الوقت- ارتفعت الأصوات السياسيّة المطالبة للجيش الجزائري بالتدخّل في إدارة البلاد. وفي حين توزّعت الدعاوى بين مطالبات صريحة بالانقلاب على الرئيس، ومبطّنة بالوقوف إلى جانب الرئيس عبر إدارة البلاد، نأت المؤسسة العسكرية بنفسها عن السجال السياسي الدائر بشأن غموض الموقف في أعلى هرم السلطة. وردت برفضها تجاوز الجيش حدود صلاحياته الدستورية، أو الإقدام على أية خطوة سياسية لتُبقي على انحيازها لصالح الدستور.
بيان المؤسسة العسكرية كان حازماً حيث أكّدت أن “جيشنا سيظل جيشا جمهوريا ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظا للاستقلال، جيشا لا يحيد أبدا عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال”، موضحةً أن “إنجازات الجيش دفعت بعض الأقلام المأجورة إلى تنصيب نفسها مدافعاً عن حرية الشعب، وهي التي وصفته بالأمس القريب بكل النعوت والأوصاف”.
الجيش ردّ على الأقلام التي وصفها بالمأجورة والتي دعته سابقاً الجيش لللتحرك لإنقاذ البلاد، واتهمت العسكريين السابقين بالجبن، قائلةً “أنتم الجبناء. أيها السادة لا تفروا من هذا البلد الذي أمدكم بأكثر مما أعطيتموه، ردّ بالقول إن “المواطن الجزائري ليس بذلك البليد أو المعوق، ولا يحتاج إلى وصي تلجمه المناصب والمسؤوليات ولما يُعزل يبيع نفسه للشيطان ويؤجر قلمه لكل آثم حقود”.
بصرف النظر عن الأهداف التي تتحدّث بها المعارضة الجزائرية، ومن منطلق حرصها على البلاد حقّاً، أم أنها في إطار تصفية خصومها السياسيين، إلا أن الدعوات لتدخّل الجيش تنطلي على مخاطر عدّة أبعد من مجرّد خطوة انقلاب أو انتهاك للدستور.
لا ينكر أن أن العسكر كانوا أهم صناع القرار في التاريخ السياسي للجزائر، في أهم منعطفاته، إلا أن الأوضاع قدّ تبدّلت بعد عقود على آخر انقلاب عسكري عام 1992. إن حملات الأطراف السياسية التي تطالب الجيش بالانقلاب، تحاول توريطه بالطريقة نفسها التي تم توريطه في انقلاب العام 1992، الأمر الذي أدّى إلى دخول البلاد في دوامة العنف والإرهاب والخراب السياسي والاقتصاد، وهنا تجدر الإشارة إلى الآتي:
أولاً: يكاد يكون الجيش الجزائري هو الجيش العربي الوحيد الذي لم تطله النيران الإسرائيلية والأمريكية بعد حربي 1967 و1973. فبعد الامساك بقرار الجيش المصري عبر السياسة والاتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي، وحل الجيش العراقي بعد الاحتلال الأمريكي، وكذلك محاولة القضاء على الجيش السوري خلال الأزمة، يبدو أن هناك مشروع لتكرار إحدى هذه السيناريوهات مع الجيش الجزائري. المعارضة الجزائرية من خلال هذا المطلب، من حيث لا تدري لأن الشعب الجزائري “مع فلسطين ظالمة كانت أو مظلومة”، تقدّم هذه الخدمة للكيان الإسرائيلي.
ثانياً: لطالما كان موقف الجيش الرافض للانقلاب والتدخل في الشأن السياسي مطلباً رئيساً لكثير من قوى المعارضة السياسية، والجيش قد أكّد اليوم أنّه لن يتدخل في الشأن السياسي مهما كانت الظروف، وسيلتزم حدود مهامه الدستورية. بعبارة أخرى، إن تمسّك الجيش بالمهام الدستورية التي يخولها الدستور للجيش ليس أكثر، يضع كثيراً من الأطراف، التي راهنت على إمكانية تحول في موقف الجيش، في الزاوية، وبصرف النظر عن أسباب رفض الجيش لخيار الانقلاب العسكري، سواءً كان الأمر انحيازاً من قبل قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، إلى الرئيس بوتفليقة، او التزام الفريق صالح بالفكر الديمقراطي ورفض خيار الانقلاب العسكري، إلا أنّ هذا الأمر مصلحة وطنيّة كبرى.
ثالثاً:اليوم، وبعد سقوط المراهنة على تدخل الجيش عبر المادةّ 102 كخيار ورفض بوتفليقة التنازل عن الحكم بسبب وضعه الصحي، سيدفع المعارضة للبحث عن خيارات أخرى، تماماً كما سعت المعارضة الجزائرية التي تعتبر أقلية بالنسبة لمؤيدي بوتفليقة، سابقاً إلى تطبيق مادة دستورية (المادة 88) والتي تتيح بموجبها للبرلمان عزل الرئيس بسبب عجزه الصحي وإجراء انتخابات مبكرة، بينما يقول أنصاره إن بوتفليقة يمارس مهامه بصفة عادية، وسيكمل ولايته الرئاسية حتى 2019، حيث يشددون على أنه صمام الأمان للجزائر في ظل الوضع السياسي والأمني المتوتر في بلاد الجوار.
ندعوا جميع الجزائريين، أنصار الرئيس والمعارضة، للعمل بما يخدم مصلحة البلاد، وليحذروا جيّداً من الكيان الإسرائيلي الذي يتوغّل بشكل كبير في أفريقياً بشكل عام والدول المحاذية للجزائر على وجه الخصوص. نراهن على هذا الشعب الذي وفق ولا يزال إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيّته المحقّة ولكن احذروا فإن “إسرائيل” تعود بعد سنوات طويلة في ثوب جديد للانتقام من كل من دعم القضية الفلسطينية، وزجّ الجيش في المعترك السياسي سيسرّع عمليّة الانتقام الإسرائيلية.