الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

93

قد تقدّم حُكم قتل الخطأ ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا )) ظاهر الآية أن القتل وقع عمداً مقابل قتل الخطأ ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا )) أبد الآبدين، وإلا أن تدركه شفاعة أو عفو، وهذا الإستثناء بدليل قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ((وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ )) والمراد في مثل هذه الصفات نتائجها، وإلا فالله سبحانه ليس محلاً للحوادث ((وَلَعَنَهُ))، أي طرده عن رحمته (( وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) وفي آية أخرى (ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا).

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

94

ثم أشار القرآن الحكيم الى بعض الإحتياطات اللازمة على المجاهدين لئلا يقتلوا مسلماً خطأ، وذلك إثر وقوع حادثة وهي أن أسامة بن زيد وأصحابه بعثهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سريّة فلَقوا رجلاً قد انحاز بغنم له الى الجبل وكان قد أسلم فقال لهم : السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فَبَدَرَ إليه أسامة فقتله واستاقوا غَنَمَه فلما رجع الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبره بذلك فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : “أفلا شققتَ الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما في نفسه علمت” ونزلت الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))، أي خرجتم للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام فإن الضرب بمعنى السفر لأن المسافر يضرب برجله الأرض ((فَتَبَيَّنُواْ ))، أي ميّزوا بين الكافر والمؤمن ليكون أمركم واضحاً مبيناً ولا تفعلوا شيئاً بدون التثبّت والتبيّن والتّأني ((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ ))، أي حيّاكم بتحية الإسلام وأظهر لكم أنه مسلم واعتزلكم فلم يقاتلكم ((لَسْتَ مُؤْمِنًا )) حقيقة وإنما إيمانك صرف لقلقة لسان خوفاً من القتل ((تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي هل تطلبون الغنيمة والمال؟، حيث تنكرون إسلام مَن ألقى إليكم السلام فيكون الكلام على الإستفهام التوبيخي، أي لماذا تقتلون مُظهِر الإسلام لغنيمته الزائلة التي هي عرض الحياة الدنيا، أو إن الإستفهام ليس توبيخياً بل على ظاهره، أي إن كنتم تطلبون المال ((فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ)) جمع مغنم وهي الغنيمة ومغانمه في الدنيا بما ستحوزونه من الكفار وفي الآخرة، وقد فُسّرت الغنيمة في اللغة بأنها الفائدة ((كَذَلِكَ )) الذي ألقى إليكم السلام ((كُنتُم مِّن قَبْلُ )) فإنكم كنتم كفاراً كما كان هو كذلك ((فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ )) بأن هداكم للإيمان فكما لم يصح لأحد أن يقول أن إيمانكم عن خوف كذلك لم يصح لكم أن تقولوا أن إيمان من ألقى إليكم السلام عن خوف، وإذا علمتم خطأكم في هذه المرة ((فَتَبَيَّنُواْ )) من بعد، وقد كرّر اللفظ تأكيداً، ولأنه يقع الكلام موقع القبول بعد قيام الحجّة، فكان “تبيّنوا” في الأول مجرد أمر و”تبيّنوا” هنا بعد الدليل والبرهان على لزوم التبيّن عقلاً ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) فهو يعلم أعمالكم وبواعثها فراقبوا الله في كل عمل تقومون به.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

