الرئيسية / بحوث اسلامية / المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي53

المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي53

وقد جاء في رواية الصفار عن عبد الملك قال دعا أبو جعفر بكتاب علي ،
فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويا ، فإذا فيه : ” إن النساء ليس لهن من عقار
الرجل إذا توفي عنهن شئ ، فقال أبو جعفر : هذا والله خط علي وإملاء رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ” ( 978 ) واقتدى بأمير المؤمنين ثلة من شيعته فألفوا
على عهده ، منهم : سلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، فيما ذكره ابن
شهرآشوب ، حيث قال : أول من صنف في الاسلام علي بن أبي طالب ، ثم
سلمان الفارسي ، ثم أبو ذر . ا ه‍ ( 979 ) .
ومنهم أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحب بيت مال
أمير المؤمنين ( ع ) ، وكان من خاصة أوليائه والمستبصرين بشأنه ، له كتاب السنن
والأحكام والقضايا جمعه من حديث علي خاصة ، فكان عند سلفنا في الغاية
القصوى من التعظيم ، وقد رووه بطرقهم وأسانيدهم إليه ( 980 ) ، ومنهم علي
بن أبي رافع – وقد ولد كما في ترجمته من الإصابة على عهد النبي فسماه عليا – له كتاب
في فنون الفقه على مذهب أهل البيت ، وكانوا عليهم السلام يعظمون هذا
الكتاب ، ويرجعون شيعتهم إليه ، قال موسى بن عبد الله بن الحسن : سأل أبي
رجل ، عن التشهد ، فقال أبي : هات كتاب ابن أبي رافع ، فأخرجه وأملاه
علينا . ا ه‍ . ( 981 ) .
واستظهر صاحب روضات الجنات أنه أول كتاب فقهي صنف في الشيعة
( 982 ) ، وقد اشتبه في ذلك رحمه الله ، ومنهم عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي
ووليه ، سمع النبي وروى عنه صلى الله عليه وآله ، قوله لجعفر : ” اشبهت
خلقي وخلقي ” ( 983 ) أخرج ذلك عنه جماعة منهم أحمد بن حنبل في مسنده ،
وذكره ابن حجر في القسم الأول من إصابته بعنوان عبيد الله بن أسلم ، لأن أباه أبا
رافع اسمه أسلم ، ألف عبيد الله هذا كتابا فيمن حضر صفين مع علي ، من
الصحابة ، رأيت ابن حجر ينقل عنه كثيرا في إصابته ، فراجع ( 1 ) ( 984 ) .
ومنهم ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة النعم من حديث علي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ( 985 ) . ومنهم عبد الله بن الحر الفارسي له لمعة في
الحديث جمعها عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ( 986 ) .
ومنهم الأصبغ بن نباتة صاحب أمير المؤمنين وكان من
المنقطعين إليه ، روى عنه عهده إلى الأشتر ، ووصيته إلى ابنه محمد ، ورواهما
أصحابنا بأسانيدهم الصحيحة إليه ( 987 ) . ومنهم سليم بن قيس
الهلالي صاحب علي ( ع ) روى عنه وعن سلمان الفارسي ، له كتاب في الإمامة
ذكره الإمام محمد بن إبراهيم النعماني في الغنية ، فقال : وليس بين جميع الشيعة ممن
حمل العلم أو رواه عن الأئمة لا خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من
كتب الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت وأقدمها ، وهو من
الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها ( 988 ) ا ه‍ . وقد تصدى أصحابنا
لذكر من ألف من أهل تلك الطبقة من سلفهم الصالح ، فليراجع فهارسهم
وتراجم رجالهم من شاء ( 989 ) .
3 – وأما مؤلفو سلفنا من أهل الطبقة الثانية – طبقة التابعين – فإن
مراجعاتنا هذه لتضيق عن بيانهم . والمرجع في معرفتهم ومعرفة مصنفاتهم
وأسانيدها إليهم على التفصيل إنما هو فهارس علمائنا ومؤلفاتهم في تراجم
الرجال ( 1 ) ( 990 ) .
سطع – أيام تلك الطبقة – نور أهل البيت ، وكان قبلها محجوبا بسحائب
ظلم الظالمين ، لأن فاجعة الطف فضحت أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم ، وأسقطتهم من أنظار أولي الألباب ، ولفتت وجوه الباحثين إلى مصائب
أهل البيت ، منذ فقدوا رسول الله صلى الله عليه وآله ، واضطرت الناس
بقوارعها الفادحة إلى البحث عن أساسها ، وحملتهم على التنقيب عن أسبابها ،
فعرفوا جذرتها وبذرتها ، وبذلك نهض أولوا الحمية من المسلمين إلى حفظ مقام
أهل البيت والانتصار لهم ، لأن الطبيعة البشرية تنتصر بجبلتها للمظلوم ، وتنفر
من الظالم ، وكأن المسلمين بعد تلك الفاجعة دخلوا في دور جديد ، فاندفعوا إلى
موالاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين ، وانقطعوا إليه في فروع الدين
وأصوله ، وفي كل ما يؤخذ من الكتاب والسنة من سائر الفنون الاسلامية ،
وفزعوا من بعده إلى ابنه الإمام أبي جعفر الباقر ( ع ) ، وكان أصحاب هذين الإمامين
” العابدين الباقرين ” من سلف الإمامية ألوفا مؤلفة لا يمكن إحصاؤهم ، لكن
الذين دونت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التراجم من حملة العلم عنهما يقاربون
