوط نظام شاه إيران ، ونجاح الثورة الإسلامية في إيران في إقامة أول حكومة إسلامية في العصر الحديث ، يقودها أحد الفقهاء العارفين .

هذه الثورة المباركة التي غيرت وجه التاريخ في المنطقة والعالم وما زالت، وإنى لأشعر أن في عنقي دينا كبيرا لهذا العالم الرباني الفذ في تعريفي بمدرسة أهل البيت عليهم السلام منذ خمسة وثلاثين عاما ، دون أن أراه إلا صورة على صفحات الجرائد والمجلات ، فحتى القنوات الفضائية لم تكن متاحة في ذلك الزمان ولا شبكات التواصل الاجتماعى .

العودة من المنفي
وبالضبط في الأول من فبراير عام 1979 ، عندما كنت أتابع عودة الإمام الخميني من منفاه في فرنسا إلى طهران، والاستقبال الأسطوري له..كنت أتابعه من إذاعة مونت كارلو، فقالت الإذاعة:
إن 80 % من أتباع الخميني من الأميين ، تريد أن تنتقص من شأن الثورة ، وهنا حدث معي
مايمكن أن أُطلق عليه ( إشارات ) أو توفيق إلهي .
حديث الإشارات ..والتوفيقات

الإشارة الأولى .. وسورة الجمعة

عندما وصف المذيع الشعب الإيراني الثائر على الظلم والطغيان بأن 80 % منه من الأميين تقليلاَ لشأن الثورة ، جاء على خاطرى فورا قوله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ } (الجمعة/2).
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (الجمعة/3).

فقلت في نفسي لعل هذه الثورة هي المقصودة ( بالآخرين منهم ) في الآية الشريفة ، وذلك تعليقاَ على قول إذاعة مونت كارلو أن 80 % من أتباع الإمام الخميني من الأميين .

الإشارة الثانية .. ومعنى ( آخرين منهم )

حيث كان بجواري صحيح مسلم ، فمددت يدي وفتحت الفهرست فوجدت فيه عنوانا :
(فضل أهل فارس) ، والعجيب وجدت حديث عن الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله يحدد من المقصود بهؤلاء (الآخرين ) في سورة الجمعة ، وأنهم هم رجل من فارس أو هم أهل فارس أو قوم سلمان .

وهذا نص الحديث :
(حديث مسلم في صحيحه:7/192 ، عن أبي هريرة قال: كنا جلوساً عند النبي (ص) إذا نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه النبي (ص) حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، قال وفينا سلمان الفارسي ، قال فوضع النبي (ص) يده على سلمان ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) .

الإشارة الثالثة .. وحديث الثقلين

تصفحت مزيدا من العناوين في صحيح مسلم ، فوجدت عنوانا في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ووجدت حديث يسمى بحديث الثقلين ، وهو عبارة عن قوله صلوات الله عليه وآله :
عن زيد بن أرقم قال:
قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما :
كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: وأهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي .. )
(صحيح مسلم ج7 ص123 / دار الفكر بيروت)

الإشارة الرابعة .. ( وحديث الأئمة الاثنتي عشرة )

تصفحت باب الإمارة في صحيح مسلم ، فوجدت فيه حديث الاثنتي عشرة خليفة ، وهو عبارة عن قوله صلوات الله عليه وآله :
عن جابر بن سمرة قال : ( دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي علي قال فقلت لأبي ما قال قال كلهم من قريش )
كان سوق الكتب قد امتلأ فجأة بكتب عن تكفير الشيعة ، و خرافاتهم ، وعقائدهم الباطلة ،
ومنها كنت قد عرفت أنهم يختلفون عن أهل السنة بشيئين رئيسين :
الأول : أن لهم اثني عشر إماما من أهل البيت عليهم السلام .
الثانى : أنهم يتبعون أهل البيت عليهم السلام في أصول الدين وفروعه .
ففوجئت بوجود هذه الأحاديث في صحاح أهل السنة .

كل هذه الإشارات التي قلبت حياتي رأساَ على عقب كانت قد حدثت في عدة دقائق قليلة وكأنما كنت نائماَ ففتحت عيني لأستيقظ على حلم جميل ، أو كأنها ومضات في ليل مظلم كان يغشى واقعنا الديني في مصر حيث الجماعات التكفيرية ، وكأنما نهارُ جديد يتجلى ليكشف أمامى طريقاَ جديدا لم نكن ندري عنه شيئاَ .

ولم أكن أعرف أن للشيعة أدلة على ذلك إلا حين قرأت هذه الأحاديث في هذه الليلة المشهودة، وكأن الإمام الخميني نورا أراد الله أن يظهره في هذا الوقت لحكمة يعلمها الله .
وكانت بداية لرحلة طويلة ، ما زالت مستمرة ، إشاراتها أعمق من عباراتها ، وعطاءاتها أرحب من منعها ، وبسطها أوسع من قبضها .
ولعلنا نوفق أن نواصل الكتابة عن ذكرياتنا حول هذه الثورة المباركة

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...