95

ثم يأتي السياق ليبيّن فضل المجاهدين تحريضاً على الجهاد وتحفيزاً للقاعدين على النهوض ((لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) الذين يقعدون في محلهم ولا ينهضون لمقاتلة الأعداء ((غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )) يعني القاعدين الذين ليس بهم ضرر يمنعهم عن الجهاد كالأعمى والأعرج ونحوهما، أما مَن بهم ضرر فهم معذورون ليس عليهم حرج، ولعل المفهوم من الآية أن من به ضرر إذا كانت نفسيته بحيث كان يجاهد لولا الضرر كان له أجر المجاهدين حسب الحديث المأثور (نيّة المؤمن خير من عمله) ((وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ )) بأن أنفقوا أموالهم للجهاد وقدّموا أنفسهم للقاء الكفار في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وسُمّي الجهاد جهاد لما يستلزمه من الجهد والمشقة، فإن في بذل المال والنفس أعظم المشقّات ((فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً )) إذ المجاهد يفضل على القاعد بالجهاد بعد أن كلاً منهما له فضل بالإيمان والصلاة والصيام وسائر شرائع الإسلام ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ))، أي المجاهد والقاعد، فإن الجهاد فرض كفاية فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين ولذا فكلاهما موعود له بالصفة الحسنى من الخير والسعادة وإن كان المجاهد أفضل، في تفسير الأصفى ورد : لقد خلفتم في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم وهم الذين صحّت نيّاتهم ونضجت جيوبهم وهوت أفئدتهم الى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرر أو غير ضرر، أقول : هذا كان في غزوة تبوك ((وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) فقد ورد أن فوق كل برّ بِر إلا الجهاد في سبيل الله، كما ورد أن الأجر بقدر المشقّة، وورد : ما أعمال البر كلها بالنسبة الى الجهاد إلا كنفثة في بحر لجّي، وكان قوله “وفضّل” لدفع وهم ربما يتوهّم من قوله “درجة” فيُقال أنه لا أهمية للدرجة في مقابل تعب الجهاد ومشقته.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

96

ثم بيّن سبحانه الأجر العظيم بقوله ذلك الأجر هو ((دَرَجَاتٍ مِّنْهُ ))، أي من قِبَل الله سبحانه، وهذا تعظيم للأمر فإن الدرجة لو كانت من غيره لكانت هيّنة إذ الدنيا عرض زائل أما التي منه سبحانه فإنه شيء عظيم باق، بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفاً للفرس الجواد المضمر ((وَمَغْفِرَةً ))، أي غفراناً لذنوب المجاهد ((وَرَحْمَةً ))، أي يرحم الله المجاهد بإعطائه النعم الكثيرة ((وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) فيغفر للمجاهد ذنوبه السابقة ويرحمه برحمته الواسعة، قال بعض أن المراد بالدرجة الأولى علوّ المنزلة كما يُقال فلان أعلى درجة عند الخليفة من فلان، وأراد بالثانية الدرجات في الجنة التي بها يتفاضل المؤمنون.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

97

ثم يأتي السياق الى طائفة أخرى من القاعدين الذين لم يعدهم الله الحسنى، بل وَعَدَهم العذاب لأنهم هم السبب في ظلم الكفار لهم وهضمهم حقوقهم ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ))، أي تقبض الملائكة أرواحهم، فإن لملك الموت أعواناً كما ورد في السُنّة ودلّت عليه هذه الآية ((ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ))، أي في حال كونهم ظالمين لأنفسهم لأنهم بقوا في دار الهوان حيث يسومهم الكفار العذاب ويمنعونهم من الإيمان بالله والرسول، وقد كان بإمكان هؤلاء أن يهاجروا الى دار الإيمان ويؤمنوا، ولعل الآية أعم منهم ومن المؤمنين الذين بقوا في دار الكفر ولا يتمكنون من إظهار واجبات الإسلام والعمل بما أوجبه الله سبحانه ((قَالُواْ ))، أي قالت الملائكة لهم عند قبض أرواحهم ((فِيمَ كُنتُمْ ))، أي في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم، وهو إستفهام تقريري توبيخي ((قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ )) ليستضعفنا أهل الشرك في بلادنا فلا يتركوننا لأن نؤمن، أو لا يتركوننا لأن نعمل بالإسلام ((قَالْوَاْ ))، أي قالت الملائكة لهم ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا )) حتى تخرجوا من سلطنة الكفار وتتمكنوا من الإسلام أو من العمل بشرائعه ((فَأُوْلَئِكَ )) الذين سبق وصفهم ((مَأْوَاهُمْ )) الى مرجعهم ومحلهم ((جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا))، أي إنها مصير سيء لعذابها وأهوالها.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...