أربعة آلاف بطل ، ومصنفاتهم تقارب عشرة آلاف كتاب أو تزيد ، رواها أصحابنا
في كل خلف عنهم بالأسانيد الصحيحة ، وفاز جماعة من أعلام أولئك الأبطال
بخدمتهما وخدمة بقيتهما الإمام الصادق عليهم السلام ، وكان الحظ الأوفر
لجماعة منهم فازوا بالقدح المعلى علما وعملا .
فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح الجريري القارئ الفقيه المحدث
المفسر الأصولي اللغوي المشهور ، كان من أوثق الناس ، لقي الأئمة الثلاثة ،
فروى عنهم علوما جمة ، وأحاديث كثيرة ، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة
ثلاثين ألف حديث ( 1 ) ( 991 ) ، كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب
منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام ، وكان له
عندهم حظوة وقدم ، قال له الباقر عليه السلام – وهما في المدينة الطيبة – : ” أجلس
في المسجد وافت الناس ، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ” ( 992 ) وقال له
الصادق عليه السلام : ” ناظر أهل المدينة ، فإني أحب أن يكون مثلك من رواتي
ورجالي ” ( 993 ) . وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الخلق ، وأخليت له سارية
النبي صلى الله عليه وآله ، وقال الصادق ( ع ) لسليم ابن أبي حبة : ” ائت
أبان بن تغلب فإنه سمع مني حديثا كثيرا ، فما روى لك فاروه عني ” ( 994 ) وقال
عليه السلام لأبان بن عثمان : ” إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث
فاروها عنه ” ( 995 ) . وكان إذا دخل أبان على الصادق يعانقه ويصافحه ، ويأمر
بوسادة تثنى له ، ويقبل عليه بكله ( 996 ) . ولما نعي إليه قال عليه السلام : ” أما
والله لقد أوجع قلبي موت أبان ” ( 997 ) وكانت وفاته سنة إحدى
وأربعين ومائة ( 998 ) . ولأبان روايات عن أنس بن مالك ،
والأعمش ، ومحمد بن المنكدر ، وسماك بن حرب ،
وإبراهيم النخعي ، وفضيل بن عمرو ، والحكم ، وقد احتج به مسلم
وأصحاب السنن الأربعة كما بيناه إذ أوردناه – في المراجعة 16 – ( 999 ) . ولا يضره
عدم احتجاج البخاري به ، فإن له أسوة بأئمة أهل البيت ، الصادق ،
والكاظم ، والرضا ، والجواد التقي ، والحسن العسكري الزكي ، إذ لم يحتج
بهم ، بل لم يحتج بالسبط الأكبر سيد شباب أهل الجنة ، نعم احتج بمروان بن
الحكم ، وعمران بن حطان ، وعكرمة البربي ، وغيرهم من أمثالهم ، فإنا لله وإنا
إليه راجعون ( 1000 ) .
ولأبان مصنفات ممتعة ، منها كتاب تفسير غريب القرآن أكثر فيه من شعر
العرب شواهد على ما جاء في الكتاب الحكيم ( 1001 ) ، وقد جاء فيما بعد ،
عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي ، فجمع من كتاب أبان ، ومحمد بن السائب
الكلبي ، وابن روق عطية بن الحارث ، فجعله كتابا واحدا بين ما اختلفوا فيه ،
وما اتفقوا عليه ، فتارة يجئ كتاب أبان مفردا ، وتارة يجئ مشتركا على ما عمله
عبد الرحمن ، وقد روى أصحابنا كلا من الكتابين بالأسانيد المعتبرة ، والطرق
المختلفة ، ولأبان كتاب الفضائل ، وكتاب صفين ، وله أصل من الأصول التي
تعتمد عليها الإمامية في أحكامها الشرعية ، وقد روت جميع كتبه بالإسناد إليه ،
والتفصيل في كتب الرجال ( 1002 ) .
ومنهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار ( 1003 ) ، كان من ثقات سلفنا
الصالح وأعلامهم ، أخذ العلم عن الأئمة الثلاثة – الصادق والباقر وزين
العابدين عليهم السلام – وكان منقطعا إليهم ، مقربا عندهم ، أثنى عليه
الصادق ، فقال عليه السلام : أبو حمزة في زمانه مثل سلمان الفارسي في زمانه
( 1004 ) . وعن الرضا عليه السلام : ” أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه “
( 1005 ) له كتاب تفسير القرآن ، رأيت الإمام الطبرسي ينقل عنه في تفسيره –
مجمع البيان ( 1 ) – وله كتاب النوادر ، وكتاب الزهد ، ورسالة الحقوق ( 2 )
( 1006 ) ، رواها عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين ( ع ) ، وروى عنه دعاءه
في السحر ، وهو أسنى من الشمس والقمر ، وله رواية عن أنس ، والشعبي ،
وروى عنه وكيع ، وأبو نعيم ، وجماعة من أهل تلك الطبقة من أصحابنا
وغيرهم ، كما بيناه في أحواله – في المراجعة 16 ( 1007 ) .
وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين ، وإنما فازوا بخدمة الباقرين
الصادقين عليهما السلام .
فمنهم أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير الأصغر ليث ابن مراد
البختري المرادي ، وأبو الحسن زرارة بن أعين ، وأبو جعفر محمد بن مسلم بن
رباح الكوفي الطائفي الثقفي ، وجماعة من أعلام الهدى ومصابيح الدجى ، لا
يسع المقام استقصاءهم ( 1008 ) .

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...