صحيح أن المدينة لا تزال في حاجة إلى كثير من الخدمات التي حرمت منها منذ سيطرة التنظيم الارهابي عليها، لاسيما وأن هذا التنظيم اعتاد على قصف المناطق التي لم تعد تحت سيطرته، ويعتبر أي شخص تركه وخرج عن سيطرته كافرا يستحق الموت.
منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي انطلقت حملة الجيش العراقي مرفقا بالحشد الشعبي لاستعادة الموصل، ودخلت الدفعة الأولى من القوات شرقي المدينة، في الجزء الواقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة، في وقت مبكر من نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتوالت حينها خطوط المواجهة في النصف الشرقي من الموصل، وتعرض السكان للقتل خلال عملية دحر مقاتلي داعش. ومنذ بداية العام الحالي، سرعت تعزيزات وتكتيكات جديدة من وتيرة الهجوم، وبدأت سلسلة لتحرير أحياء الموصل بسرعة من أيدي الإرهابيين، الى أن أعلن الجيش العراقي منذ حوالي شهر الموصل مدينة محررة بالكامل من إرهاب داعش.
وظهر في صور نشرتها وكالة رويترز احتشاد الناس حول عربات تجرّ باليد وتباع عليها منتجات ومواد غذائية، وبدا المتسوقون منشغلون بشراء حاجياتهم من السوق، وتتصدر الفواكه والخضروات والبيض وغاز الطهي لائحة التسوق، ضروريات بسيطة لسكان الموصل، الذين يعانون من ضائقة مالية.
وتشير الصور الملتقطة حديثا الى عودة الحياة مجددا إلى الأسواق بعد تحرير الموصل بالكامل. وسارعت الحكومة وهيئات المساعدات الدولية الى توفير إمدادات كافية من المواد الغذائية والوقود لأهل المدينة، ويقوم التجار بجلب العديد من المواد وبيعها.
عودة مظاهر الحياة
وبدأت تنتشر السيارات على الطرقات التي ما زالت عليها أثار الحفر والمتاريس الترابية وتم دهان جدران المنازل على عجل، وتقوم جرافات بردم حفر في مدرج المطار نتجت عن هجمات بسيارات مفخخة أو ألغام عبوات ناسفة زرعها مقاتلو “داعش”. ويلعب الأطفال أمام واجهات عليها أثار إطلاق النار، وبجوار المنازل المنهارة مازالت أكوام الأطلال والتراب في أماكنها، وهنالك رجال حليقو اللحى يدردشون مع جيرانهم، واختفى من المشهد صورة رجال بلحى كثيفة كان التنظيم الإرهابي يجبرهم على تربيتها.
وعادت الحياة في الموصل إلى طبيعتها بعد زوال خطر الدواعش. كل يوم، يتدفق سكان المناطق المُحرَّرة من وإلى حي الكوكجلي، لجلب الغذاء والوقود وغيرهما من الاحتياجات الضرورية. فتحت المحال والمطاعم أبوابها مرة أخرى، لينتهي نقص السلع وارتفاع الأسعار، الذي بات حاداً خلال الأسابيع الأخيرة السابقة لتحرير هذه المناطق.
والأمر الذي يبشر بالخير لسكان الموصل أنه مع زيادة السلع المعروضة تراجعت الأسعار، إذ تُباع عُلبة زيت الطعام بحوالي 12 ألف دينار فقط بعد أن تم تحرير المدينة، في حين كانت قيمتها تبلغ عندما كان داعش مسيطرا حوالي 40 ألف دينار.
يذكر أن تنظيم داعش اعتدى على الموصل في يونيو/حزيران عام 2014، ونجح بعض مئات من مقاتلي التنظيم في هزيمة قوات الأمن العراقية والاستيلاء على ثاني أكبر المدن العراقية. منذ ذلك الحين، وجد نحو 5ر1 مليون شخص أنفسهم مضطرين للإذعان لقيود الجماعة الإرهابية، وخيّم الركود الاقتصادي على المدينة بعد أن عُزلت الموصل عن العالم الخارجي واقتصرت حركة التجارة على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا.
في بادئ الأمر، استمرت مدينة بغداد في دفع رواتب الموظفين الحكوميين في مدينة الموصل، لكنها توقفت عن ذلك في النهاية بسبب اقتطاع تنظيم داعش لجزء من هذه المستحقات كضرائب.