لقد ظهرت مؤخراً بدعة غير محبذة في باب الزيارة.
كلنا يعلم أن أئمة الهدى عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أن إمامنا الصادق عليه السلام والإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام )، وباقي الأئمة عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للإمام الحسين (عليه السلام)، كذلك أصبحت المراقد الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام في العراق وايران مزارات يؤمها العلماء والفقهاء والفضلاء، هل سمعتم أن إماماً أو عالماً كبيراً كان ينبطح أرضاً عند دخوله حرم أحد المراقد ويزحف نحو الضريح؟ لو كان هذا الأمر مستحسناً ومجبذاً ومقبولاً لأقدم عليه أئمتنا وعلماؤنا، حتى أنه يروى أن المرحوم آية الله العظمى البروجردي رضوان الله تعالى عليه العالم الكبير والمجتهد المفكر الفذ، كان يمنع تقبيل عتبات المراقد رغم أن ذلك قد يكون مستحباً، ويحتمل أن تكون الروايات قد أوردت مسألة تقبيل العتبات، إنها مسألة تتناولها كتب الأدعية وكذلك الروايات حسبما يتبادر إلى ذهني، رغم أن ذلك قد يكون مستحباً كان المرحوم البروجردي يمنع الناس عنه لكي لا يفكر البعض أنهم يسجدون لها وحتى لا يُشنع الأعداء الشيعة.
واليوم يقوم البعض في المرقد الطاهر للإمام على بن موسى الرضا عليه السلام بالانبطاح أرضاً عند دخولهم والزحف نحو مائتي متر حتى يصلوا إلى الضريح المطهر، إنه عمل خاطئ، إنه توهين، توهين بالدين وبالزيارة، من الذي ينشر هذه البدع بين الناس؟ ربما كان ذلك أيضاً من صنع الأعداء، اشرحوا هذه الأمور للناس، أنيروا أذهانهم، الإسلام دين منطقي، وأكثر المفاهيم منطقية في الإسلام هي مفاهيم الشيعة، إنها مفاهيم راسخة.
لقد سطع المتحدثون الشيعة كالشمس كل في عصره وزمانه، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأن منطقهم ضعيف، ففي زمن أئمتنا برز رجال أمثال مؤمن الطاق وهشام بن الحكم وغيرهما، وبعد زمن الأئمة برز أمثال الشيخ المفيد وغيره، كما برز فيما بعد الكثير من المتحدثين أمثال العلامة الحلي وغيره، إننا أهل منطق واستدلال، انظروا إلى قوة المرحوم شرف الدين في زماننا، وكتاب الغدير للمرحوم العلامة الأميني في زماننا، أينما وجهت وجهك فثمة استدلالات محكمة، هذا هو التشيع، لما يروجون لأعمال ليس فقط تفتقر للاستدلال بل إنها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يهدد عالم الدين ومعارفه، وينبغي على حماة الدين والعقيدة الالتفات له.
كما ذكرت هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام ويقولون في أنفسهم كان يجدر بفلان أن لا يتحدث في هذا الأمر، لا أنا من يجب أن يتحدث به، فمسؤوليتي أكبر من مسؤولية الآخرين، طبعاً يجب على السادة العلماء أن يتحدثوا بهذا الأمر أيضاً.
لقد كان لإمامنا الراحل مواقف حازمة وصارمة، كان أينما رأى مسألة فيها انحراف يتحدث بشأنها بصرامة ولا يخشى لومة لائم، ولو كانت هذه الأمور سائدة في زمانه أو كانت رائجة كما هي اليم لكان تحدث بشأنها دون شك.
ثمة أشخاص متعلقون بهذه الأمور سيستاؤون من الطريقة التي تحدثت بها عن تلك الأمور المحببة لهم، إنهم في غالبيتهم أفراد مؤمنون وصادقون ولا يرمون لشيء ولكنهم خاطئون.
هذه هي المسؤولية الكبيرة التي يجب عليكم أيها السادة العلماء أن تحملوها على عاتقكم أينما كنتم، إن مجلس عزاء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) هو ذلك المجلس الذي يقوم على المعرفة والذي يعتمد على الأركان الثلاثة التي ذكرتها للتوِّ.
من آثار ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) منذ اليوم الأول لهذه الواقعة والآثار الأساسية التي بدأت تظهر ودامت تسطع بمرور الوقت.
