الرؤية الرسالية الكونية
على الإسلام السلام، أي أن على الإنسان الذي أراد له الله التكامل، سيسير نحو التسافل والحضيض الذي هو أقل من الحيوان، والإمام خليفة الله في الأكوان، رأى الإنسان الذي سينشأ في عهد يموت في الإسلام، وتنتهي فيه فروع الشجرة الطيبة، وتنحصر فيه شروط التكامل الإنساني، هذا التكامل الذي خلق الكون لأجله، فلذلك كان وجود يزيد يعني انهيار المشروع الكوني للإنسان وانتهاء الرسالة التي جاء بها الأنبياء التي تبين الغاية من وجده والقصد من وجود الكون الذي يحتضن هذا المشروع الإلهي، الذي يصل بالإنسان إلى أٌقرب مراتب الألوهية من خلال العبودية، والذي يرفع الإنسان من حالة الحيوانية إلى حالة الإنسانية الحقيقية.
المسؤولية
الإمام الكامل والمسؤول عن الرسالة الإلهية، كانت تقع على عاتقه أعباء الحفاظ على اتجاه المسيرة البشرية نحو التكامل، وهو المسؤول عن إبقاء باب التكامل الإنساني مفتوحاً على طول الزمن والمسار البشري، هذا المسار الذي كان معرضاً للإنكسار والإنتكاس إلى ما لا عودة، فعلى الإسلام السلام، هذه المسؤولية دفعت الإمام بمبادرته الذاتية وقراره الذاتي إلى اتخاذ قرار مسؤول دفع ثمنه دماء كل أبنائه وأصحابه وسبي نسائه وبناته في الصحراء، سلام الله عليه وعلى الجراح والدماء التي سالت من جسده المقدس.
الإستدامة في القصد
منذ لحظة توديع فاطمة العليلة في المدينة وحتى توديع الطفل الرضيع ذبيحاً في صحراء كربلاء، كان الإمام يسير في خط واحد، نحو مقصد واحد، لم تغير في هذا المقصد كل الصعوبات التي واكبته في المدينة إلى مكة إلى الطريق إلى أخبار الكوفة إلى كربلاء والعطش واستشهاد الجميع والنساء التي كانت تقف خلفه وهو يقاتل وحيداً أمام جيش من عشرات الآلاف. انثيال الناس عنه وترك الخواص والعوام لمسيرته وقافلته لم يغير الغاية ولم يتحول عنها، لقد كان تشخيصه صلوات الله عليه واضحاً : إن لم أخرج فعلى الإسلام السلام.
الرحمة وهم المجتمع
الغاية الأصلية لكل الحركة التي بادر إليها سيد الشهداء صلوات الله عليه، هي رحمة المجتمع، السلام عليك يا رحمة الله الواسعة، فهو باب للرحمة فتح على الأمة التي غرقت بين يدي يزيد واستسلمت له، فالإمام لم يخرج لغاية ملك أو سلطة، ولو كان ذلك لما استمر في السير حتى وصل كربلاء مدركاً لحال الكوفة، فهو كل ما قام به كان لأجلنا، لأجلي ولأجلك أنت، أنت الذي تتنعم ببركة الإنسانية والإسلام بفضل الدماء التي سالت، بفضل الصبر والعطش والسبي، بفضل الجراح والآلام والدموع التي لم تتوقف. الرحمة هذه هي ركن أساس في شخصية الإمام القيادية، فهو القائد الأب الذي يضحي لأجلنا، لأجل هدايتنا وإنسانيتنا وإنقاذاً لنا من الغرف في حضيض الحيوانية لا بل أقل.
الإستقطاب والتحفيز والدوافع
اجتذب الإمام كل من التحق بقافلته من الأصحاب، فبعضهم أرسل إليه الرسائل، وبعضهم أوفد إليه، وبعضهم الآخر زاره، وبعضهم الآخر التقاه في الطريق، وبعضهم مثل الحر الرياحي قابله كعدو في البداية، ثم اجتذبه بجماله اللامحدود. رغم رفض الكثيرين الإستجابة لدعوته فإنه استمر في دعوة الآخرين، ولم يخف عمن التحق به في البداية خبر استشهاد مسلم، بل خرج على الجماعة وأنبأهم بأنه ذاهب إلى الشهادة، وفي الليلة الأخيرة، ليلة العزم، أعطاهم الخيار بالانسحاب تحت جنح ليل التاسع من محرم، فهو دعاهم لكنه أراد أن يكون قرارهم ذاتياً بدافع صافٍ ويقين ثابت ليسجل ملحمةً ليس فيها أي خلل أو أي تراجع أو انسحاب أو ضعف.
ليلة العزم كانت تعبيراً من الأصحاب عن استعدادهم للشهادة من أجله وفي سبيله، لم يريدو الحياة من بعده، فماذا رأوا فيه ولماذا كانت تضحيتهم لأجله كفرد ؟ لماذا رأوا فيه ما لم يره الآخرون ؟ إنها حالة الجذب الوجودي التي يملكها الإنسان الكامل الذي يتمتع بالصفات الإلهية، فكل من يحمل نفساً صافياً وروحاً تحمل اللهفة والحب لتلك الصفات السامية تنجذب بشكل تلقائي إلى حامل تلك الصفات بشكلها الأسمى والأرقى والأعلى بين البشر.
صقل الدوافع والخطاب التعبوي كان جزءاً مكملاً للحماس والإندفاع الذي امتلكه كل من التحق بقافلة الإمام الشهيد صلوات الله عليه، واستمر في تلك القافلة حتى يوم العاشر،
البيان والتبيين
حركة الإصلاح عند الإمام الحسين صلوات الله عليه بدأت بالتبيلغ والحوار والخطاب، فبيّن طبيعة الإنحراف الموجود لمن لا يدركه، وحجمه وعمقه لمن حاول إهماله وتجاهل خطره، واعلن موقفه الواضح من ضرورة التصدي لهذا الإنحراف البنيوي في الأمة والذي كان وجود يزيد في السلطة رمزاً لاستفحاله واجتياحه لكل مفاصل الحياة، وفي بيانه كذلك دعا الخواص والعوام للقيام والإلتحاق بمشروع الإصلاح، وحرص على تبيين الموقف بأعلى ما يمكن من الوضوح لمعسكر عبيد الله بن زياد، حتى استخدم الدليل الحسي المباشر في النهاية سائلاً إياهم أليست هذه عباءة رسول الله صلوات الله عليه، حريصاً على أن يكون موقفه من القاصي والداني والعالم والجاهل وللأجيال التي عاصرت الرسول صلوات الله عليه وتلك التي لم تعاصره، لكي لا يكون هناك أي شك أو جهل بما خرج لأجله وبما ضحى بكل شيء في سبيله، ولكي لا يكون لدى أحد في المعسكر الآخر أي شك فيمن يقاتلون ولماذا يرفض التسليم والبيعة.