تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران
27 يناير,2018
القرآن الكريم
755 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
109
((وَ)) كيف يريد الله ظلماً والحال أنه ((لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) والظلم ينشأ من الإفتقار فهو الغني المطلق ((وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ)) أمور الخلق فإن الله سبحانه يعيد المخلوق ليجازيهم، وهذا تشبيه بالرجوع المادي الذي يكون بين الحاكم والمحكوم حيث يُساق المحكوم نحو الحاكم ليحكم عليه، وإذ كان الأمر يرجع الى الله فلا يظن الكافر أنه يتمكن من الفرار عنه سبحانه حتى لا يُعاقَب بما عمل من السيئات.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
110
ويرجع السياق هنا الى ما تقدّم من لزوم الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((كُنتُمْ)) أيها المسلمون، و”كان” لمجرد الربط، لا بمعنى الماضي ((خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))، أي خير جماعة ظهرت للناس، فإن كل أمة تظهر للناس في فترة ثم تختفي وتغيب لتأخذ مكانها أمة أخرى، وإنما كان المسلمون خير أمة لخصال ثلاث بها تترقى الأمم الى الأوج هي ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) فإن المجتمع إذا خلى عن هذين الواجبين أخذ يهوي نحو السفل لما جُبل عليه من الفساد والفوضى والشغب، فإذا تحلّى المجتمع بهذين الأمرين أخذ يتقدّم نحو مدارج الإنسانية والحضارة الحقيقية حتى يصل الى قمة البشرية ((وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً لا كإيمان أهل الكتاب والمشركين، والإيمان الصحيح بالله رأس الفضائل فإنه مع قطع النظر عن كونه إدراكاً لأعظم حقيقة كونية محفّز شديد نحو جميع أنواع الخير ومنفّر قوي عن جميع أصناف البشر ((وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) إيماناً صحيحاً لعدم الشرك وقبول قول الله سبحانه في نبوة نبي الإسلام محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لَكَانَ)) إيمانهم ((خَيْرًا لَّهُم)) في دينهم ودياهم حتى تنظم دنياهم على ضوء الإسلام فتخلو من الجهل والمرض والفقر والرذيلة ويكونون في الآخرة سعداء ينجون من عذاب الله، وليس المراد بـ “خير” معنى التفضيل بل هو تعبير عُرفي، حيث يظهر للناس أنهم في خير في الجملة، وعلى هذا يكون إيمانهم أكثر خيراً وأفضل، ثم بيّن سبحانه أن ليس كل الذين كانوا من أهل الكتاب بقوا على طريقتهم فإن ((مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ)) بالله وبالنبي وبما جاء به كالنجاشي وابن سلام وغيرهما ((وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن طاعة الله باتباع أهوائهم المضلّة طرايقهم الزائفة.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
111
ولقد كان كفار أهل الكتاب يؤذون المؤمنين منهم خاصة وسائر المؤمنين عامة وكان المؤمنون من حيلهم ومؤامراتهم في قلق واضطراب، ولذا هدّء الله سبحانه من روع المؤمنين بقوله ((لَن يَضُرُّوكُمْ))، أي لن يضر أهل الكتاب إياكم أيها المؤمنون ((إِلاَّ أَذًى)) يسيراً فإن مؤامراتهم تفشل وحيلهم تخسر ولا يبقى إلا تشويشات وإشاعات وهي مما لا تضر ضرراً معتدّاً به، أما مايظن المسلمون أنهم يتمكنون من إقتلاع جذورهم وإبادة دينهم فإن يكون ذلك أبداً بل المسلمون هم المنصورون ((وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ)) جمع دُبُر في الظهر، أي ينهزمون فارّين ((ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ))، أي لا ينصرهم أقوالهم لما أُلقي في قلوبهم من رعب الإسلام وخوف من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان مصب الآية الكريمة اليهود فهم المعنيون بهذا الكلام بقرينة الآية التالية.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
112
((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ))، أي ضربها الله عليهم فهم أذلاّء الى الأبد وهي ثابتة لهم ومحيطة بهم وأيّة ذلّة أعظم من أنه ليست لهم دولة مستقلة وهم مهانون دائماً وجميع الدول تطاردهم إلا في ظرف مصلحتها الخاصة فهم كالعبيد المسخرة إن إستفاد مولاهم أطعمهم وإلا طردهم ((أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ))، أي وُجدوا ((إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ))، أي إلا إذا تمسّكوا بحبل الله تعالى بالإيمان به وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به حتى يكونوا كالمسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ((وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ))، أي تمسّكوا بحبل دولة قوية تحميهم، والواو للتقسيم نحو الكلمة إسم وفعل وحرف، لا للجمع ((وَبَآؤُوا)) أُرجعوا ((بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ)) فكان الناس جائوا للإغتراف من مناهل الإسلام وكانت اليهود فيهم فالناس رجعوا بالإسلام وحب الله سبحانه وهؤلاء رجعوا بالكفر وغضب الله تعالى ((وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ))، أي الفقر الروحي الذي هو أعظم أقسام المسكنة فإن أرواحهم تهفوا الى المادة أكثر من روح أي فقير مسكين وهم على ثروتهم الظاهرة من أفقر الخلق نفساً وروحاً ((ذَلِكَ)) العقاب الدنيوي لهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ)) فموسى نبيهم كان منهم في نصب وتعب فإنهم ما خرجوا من البحر إلا قالوا : ياموسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، واتخذوا العِجل، وآذوا موسى الى غير ذلك ((وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ))، أي كانوا يقتلونهم، وبغير حق : تأكيد، إشارة الى أنه لم يكن لهم حق في قتلهم حتى ظاهراً، فإنهم يقتلون الأنبياء لمجرد الدعوة الى الله والإرشاد والوعظ، لا لأنهم قتلوا منهم أحد أو نهبوا مالاً أو نحو ذلك، -وإن كان الأنبياء لو فعلوا ذلك كان بأمر الله وبالحق- لكن الأنبياء لم يكونوا فعلوا حتى ذلك -كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : “بِمَ تستحلّون دمي؟ أعَلى قتيل قتلته منكم؟” الى آخر كلامه- ((ذَلِكَ))، أي كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ((بِـ)) سبب ((مَا عَصَوا))، أي عصيانهم لأوامر الله سبحانه سبّب الكفر والقتل وهما سببا نقمة الله ولعنته ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) يتجاوزون الحدود الدينية والبشرية.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
113
ولمرة أخرى إستثنى القرآن الحكيم مَن آمن من أهل الكتاب، وإنه ليس كغيره ممن بقى على كفره وعناده وقد نزلت -كما قيل- حين أسلم جماعة من أهل الكتاب فقال الكفار منهم أنهم أشرارنا ((لَيْسُواْ سَوَاء))، أي ليس أهل الكتاب متساويين في ما تقدّم لهم من الصفات، ثم إبتدء قوله سبحانه ((مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ)) على الحق لا زائفة زائلة، وهم الذين آمنوا بالإسلام ((يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ)) المنزلة في القرآن المجيد ((آنَاء اللَّيْلِ)) ساعاته وأوقاته، فإن لقراءة القرآن في الليل أثراً كبيراً حيث أن هدوء النفس وهدوء الجو يوجبان وقوع الآيات في النفس أكثر من النهار ((وَهُمْ يَسْجُدُونَ)) لله سبحانه ويخضعون له بالصلاة والتعفير.
2018-01-27