ومذ ذاك أحسّ البعض بوظيفة تقع على كاهله، فظهرت قصة التوابين وما يتعلق بالجهاد الطويل لبني هاشم وبني الحسن عليهم السلام والذي استمر حتى قيام ثورة بني العباس على بني أمية في أواسط القرن الهجري الثاني حيث أرسلوا مبلّغين للإسلام إلى أطراف العالم الإسلامي كافة حينها، خصوصاً مناطق شرق ايران وخراسان وغيرها، ومهّدوا الأرضية لإزالة الظلم والاستبداد والغطرسة الأموية.
حتى ثورة العباسيين التي نجحت في النهاية قد بدأت باسم الحسين بن علي (عليه السلام).
طالعوا التاريخ ستلاحظون أن مبلّغي بني العباس عندما كانوا يذهبون إلى أطراف العالم الإسلامي كانوا يتحدثون وينادون بدم الحسين بن علي (عليه السلام) وشهادة ذلك العظيم وكيفية الأخذ بثأر سبط الرسول وفلذة كبد الزهراء عليها السلام لا لشيء إلا ليكون كلامهم ودعوتهم مؤثرين، وهكذا أقبلت الناس عليهم وقبلت منهم.
وحتى اللباس الأسود الذي كان الشعار والزيّ الرسمي لحكومة بني العباس طوال خمسمائة عام إنما اختاروه لكونه زيّ عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ففي البدء اختير اللون الأسود رمزاً لعزاء الإمام الحسين (ع)، وحسبما يدور في خلدي فإنهم كانوا يقولون “هذا حداد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)”.
هكذا بدأ بنو العباس وهكذا أوجدوا ذلك التحول.
والمعلوم إنهم انحرفوا بعد ذلك وواصلوا نهج بني أمية، هذه آثار عاشورائية.
وأما ما حدث في زماننا فكان أعظم من كل هذا، أعني في عصر سيطرة الظلم والكفر والالحاد على العالم، في عصر تعتبر فيه العدالة منافية للقانون.
إن ما ترونه من استبداد القوى الكبرى وسعيها لفرض نظام جديد على العالم، هو تسلط الظلم على أرجاء المعمورة وأعني بذلك ما يجري من جور وانتهاك للحقوق في كل مكان باسم القانون، كقانون الدفاع عن حقوق الإنسان، وأنه لمن أسوأ أنواع الظلم أن يرتكب الظلم باسم العدل والجور باسم الحق.
فجأة وفي مثل هذه الظروف انشق ستار الظلمة وبانت شمس الحقيقة، اعتلى الحقُ كرسيّ الحكم، وطرح الإسلام نفسه في الميدان بعد أن كانت الأيادي تسعى دائماً لفرض العزلة عليه، وشاهد العالم الإسلام الأصيل على شكل حكومة إسلامية.
كل هذا بفضل عاشوراء.
انطلاق الثورة كان بفضل بركة عاشوراء.
فبعد مضي اثنين وثلاثين عاماً على واقعة الخامس عشر من خرداد (الخامس من يونيو) عاد شهر خرداد ليتزامن مع شهر محرم الحرام.
لقد استطاع الإمام العظيم في الخامس عشر من خرداد (الخامس من يونيو عام 1963) والمصادف للثاني عشر من محرم الحرام عام 1383هـ ق، من خلال الاستفادة من واقعة عاشوراء ومحرم بأحسن صورة، أن يطلق من أعماقه نداء الحق ليصل إلى أسماع الناس ويوجد تحولاً فيهم.
في ذلك اليوم كان شهداؤنا في طهران وورامين وبعض المناطق الأخرى هم هؤلاء الحسينيين أنفسهم، فهؤلاء كانوا أول من استشهد في واقعة الخامس عشر من خرداد حيث تعرضوا لهجوم أعداء عاشوراء.
ولقد شاهدتم في عام 1979 كيف استخلص الإمام العظيم مفهوم “انتصار الدم على السيف” من بين مفاهيم محرم وكيف لخّصه وغذّى به أذهان الشعب.
وهكذا حصل، أعني أن الشعب الايراني أخذ الدرس من عاشوراء وسار على نهج الحسين بن علي (عليه السلام) وكانت الغلبة في النهاية للدم على السيف.
وها نحن وأنتم اليوم وارثو هذه الحقيقة التاريخية والمؤتمنون عليها.
المقصود هو أن من يرغب اليوم بالاستماع لمجريات واقعة عاشوراء واتخاذها درساً، فعليه السماع من العلماء والمبلّغين والمبلّغات.
الولاية الاخبارية